منهج الاستقامة -الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی
في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (113)
قال تعالى( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) سورة البقرة من الاية 234 الى 235 .
نتعرض في هذه الاية الى مطالب عدة
الاول : التعريض بخطبة المراة المطلقة او المتوفي عنها زوجها
الله يتعامل مع واقع الانسان وخلجاته النفسية وما يضمر،والواقع ان الانسان من اعقد الاجهزة الموجودة في الكون ففيه المشاعر والعواطف والعقل والنفس وهذه الاجهزة من الصعوبة السيطرة عليها لكل انسان ، ومن اجل ذلك وحتى لا يجعل الانسان يقع في الحرج والحرمة والاثم في مثل هذا الموضوع اباح للشخص اذا اراد الزواج من المرأة المطلقة او المتوفي عنها الزوج من التعريض بها او الاكنان في النفس ، والتعريض ضد التصريح وهو تضمين كلامه ما يصلح للدلالة على المقصود فكأنما يحوم حول ما يريد ولكن لا يريد اظهاره بشكل مباشر . عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يلقاها فيقول: انى فيك لراغب، وأنى للنساء لمكرم، فلا تسبقينى بنفسك) ([1]) .
قال الماوردي : والتَّعْرِيضُ المُباحُ في العِدَّةِ أنْ يَقُولَ لَها: ما عَلَيْكِ أيْمَةٌ ولَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَسُوقَ إلَيْكَ خَيْرًا، أوْ يَقُولَ: رُبَّ رَجُلٍ يَرْغَبُ فِيكِ، إلى ما جَرى مَجْرى هَذِهِ الألْفاظِ([2]) .
الثاني : حرمة المواعدة للمرأة سرا
يحذر الله تبارك وتعالى الانسان من الاجواء التي يمكن ان تكون ارضية مناسبة للانحراف والفساد والخروج على القواعد ولذلك يقول تعالى ( وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ) وكذلك ورد في الحديث ( ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) ([3]) .
ومن هذا المنطلق يجب على الانسان المؤمن ان لا يقتحم مناطق الخطر في التفكير والذي ربما يؤدي الى السلوك العملي المنحرف بين الرجل والمراة .
وفي ما ورد عن اهل البيت عليهم السلام بخصوص هذه الاية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل ” ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ” قال: هو الرجل يقول: للمرأة قبل أن تنقضي عدتها أواعدك بيت فلان ليعرض لها بالخطبة ) ([4]) .
قال القرطبي : اختلف في السر الى اقوال ، فَقِيلَ، مَعْنَاهُ نِكَاحًا، أَيْ لَا يَقُلِ الرَّجُلُ لِهَذِهِ الْمُعْتَدَّةِ تَزَوَّجِينِي، بَلْ يُعَرِّضُ إِنْ أَرَادَ، وَلَا يَأْخُذُ مِيثَاقَهَا وَعَهْدَهَا أَلَّا تَنْكِحَ غَيْرَهُ فِي اسْتِسْرَارٍ وَخُفْيَةٍ،وَقِيلَ: السِّرُّ الزِّنَا، أَيْ لَا يَكُونَنَّ مِنْكُمْ مُوَاعَدَةٌ عَلَى الزِّنَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ التَّزَوُّجِ بَعْدَهَا. وَقِيلَ: السِّرُّ الْجِمَاعُ، أَيْ لَا تَصِفُوا أَنْفُسَكُمْ لَهُنَّ بِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ تَرْغِيبًا لَهُنَّ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ ذِكْرَ الْجِمَاعِ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ فُحْشٌ) ([5]) .
الثالث : القول المعروف استثناء من السر
استثنى الله تعالى من المواعدة السرية التي يمكن ان يصدر من خلالها بعض السلوكيات المنحرفة هو القول المعروف ، فقال تعالى (إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا) وهي ان استطعتم ايها الرجال من المواعدة وكانت المواعدة لا تتضمن الكلام الفاحش والبعيد عن الاخلاق والذوق والشرع بل كان الحديث عن الصفات الذاتية وعن الحياة التي توفرها لها عند الزواج بها فلا مانع من ذلك كما ورد في الحديث عن أبى عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل (ولا تواعدوهن سرا الا أن تقولوا قولا معروفا) قال: المرأة في عدتها تقول لها قولا جميلا ترغبها في نفسك ) ([6]) .
قال الكاشاني : ( إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) وهو أن تعرّضوا ولا تصرّحوا والمستثنى منه محذوف ، أي : لا تواعدوهنّ مواعدة إلا مواعدة معروفة . وقيل : معناه لا تواعدوهنّ جماعا ، وهو أن يقول لها : إن نكحتك كان كيت وكيت ، يريد : ما يجري بينهما تحت اللحاف ، إلَّا أن تقولوا قولا معروفا ، أي : غير رفث وإفحاش في الكلام) ([7]) .
الرابع : حرمة العقد في العدة
لم يختلف فقهاء الاسلام في حرمة العقد في العدة وانه لا اثر له ، سواء كانت العدة رجعية او بائنة وسواء كانت عدة وفاة ام غيرها ، ولكنهم اختلفوا في حرمة المرأة المعقود عليها فهل تحرم على الرجل بشكل دائم بعد العقد او لا تحرم ،والمهم عندنا هو راي علماء الشيعة في ذلك .وهناك فرق بين العالم والجاهل بالموضوع .
1- فلو علم الرجل أو المرأة بانها في العدة وبحرمة الزواج فيها وتزوج بها حرمت عليه ابداً وان لم يدخل بها بعد العقد .؟
2- واذا كانا جاهلين بانها في العدة أو بحرمة الزواج فيها وتزوج بها بطل العقد، فان كان قد دخل بها ـ ولو دبراً ـ حرمت عليه مؤبداً ايضاً وإلاّ جاز الزواج بها بعد تمام العدة. ؟
قال السيستاني : يحرم الزواج بالمرأة دواماً أو متعة في عدتها من الغير ، رجعية كانت أو بائنة عدة الوفاة أو غيرها، من نكاح دائم أو منقطع أو من وطء شبهة أو غيرها، فلو علم الرجل أو المرأة بأنها في العدة و بحرمة الزواج فيها و تزوج بها حرمت عليه ابداً و إن لم يدخل بها بعد العقد، و إذا كانا جاهلين بأنها في العدة أو بحرمة الزواج فيها و تزوج بها بطل العقد، فان كان قد دخل بها و لو دبراً حرمت عليه مؤبداً ايضاً و إلّا جاز الزواج بها بعد تمام العدة([8]) .
ولذلك قال تعالى ( وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ )
الخامس : خطوات الشيطان
الله تبارك وتعالى يحذر الانسان من خطوات الفساد والانحراف واستغلال الظروف غير المناسبة التي تعيشها المراة في ظرفها وهو طلاقها او وفاة زوجها وان الله عليم به وبما يضمر ويخفي لذلك عليه ان يتحرك ضمن واقع الاحكام الالهية ولا يتعدى الحدود الالهية ، ومع ذلك فالله غفور حليم يتجاوز عن السيئات قبل ان تتحول الى جرائم بحق الاخرين . لذلك قال تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) .
قال البيضاوي : (واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في أنْفُسِكُمْ﴾ مِنَ العَزْمِ عَلى ما لا يَجُوزُ. ﴿فاحْذَرُوهُ﴾ ولا تَعْزِمُوا. ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لِمَن عَزَمَ ولَمْ يَفْعَلْ خَشْيَةً مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى. ﴿حَلِيمٌ﴾ لا يُعاجِلُكم بِالعُقُوبَةِ([9]) .
__________________________________________
([1]) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (العلامه المجلسی) ، الجزء : 20 ، الصفحة : 199
([2]) تفسير الماوردي النكت والعيون (الماوردي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 304
([3]) روح البيان ، إسماعيل حقي ،ج 7 صفحة : 215
([4]) وسائل الشيعة -الإسلامية المؤلف : الشيخ الحر العاملي الجزء : 14 صفحة : 384
([5]) تفسير القرطبي (القرطبي) ، الجزء : 3 ، الصفحة : 190 .
([6]) الکافی- ط دارالحديث (الشيخ الكليني) ، ج 10 ، ص 861
([7]) زبدة التفاسير ، الملا فتح الله الكاشاني ، ج1 ، ص376 .
([8]) منهاج الصالحين المؤلف : السيد علي الحسيني السيستاني الجزء : 3 صفحة : 63
([9]) تفسير البيضاوي انوار التنزيل واسرار التاويل (ناصر الدين البيضاوي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 146
2,128 total views, 1 views today
