سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ ….)138

تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ ….)138

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد  (138)

قال تعالى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) سورة البقرة الاية (275 ،276).

نتعرض في هاتين الايتين الى مطالب عدة

اولا : ما هو الربا

تعريف الربا لغة : و”الإرباء” الزيادة على الشيء،وإنما قيل للرابية [رابية] لزيادتها في العظم والإشراف على ما استوى من الأرض مما حولها ([1]).

واصطلاحا : قال العلامة ،واصطلاحا بيع أحد المثلين بالآخر مع الزيادة ([2]).

ويقسم الربا الى قسمين .

 القسم الاول : الربا في المعاملة ويشترط في ربا المعاملة

(أ) اتحاد الجنس و الذات عرفا و إن اختلفت الصفات ، فلا يجوز بيع مائة كيلو من الحنطة الجيدة بمائة و خمسين كيلو من الرديئة.

(ب) أن يكون كل من العوضين من المكيل أو الموزون ، فإن كانا مما يباع بالعد مثلاً كالبيض و الجوز في بعض البلاد فلا بأس ، فيجوز بيع بيضة ببيضتين و جوزة بجوزتين في تلك البلاد . ([3]).

القسم الثاني :الربا في القرض

القرض وهو ، عبارة عن طلب المال من شخص أو جهة على أن يرجعه في مدة معينة أو عند الاستطاعة اوتمليك المال على وجه الضمان . وفي هذا القرض لا تجوز الزيادة بل على المقترض ان يرجع المال الى صاحبه ويحرم .

 قال الايرواني : يحرم الربا فى القرض ، وذلك باشتراط المقرِض دفع زيادة على المقدار المقترَض ، ويجوز للمقترِض اشتراط التسديد بالأقل ، وإذا تبرع المقترِض بدفع الزيادة بدون اشتراط جاز قبولها ، بل ذلك مستحب([4]).

ثانيا: فلسفة وحكمة تحريم الربا 

التحريم في الشريعة الاسلامية ينطلق من حكمة وفلسفة وعلة ،وليس ياتي جزافا من اجل الحكم بما هو حكم ،ولو نظرنا الى حرمة الربا نجد ان الحكمة والفلسفة في تحريمه ينطلق من عدة مفاسد اخلاقية واقتصادية واجتماعية ومنها ، انقطاع المعروف بين الناس ، والى كساد التجارات والعمل في المعامل والمصانع ،والى زيادة مال الغني وفقر الفقير ، وهذا يؤدي الى انتشار الظلم في المجتمع وهذا ما اشارت اليه روايات اهل البيت عليهم السلام .؟

فعن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن علَّة تحريم الرِّبا ، فقال ( عليه السلام ) : « إنّه لو كان الرِّبا حلالا لترك النّاس التّجارات وما يحتاجون إليه ، وحرّم الله الرِّبا لتنفر النّاس من الحرام إلى الحلال وإلى التّجارات من البيع والشّراء فيبقى ذلك بينهم في القرض »([5]).

عن الإمام علي بن موسى الرضا – عليه آلاف التحية والثناء – فقد ورد أنّ الرضا ( عليه السلام ) قال : « وعلَّة تحريم الرِّبا لما نهى الله عزّ وجلّ عنه ولما فيه من فساد الأموال لأنّ الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً وثمن الآخر باطلا ، فبيع الرِّبا وشراؤه وكسٌ على كل حال على المشتري وعلى البائع ، فحرّم الله عزّ وجلّ على العباد الرِّبا لعلَّة فساد الأموال ، كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من فساده حتى يؤنس منه رشد ، فلهذه العلَّة حرّم الله عزّ وجلّ الرِّبا . »([6]).

 عن سماعة قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) « إنّي قد رأيت الله تعالى قد ذكر الرِّبا في غير آية وكرّره ؟ قال ( عليه السلام ) : أو تدري لم ذلك ؟ قلت لا ، قال : لئلَّا يمتنع النّاس من اصطناع المعروف »([7]).

 قال الاندلسي : لِأنَّ البَيْعَ عِوَضٌ ومُعَوَّضٌ لا غَبْنٌ فِيهِ، والرِّبا فِيهِ التَّغابُنُ وأكْلُ المالِ الباطِلُ؛ لِأنَّ الزِّيادَةَ لا مُقابِلَ لَها مِن جِنْسِها، بِخِلافِ البَيْعِ، فَإنَّ الثَّمَنَ مُقابَلٌ بِالمُثَمَّنِ. قالَ جَعْفَرُ الصّادِقُ: حَرَّمَ اللَّهُ الرِّبا لِيَتَقارَضَ النّاسُ، وقِيلَ: حَرَّمَ لِأنَّهُ مُتْلِفٌ لِلْأمْوالِ، مُهْلِكٌ لِلنّاسِ([8]).

ثالثا : التصوير الالهي  لآكل الربا

ذكر المفسرون وجوه عديدة في معنى الاية الكريمة ، ويمكن القول ان الانسان تارة يعيش مس الشيطان وهذا المس في الحقيقة الوسوسة التي يحدثها الشيطان للانسان (من شر الوسواس الخناس ) ([9]).ولذلك فهذا الانسان يسعى الى الدنيا الحرام والشهوات ،وتارة اخرى يعيش الدين والتقوىوالايمان بفضل الرحمة الالهية والاستعداد النفسي ،وآكل الربا يعيش الافراط في حب الدنيا والشهوات فإذا مات على ذلك سوف يكون هذا حجاب بينه وبين ربه تعالى ، فالخبط الذي حصل له في الدنيا سوف يورثه الخبط في عالم الاخرة وهذا من تجسم الاعمال .

قال الرازي([10]) : قالَ الجُبّائِيُّ: النّاسُ يَقُولُونَ المَصْرُوعُ إنَّما حَدَثَتْ بِهِ تِلْكَ الحالَةُ؛ لِأنَّ الشَّيْطانَ يَمَسُّهُ ويَصْرَعُهُ وهَذا باطِلٌ؛ لِأنَّ الشَّيْطانَ ضَعِيفٌ لا يَقْدِرُ عَلى صَرْعِ النّاسِ وقَتْلِهِمْ ويَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ:

أحَدُها: قَوْلُهُ تَعالى حِكايَةً عَنِ الشَّيْطانِ ﴿وما كانَ لِي عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ إلّا أنْ دَعَوْتُكم فاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾ ([11]).وهَذا صَرِيحٌ في أنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْطانِ قُدْرَةٌ عَلى الصَّرْعِ والقَتْلِ والإيذاءِ. والثّانِي: الشَّيْطانُ إمّا أنْ يُقالَ: إنَّهُ كَثِيفُ الجِسْمِ، أوْ يُقالُ: إنَّهُ مِنَ الأجْسامِ اللَّطِيفَةِ، فَإنْ كانَ الأوَّلَ وجَبَ أنْ يُرى ويُشاهَدَ، إذْ لَوْ جازَ فِيهِ أنْ يَكُونَ كَثِيفًا ويَحْضُرَ ثُمَّ لا يُرى لَجازَ أنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِنا شُمُوسٌ ورُعُودٌ وبُرُوقٌ وجِبالٌ ونَحْنُ لا نَراها، وذَلِكَ جَهالَةٌ عَظِيمَةٌ؛ ولِأنَّهُ لَوْ كانَ جِسْمًا كَثِيفًا فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ أنْ يَدْخُلَ في باطِنِ بَدَنِ الإنْسانِ، وأمّا إنْ كانَ جِسْمًا لَطِيفًا كالهَواءِ، فَمِثْلُ هَذا يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ فِيهِ صَلابَةٌ وقُوَّةٌ، فَيَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ قادِرًا عَلى أنْ يَصْرَعَ الإنْسانَ ويَقْتُلَهُ. الثّالِثُ: لَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَقْدِرُ عَلى أنْ يَصْرَعَ ويَقْتُلَ لَصَحَّ أنْ يَفْعَلَ مِثْلَ مُعْجِزاتِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ وذَلِكَ يَجُرُّ إلى الطَّعْنِ في النُّبُوَّةِ.

الرّابِعُ: أنَّ الشَّيْطانَ لَوْ قَدَرَ عَلى ذَلِكَ فَلِمَ لا يَصْرَعُ جَمِيعَ المُؤْمِنِينَ ولِمَ لا يَخْبِطُهم مَعَ شِدَّةِ عَداوَتِهِ لِأهْلِ الإيمانِ، ولِمَ لا يَغْصِبُ أمْوالَهم، ويُفْسِدُ أحْوالَهم، ويُفْشِي أسْرارَهم، ويُزِيلُ عُقُولَهم ؟ وكُلُّ ذَلِكَ ظاهِرُ الفَسادِ، واحْتَجَّ القائِلُونَ بِأنَّ الشَّيْطانَ يَقْدِرُ عَلى هَذِهِ الأشْياءِ بِوَجْهَيْنِ: الأوَّلُ:

ما رُوِيَ أنَّ الشَّياطِينَ في زَمانِ سُلَيْمانَ بْنِ داوُدَ عَلَيْهِما السَّلامُ كانُوا يَعْمَلُونَ الأعْمالَ الشّاقَّةَ عَلى ما حَكى اللَّهُ عَنْهم أنَّهم كانُوا يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِن مَحارِيبَ وتَماثِيلَ وجِفانٍ كالجَوابِي وقُدُورٍ راسِياتٍ.

والجَوابُ عَنْهُ: أنَّهُ تَعالى كَلَّفَهم في زَمَنِ سُلَيْمانَ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَدَرُوا عَلى هَذِهِ الأفْعالِ وكانَ ذَلِكَ مِنَ المُعْجِزاتِ لِسُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ. والثّانِي: أنَّ هَذِهِ الآيَةَ وهي قَوْلُهُ: ﴿يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ﴾ صَرِيحٌ في أنْ يَتَخَبَّطَهُ الشَّيْطانُ بِسَبَبِ مَسِّهِ.

والجَوابُ عَنْهُ: أنَّ الشَّيْطانَ يَمَسُّهُ بِوَسْوَسَتِهِ المُؤْذِيَةِ الَّتِي يَحْدُثُ عِنْدَها الصَّرَعُ، وهو كَقَوْلِ أيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿أنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وعَذابٍ﴾([12]) وإنَّما يَحْدُثُ الصَّرَعُ عِنْدَ تِلْكَ الوَسْوَسَةِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَهُ مِن ضَعْفِ الطِّباعِ، وغَلَبَةِ السَّوْداءِ عَلَيْهِ، بِحَيْثُ يَخافُ عِنْدَ الوَسْوَسَةِ فَلا يَجْتَرِئُ فَيُصْرَعَ عِنْدَ تِلْكَ الوَسْوَسَةِ، كَما يُصْرَعُ الجَبانُ مِنَ المَوْضِعِ الخالِي، ولِهَذا المَعْنى لا يُوجَدُ هَذا الخَبْطُ في الفُضَلاءِ الكامِلِينَ وأهْلِ الحَزْمِ والعَقْلِ، وإنَّما يُوجَدُ فِيمَن بِهِ نَقْصٌ في المِزاجِ وخَلَلٌ في الدِّماغِ فَهَذا جُمْلَةُ كَلامِ الجُبّائِيِّ في هَذا البابِ، وذَكَرَ القَفّالُ فِيهِ وجْهًا آخَرَ، وهو أنَّ النّاسَ يُضِيفُونَ الصَّرَعَ إلى الشَّيْطانِ وإلى الجِنِّ، فَخُوطِبُوا عَلى ما تَعارَفُوهُ مِن هَذا، وأيْضًا مِن عادَةِ النّاسِ أنَّهم إذا أرادُوا تَقْبِيحَ شَيْءٍ أنْ يُضِيفُوهُ إلى الشَّيْطانِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿طَلْعُها كَأنَّهُ رُءُوسُ الشَّياطِينِ﴾([13]) .

الرابع :  الروايات في تصوير حرمة الربا

ورد عن النبي ’ والائمة الاطهار الكثير من الروايات التي حذرت من الربا وشنعت على على العاملين به اشد التشنيع وما ذلك الا لان الربا

عن علي (عليه السلام) قال: لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الربا ومؤكله وبايعه وكاتبه وشاهديه ([14]) .

عن عليّ ابن أبي طالب (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال في وصيّته له: يا علي الربا سبعين جزءاً أيسرها مثل أن ينكح الرجل اُمّه في بيت الله الحرام، يا علي درهم من ربا أعظم من سبعين زنية كلّها بذات محرم في بيت الله الحرام([15]) .

عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): إذا ظهر الربا من بعدي ظهر موت الفجأة([16]) .

 روي عن علي (عليه السلام) أنّه قال: إذا أراد الله بقرية هلاكاً ظهر فيهم الربا([17]) .

الخامس: البيع ليس مثل الربا

القى المشركون والمرابون شبهة في قلوب المؤمنين وهي ان البيع مثل الربا فلا فرق بين البيع والربا  لذلك هؤلاء ( قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) ولكن الله تعالى نهرهم عن هذه التسوية وهذا القياس

قال الالوسي :  أرادُوا نَظْمَهُما في سِلْكٍ واحِدٍ لِإفْضائِهِما إلى الرِّبْحِ فَحَيْثُ حَلَّ بَيْعٌ ما قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمَيْنِ حَلَّ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ إلّا أنَّهم جَعَلُوا الرِّبا أصْلًا في الحِلِّ وشَبَّهُوا البَيْعَ بِهِ رَوْمًا لِلْمُبالَغَةِ الفاسد فقال تعالى ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ).

﴿وأحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبا﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى رَدًّا عَلَيْهِمْ وإنْكارًا لِتَسْوِيتِهِمْ، وحاصِلُهُ أنَّ ما ذَكَرْتُمْ قِياسٌ فاسِدُ الوَضْعِ لِأنَّهُ مُعارِضٌ لِلنَّصِّ فَهو مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ عَلى أنَّ بَيْنَ البابَيْنِ فَرْقًا، وهو أنَّ مَن باعَ ثَوْبًا يُساوِي دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ فَقَدْ جُعِلَ الثَّوْبُ مُقابِلًا لِدِرْهَمَيْنِ فَلا شَيْءَ مِنهُما إلّا وهو في مُقابَلَةِ شَيْءٍ مِنَ الثَّوْبِ، وأمّا إذا باعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ فَقَدْ أخَذَ الدِّرْهَمَ الزّائِدَ بِغَيْرِ عِوَضٍ ولا يُمْكِنُ جَعْلُ الإمْهالِ عِوَضًا إذِ الإمْهالُ لَيْسَ بِمالٍ حَتّى يَكُونَ في مُقابَلَةِ المالِ﴾([18]) .

السادس : الله لا يحاسب على الربا المتقدم

كل الاحكام الالهية التي جاء بها الاسلام لا يحاسب الله تعالى عنها عندما كانت قبل الاسلام لمن قام بها وهذا من لطف الله تعالى والاسلام فلا يعذب الله الا بعد القاء الحجة واما عندما نهى عنها فلا يجوز البقاء والعمل به ولذلك حذر الله تعالى المجتمع من الاستمرار عليها .

لذلك قال تعالى : ( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

 عن النبي ’ ( ألا وإن كل شئ من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين ، وربا الجاهلية موضوع . وأول ربا أضعه ربانا .ربا العباس بن عبد المطلب ، فإنه موضوع كله ﴾([19]) .

السابع : بديل الربا المضاربة

 المضاربة بديل مثالي عن الربا لانه استثمار وتحريك للمال والعمال وكذلك ياتي في فائدة الواقع الاجتماعي والاقتصادي  .

قال السيستاني المضاربة ( عقد واقع بين شخصين على أن يدفع احدهما إلى الآخر مالاً ليتّجر به ويكون الربح بينهما )ويشترط فيه  الإيجاب والقبول ، البلوغ والعقل والرشد والاختيار في كل من المالك والعامل ،  وتعيين حصة كل منهما بالكسور من نصف أو ثلث ،وأن يكون الربح بينهما،وان يكون العامل قادراً على التجارة فيما كان المقصود مباشرته للعمل ، فإذا كان عاجزاً عنه لم تصح([20]) .

الثامن : التضاد بين الصدقة والربا

هناك تضاد بين الصدقة والربا ، فالانسان المرابي يطلب الزيادة من ماله بخلاف الانسان الذي يتصدق فهو ينقص من ماله ولكن هذا بحسب الظاهر واما واقع الحال فان الله تبارك وتعالى يقول (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ) فالله تعالى ينقص المال الربوي ويذهب ببركته يوم بعد آخر بخلاف الصدقة فانه يربيها ويبارك فيها ،وقد وقد روي عن النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” أنه قال : ( إن الله تعالى يقبل الصدقات ، ولا يقبل منها إلا الطيب ، ويربيها لصاحبها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله ، حتى إن اللقمة لتصير مثل أحد “([21]) .

ثم قال تعالى ( وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) الكفار : فعال من الكفر ، وهو المقيم عليه ، المستمسك بالربا ، المعتاد له ، وروي عن النبي ” صلى الله عليه وآله وسلم ” أنه قال : ” يأتي على الناس زمان ، لا يبقى أحد إلا أكل الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره ” ) ([22]) .

قال البغوي : قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ أَيْ يَنْقُصُهُ وَيُهْلِكُهُ وَيَذْهَبُ بِبَرَكَتِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ يَعْنِي لَا يَقْبَلُ مِنْهُ صَدَقَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا حَجَّةً وَلَا صِلَةً ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ أَيْ يُثَمِّرُهَا وَيُبَارِكُ فِيهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُضَاعِفُ بِهَا الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ فِي الْعُقْبَى ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ﴾ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا ﴿أَثِيمٍ﴾ فَاجِرٍ بِأَكْلِهِ([23]) .

التاسع : استثناء الربا

في الاحكام الشرعية يوجد بعض استثناء وهذه لحكمة خاصة ومن هذه الاستثناءات الاستثناء في الربا ،فلا ربا بين الوالد وولده ولا بين الزوجة والزوج وكذلك لا ربا بين المسلم والكافر .

قال الامام الخميني :  لا ربا بين الوالد وولده ولا بين الرجل وزوجته ولا بين المسلم والحربي ، بمعنى أنه يجوز أخذ الفضل للمسلم ويثبت بين المسلم والذمي([24]) .

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ليس بين الرجل وولده ربا، وليس بين السيّد وعبده ربا([25]) .

عن أبي جعفر عليه السلام قال : ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين أهله ربا([26]) .

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس بيننا وبين أهل حربنا رباً، نأخذ منهم ألف درهم بدرهم، ونأخذ منهم ولا نعطيهم ([27]) .

_______________________________

([1])  تفسير الطبري جامع البيان – ط هجر المؤلف : الطبري، ابن جرير    الجزء : 5  صفحة : 37

([2])تذكرة الفقهاء – ط القديمة المؤلف : العلامة الحلي    الجزء : 1  صفحة : 476

([3])  منهاج الصالحين المؤلف : السيد ابوالقاسم الموسوي الخوئي    الجزء : 2  صفحة : 52

([4])  دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي، محمّد باقر الإيرواني،ج 2 ،ص147

([5]) وسائل الشيعة –الإسلامية، الشيخ الحر العاملي ،ج 12  ،ص 424.

([6]) من لا يحضره الفقيه ، الشيخ الصدوق ،ج 3 ،ص 566 .

([7])  مرآة العقول المؤلف : الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي    الجزء : 19  صفحة : 125

([8])  البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 2  صفحة : 708

([9]) سورة الناس : الاية 4 .

([10])تفسير الرازي (الرازي، فخر الدين) ، الجزء : 7 ، الصفحة : 95

([11]) سورة  إبْراهِيمَ: الاية ٢٢ .

([12])  ص: ٤١ .

([13]) الصّافّاتِ: ٦٥.

([14])  مستدرك الوسائل (المحدّث النوري) ، الجزء : 13 ، الصفحة : 347

([15])مستدرك الوسائل (المحدّث النوري) ، الجزء : 13 ، الصفحة : 331

([16])الأمالي (طبع دار الثقافة) (الشيخ الطوسي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 210

([17])  تفسير الثعلبي (الكشف والبيان) (الثعلبي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 283

([18])تفسير روح المعاني (الألوسي، شهاب الدين) ، الجزء : 3 ، الصفحة : 50

([19]) سنن ابن ماجة ، محمد بن يزيد القزويني ، ج 2 ، ص1025 .

([20]) المسائل المنتخبة المؤلف ،السيد علي السيستاني ،ج 1 ،ص324  .

([21])  الدر المنثور في التفسير بالماثور ،السيوطي ،ج 2 ،ص 106 .

([22])تفسير القرطبي، القرطبي ،ج 3 ،ص 364

([23])تفسير البغوي احياء التراث (البغوي ، أبو محمد) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 386

([24]) تحرير الوسيلة ، السيد الخميني، ج 1 ، ص 539 .

([25])الكافي 5: 147; وسائل الشيعة 12: 436; تهذيب الأحكام 7: 18.

([26]) الاستبصار ، الشيخ الطوسي ، ج 3 ، ص 71 .

([27])الكافي 5: 147; تهذيب الأحكام 7: 18; الاستبصار 3: 70.

 2,731 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ …..) 135

عدم الانفاق ظلم للانسان والمجتمع بعد ما تعرضت الاية المباركة الكريمة بعلم الله تعالى في موضوع انفاق الانسان ونذره ،قال تعالى( وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ) وهذا يدل ان الانفاق والوفاء بالنذر خروج عن الظلم والدخول في دائرة الفلاح ، وعدم الانفاق وعدم الوفاء بالنذر بقاء الانسان في دائرة الشح والبخل وظلم النفس ،وكذلك عدم الانفاق ظلم للمجتمع لان المفروض ان الانفاق حق للفقراء على الاغنياء في اموالهم كما قال تعالى {وَفِى أَمْوَلِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ}([1]).وعلى هذا فعدم انفاق الانسان القادر على الانفاق واعطاء الحقوق دخوله   في زمرة الظالمين وسوف لن يكون له نصير في الدنيا والاخرة .

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *