سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ الى إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)-8

تفسير قوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ الى إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)-8

في رحاب تفسير آيات القران المجيد (8)

قال تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ ،صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ،أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ، يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)سورة البقرة الايات من 17 الى 20 .

نتعرض في هذه الايات الى مطالب عدة

 اولا : الامثال في القرآن

لعل الامثال من اجمل الطرق للتعبير عن الافكار والرؤى والقصص والمعاني الكثيرة في اجزل اسلوب وفي اقل القوالب اللفظية سواء نثرا ام شعرا ، فالامثال لها وقع في قلب المستمع لها وتاثير في النفس ، وهذه الثقافة لا تخلو منها امة من الامم وشعب من الشعوب ،ويمكن القول ان الامثال سريعة الحفظ والانتشار في اوساط المجتمع وقد تنتقل من جيل الى جيل وكذلك من لغة الى اخرى ، ذكر  الميداني في كتابه «مجمع الأمثال» : «المثل مأخوذ من المثال، وهو قول سائر يشبه به حال الثاني بالأول والأصل فيه التشبيه. فحقيقة المثل ما جعل كالعلم للتشبيه بحال الأول، كقول كعب بن زهير:

 كَانَت مَواعيدُ عُرقوبٍ([1]) لَها مَثَلاً

وَما مَواعيدُها إِلّا الأَباطيلُ.([2]) .

وسوف نتعرض الى الامثال بشكل اكثر تفصيل عندما نتعرض الى شرح وتفسير قوله تعالى  (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) .([3]) .

ثانيا : المنافق مفضوح في الدنيا والاخرة 

المنافق انسان استفاد من نور الاسلام بظاهره ،لان من قال( لا اله الا الله) اصبح مسلما محقون الدم ويجوز له التزويج من المسلمين والميراث وكل امتيازات الاسلام ولكن هذا المنافق امره واضح ومفضوح امام الله وامام نبيه صلى الله عليه واله لان الله يخبر انبيائه بهم كما قال تعالى ( لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) .([4]) .وكذلك قوله تعالى ( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) ([5]) .

والفضيحة الكبرى والعظمى التي سوف يتعرض لها المنافقون في عالم الاخرة اذ سوف يرون حقيقة عملهم ونفاقهم، وهؤلاء كانوا يتصورون انهم في عالم الاخرة قد يمكن لهم الخلاص عندما يحلفون كما كانوا يحلفون في عالم الدنيا ويمهون على اعمالهم ولكن هذا وهم اذ لا يمكن لهم ذلك،قال تعالى ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾([6]) .

والنتيجة ان هؤلاء لانهم لم يستفيدوا من نور الاسلام بشكل صحيح سوف يخسرون في عالم الاخرة هذا النور وسوف يعيشون العذاب الابدي كما قال تعالى ( ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ)

قال الطبرسي : مثل هؤلاء المنافقين لما أظهروا الإيمان، وأبطنوا الكفر ” كمثل الذي استوقد نارا ” أي: أوقد نارا، أو كمثل الذي طلب الضياء بإيقاد النار في ليلة مظلمة، فاستضاء بها واستدفأ، ورأى ما حوله فاتقى ما يحذر ويخاف، وأمن، فبينا هو كذلك إذ أطفئت ناره، فبقي مظلما خائفا متحيرا، كذلك المنافقون: لما أظهروا كلمة الإيمان، واستناروا بنورها، فلما ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف، وبقوا في العذاب ([7]) .

ثالثا :المنافقون لا يفقهون شيئا مما يقال لهم  

 شبه الله حال المنافقين بانهم( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)وذلك لانهم اعرضوا عن كل البينات والدلائل والبراهين التي جاء بها القران الكريم والنبي صلى الله عليه واله ،ولذا فقد وصفهم الله وشبه حالهم بانهم لا يسمعون هذه الدلائل الواضحة ،والسنتهم اصابها البكم فاصبحوا لا يستطيعون الكلام بالحق ،ومن يكن هذا حاله فهو اعمى لا يعرف طريق الحق حتى يرجع اليه  ، لانهم بانفسهم اغلقوا عن انفسهم طريق الحق بذنوبهم ومعصيهم واكلهم للحرام .

قال شبر في تفسيره (صم بكم عمي )يعني في الآخرة وفي الدنيا عما يتعلق بالآخرة ( فهم لا يرجعون ) عن الضلالة إلى الهدى([8]) .

قال الامام الحسين لهؤلاء الاعداء في كربلاء (و كلّكم عاص لأمري غير مستمع لقولي، قد انخزلت عطيّاتكم من الحرام، و ملئت بطونكم من الحرام فطبع اللّه على قلوبكم ([9])

 رابعا : حركة المنافقين في الحياة

هذا هو المثال الثاني لحال المنافق ،فالانسان المنافق في حركته الحياتية وفي واقعه كالذي يتحرك في اجواء المطر فكما ان اجواء المطر فيها الضوء وهو البرق الجميل الذي يخطف الابصار ولكن فيه الخوف وهو الرعد المرعب ، كذلك المنافق وان كان يستفيد من ضوء الاسلام في حركته في واقع الحياة فيستفيد منه فائدة وغايات دنيوية ولكن يبقى الانسان المنافق يعيش الخوف من انكشاف امره في المجتمع فيخسر حياته وسمعته،ولذلك مثل هذه الاجواء المخيفة قد تجعل المنافق يضع اصابعه في اذانه كي يخفف عن نفسه الالم وينسى تلك الافكار التي ترد على ذهنه ( يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِى آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ) ولكن مع ذلك لا يمكن للمنافق ان يخفى عن الله فهو في محضر الله تعالى اينما حل ويستطيع الله ان يفعل به ما يشاء .؟

 قال الرازي (المراد من الصيب هو الإيمان والقرآن ، والظلمات والرعد والبرق هو الأشياء الشاقة على المنافقين ، وهي التكاليف الشاقة من الصلاة والصوم وترك الرياسات والجهاد مع الآباء والأمهات ، وترك الأديان القديمة ، والانقياد لمحمد صلى الله عليه وسلم مع شدة استنكافهم عن الانقياد له ، فكما أن الإنسان يبالغ في الاحتراز عن المطر الصيب الذي هو أشد الأشياء نفعا بسبب هذه الأمور المقارنة ، فكذا المنافقون يحترزون عن الإيمان والقرآن بسبب هذه الأمور المقارنة ، والمراد من قوله : ( كلما أضاء لهم مشوا فيه ) أنه متى حصل لهم شيء من المنافع ، وهي عصمة أموالهم ودمائهم وحصول الغنائم لهم فإنهم يرغبون في الدين : ( وإذا أظلم عليهم قاموا ) أي متى لم يجدوا شيئا من تلك المنافع فحينئذ يكرهون الإيمان ولا يرغبون فيه) ([10])

وقال الطبرسي :  ( يكاد البرق يخطف أبصارهم ) المراد يكاد ما في القرآن من الحجج النيرة ، يخطف قلوبهم من شدة ازعاجها إلى النظر في أمور دينهم ، كما أن البرق يكاد يخطف أبصار أولئك ، ( كلما أضاء لهم مشوا فيه ) لاهتدائهم إلى الطريق بضوء البرق ، كذلك المنافقون كلما دعوا إلى خير وغنيمة ، أسرعوا ، وإذا وردت شدة على المسلمين تحيروا لكفرهم ، ووفقوا كما وقف أولئك في الظلمات متحيرين  ([11]).

اللهم بحق الحسين اشف صدر الحسين بظهور الامام المهدي عليه السلام ……………..

________________________________________

([1])عرقوب: هو رجل من العماليق كان يعد الناس و يخلف الوعد ، و لا يفي بوعده. لقد كان له أخ ذهب إليه يطلب منه شيئاً . فقال عرقوب : إذا اطلعت هذه النخلة فلك حملها . فلما أخرجت ” طلعها ” أتاه ، فقال له : دعها حتى تصير ” بلحاً ” . فلما أبلحت أتاه فقال له : دعها حتى تصير ” زهواً ” . فلما أزهدت قال له : دعها حتى تصير “رُطباً “. فلما أرطبت قال له : دعها حتى تصير “تمراً “. فلما أتمرت ، قام عرقوب بجذّها بالليل قبل أن يأتي أخوه في الصباح . فلما جاء أخوه في الصباح ليأخذ التمر لم يجد شيئاً، و لهذا قالوا فيه : مواعيد عرقوب . فاأصبح عرقوب _ ولايزال _ مَضرِبَ المثل بالمطل وعدم الوفاء : “أمطلُ من عرقوب”، “وأخلفُ من عرقوب”، “مواعيدُ عرقوب أخاه بيثرب”. ولم يكن ذلك فحسبُ، فقد جادتْ قرائحُ الشُّعراء في وصْفِ الواقعة منهم الشاعرُ كعبُ بن زهير في قصيدته الشهيرة في مدح النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – والتي مطلعها: بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ .

([2])   مجمع الأمثال ، الميداني ، ج1 ، ص9 .

([3])الآية 43 من سورة العنكبوت

([4])  الآية 60 من سورة الأحزاب

([5])  المنافقون : الاية 1 .

([6]) سورة المجادلة ، الاية 18 .

([7]) تفسير مجمع البيان المؤلف : الشيخ الطبرسي ، ج1 ،ص 113

([8])تفسير القرآن الكريم ( تفسير شبر ) ، السيد عبد الله شبر ، ص 42 .

([9])مقتل الحسين عليه السلام المؤلف : خوارزمی ،ج2 ،ص 9

([10])تفسير الرازي المؤلف : الفخر الرازي،  ج2 ،ص 77

([11])تفسير مجمع البيان المؤلف : الشيخ الطبرسي،ج1 ،ص 120

 522 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *