منهج الاستقامة -الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی
في رحاب تفسير آيات القران المجيد (28)
قال تعالى ( وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) سورة البقرة الاية من 53 الى 54 .
نتعرض في هاتين الايتين الى مطالب عدة
الاول : وظيفة الكتب السماوية الهداية
تشترك الكتب السماوية التي يعطيها الله لانبيائه في خاصية الهداية كما قال تعالى في اول سورة البقرة (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) ([1]) . فهذه الكتب السماوية العمل بها يخرج الانسان من حيز الجهل والانحراف الفكري والعقائدي والاخلاقي الى حيز العلم والاخلاق والهداية الى الله تعالى كما قال تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ) ([2]) .
وعلى هذا فليس وظيفة هذه الكتب البيان العلمي والتجريبي في الحياة بل وظيفتها الهداية خاصة ،وهذا الانعام الرابع على بني اسرائيل ………؟
الثاني : لماذا تهتم الكتب السماوية في الهداية
الانسان بطبيعته يهتم بجانب الحياة لانها حسية ،ولانه يحتاج اليها بشكل يومي وعملي فيستخدم الطاقة والطب ووسائل النقل ،وكما قيل الحاجة ام الاختراع ،ولكن موضوع الهداية والاخلاق والعلاقة بالله والاخرة والغيب والعمل الصالح والعبادي فهذه الامور الاعم الاغلب من الناس يتغافل عنها الانسان في حياته ، وهذه الحقيقة يعرفها الله تعالى في طبيعة الانسان ولذلك تحتاج الى التذكير من قبل الله تعالى بشكل دائم ومستمر وهذا ما نراه من حركة الانبياء وبعث الرسل وانزال الكتب لكي تبقى حركة الهداية في المجتمع .؟
الثالث : التوبة من عبادة العجل قتل النفوس
عبادة العجل كانت خرقا كبيرا في حياة بني اسرائيل وتحتاج الى عقوبة شديدة حتى لا تقع امثالها مرة اخرى ،لذلك كانت العقوبة ان يقتل بعضهم البعض الاخر وكان هذا اختبار وبلاء عظيم من الله لبني اسرائيل ،والقتل هنا ليس بمعنى ان يقتل كل شخص نفسه (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وانما يقتل بعضكم البعض الاخر وهو مثيل قوله تعالى (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) ([3]) ،أي فليسلَّم بعضكم على بعض ، وكقوله : « ولا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ »([4]) . أي لا يغتب بعضكم بعضا .
وقد وقع خلاف بين المفسرين في كيفية القتل فبعضهم قال ان الابرياء قتلوا الذين عبدوا العجل وبعضهم قال ان موسى امر الذين عبدوا العجل ان يقتل بعضهم بعضا .
قال النسفي : (فاقتلوا أنفسكم)قيل هو على الظاهر وهو البخع([5]) وقيل معناه قتل بعضهم بعضا وقيل امر من لم يعبد العجل أن يقتلوا العبدة فقتل سبعون ألفا([6]) .
وفي تفسير القمي : (فان موسى (عليه السلام) لما خرج إلى الميقات ورجع إلى قومه وقد عبدوا العجل قال لهم ” يا قوم انكم ظلمتم انفسكم ” فقالوا وكيف نقتل انفسنا فقال لهم موسى اغدوا كل واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سكين او حديدة او سيف فاذا صعدت انا منبر بني اسرائيل فكونوا انتم متلثمين لا يعرف احد صاحبه فاقتلوا بعضكم بعضا فاجتمعوا سبعين الف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس فلما صلى بهم موسى (عليه السلام) وصعد المنبر اقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرئيل فقال قل لهم يا موسى ارفعوا القتل فقد تاب الله عليكم فُقتل عشرة آلاف ) ([7]) .
الرابع : القسوة في العقوبة
قد يقول شخص ان هذه العقوبة كانت قاسية على بني اسرائيل ، لانه يمكن التوبة ولا يقع سفك الدماء بهذا الشكل والله تعالى غفور رحيم .
اقول : ان هذه العقوبة اذا لم تقع يمكن ان يكون تساهل كبير في اصل الدين والرسالات الالهية وهو التوحيد وعبادة الله تعالى ،فبني اسرائيل راوا الايات والمعاجز والكتب ومع ذلك عبدوا العجل فاذا لم يعاقبوا بمثل هذه العقوبة يمكن ان يرجعوا كفارا ويعبدوا اشياء اخرى على مر التاريخ وبالتالي هي عبرة لغيرهم لئلا يكونوا مثلهم .؟
ولاهمية التوحيد في حياة الانسان ،إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين أتقول : إن الله واحد ؟ قال : فحمل الناس عليه وقالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : دعوه فإن الذي يريده الاعرابي هو الذي نريده من القوم([8]) ، ولذلك عبر الله عن هذه التوبة مع ان فيها القتل وسفك الدماء بالخير ..؟.
___________________________________
([2]) سورة الانبياء : الاية 48 .
([4]) سورة الحجرات : الاية 11 .
([5]) بخع نفسه يبخعها بخعا وبخوعا : قتلها غيظا أو غما ،البخع: الذَّبْح .
([6]) تفسير النسفي : النسفي : ج1 : ص 44 .
([7]) تفسير القمي : علي بن ابراهيم القمي : ج 1 :ص 47 .
([8]) التوحيد ، الشيخ الصدوق ، ص83 .
444 total views, 1 views today
