منهج الاستقامة -الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی
في رحاب تفسير آيات القران المجيد (28)
قال تعالى (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) سورة البقرة الاية من54 الى 55 .
نتعرض في هاتين الايتين الى مطالب عدة
الاول : امتناع الرؤية على الله بالعين
هل الذين طلبوا رؤية الله عيانا قوم بني اسرائيل ام جماعة منهم خلاف بين المفسرين([1]) . وكذلك خلاف فيما قالوه لموسى عليه السلام وعلى كل حال فهم قالوا لموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله عيانا ، قال الطبرسي في تفسيره: أي : لن نصدقك في قولك إنك نبي مبعوث (حتى نرى الله جهرة) أي: علانية، فيخبرنا بأنك نبي مبعوث ) ([2]) .
ولكن الرؤية ممتنعةعلى الله بالعين المجردة وذلك .
1- رؤية الله بواسطة العين تعني تحديد وحصر الذات الالهية في جهة محددة وخلو الجهات الاخرى منه تعالى عن ذلك علوا كبيرا ،وذلك لان عين الانسان محدودة ولا تستطيع الاحاطة بتمام الجهات .
2- وكذلك لو كان مرئياً لكان في جهة ٍ فيكون جسماً، والجسم يحتاج الى المحل والحيز ،فيكون ممكنا (والممكن متساوي النسبة الى الوجود والعدم فيحتاج في وجوده الى العلة )ولا يكون واجبا والذي يكون الوجود من صميم ذاته . وهذا عكس ما فرضناه من ان الواجب ليس محتاجا في وجوده الى شيء .
الثاني : لا مانع من الرؤيا القلبية
لا يعني ان الانسان يرى ذات الله بقلبه ، وانما يعني تجلي الاسماء والصفات الالهية في قلوب الانبياء والاولياء والعارفين بالله تعالى كما جاء في دعاء المناجاة الشعبانية لاميرالمؤمنين وسيد العارفين علي بن ابي طالب عليه السلام (إِلهِي هَبْ لِي كَمال الاِنقطاعِ إِلَيْكَ وَأَنِرْ أَبْصارَ قُلُوبنا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيْكَ حَتّى تَخْرِقَ أَبْصارُ القُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ إِلى مَعْدِنِ العَظَمَةِ وَتَصِيرَ أَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ ) ([3]) .
او كما قال الامام عليه السلام لسائل وقد سأله ذعلب اليماني فقال: «هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام : أفأعبد ما لا أرى؟! قال: وكيف تراه؟ قال عليه السلام : لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان» ([4])
الثالث : الصاعقة عقوبة من طلب الرؤية
هؤلاء الذين طلبوا الرؤية بالعين المجردة بعد المعجزات والبينات الواضحات الظاهرات عاقبهم الله عقوبة شديدة وهو الحرق والموت لان طلبهم يمثل جسارة شديدة ؟ وهذه العقوبة هي تنبيه للناس ان لا يطلبوا هذه الامور من انبيائهم عليهم السلام لان طلب هذه الامور يستوجب العقاب الالهي ،وهو ما عليه اكثر المفسرين ([5])وفي قبال ذلك هناك من المفسرين من قال بان هذه الصاعقة هو الغشيان والذهول .
قال في زهرة التفاسير : فأخذتكم الصاعقة أي أخذت ألبابهم ، ونفوسهم فلم يشعروا وهم ينظرون إليها ، وقد أذهلتهم وذهبت بمشاعرهم فصعقوا كما صعق موسى إذ قال تعالى : وخر موسى صعقا وعلى ذلك يكون معنى أخذتهم الصاعقة أنهم غشي عليهم كما يدل على ذلك ما كان لموسى عليه السلام . ونرى أن القرآن يفسر بعضه بعضا ويبين بعضه الدلالة الواضحة لبعضه([6])
الرابع : الرجعة ممكنة في عالم الدنيا بعد الموت
الرجعة ممكنة في عالم الدنيا بعد الموت عقلا ونقلا ولا يلزم القول بالرجعة اي محذور فعالم الامكان كله بيد الله تبارك وتعالى فكما خلقهم اول مرة يستطيع اعادتهم مرة اخرى وقد وقعت في الازمان الماضية ومنها في زمن موسى عليه السلام . في كتاب التوحيد في باب مجلس الرضا (عليه السلام) مع اصحاب المقالات والاديان قال (عليه السلام): فمتى اتخذتم عيسى (عليه السلام) ربا جاز لكم ان تتخذوا اليسع وحزقيل، لانهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى (عليه السلام)، إلى ان قال: ثم موسى بن عمران (عليه السلام) واصحابه السبعون الذين اختارهم وصاروا معه إلى الجبل فقالوا له: انك قد رأيت الله فأرناه سبحانه كما رأيته فقال لهم: اني لم اره فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتهم الصاعقة واحترقوا عن آخرهم وبقي موسى وحيدا فقال:يارب اخترت سبعين رجلا من بني اسرائيل فجئت بهم وارجع وحدي فكيف يصدقني قومي بما اخبرتهم به؟ فلو شئت اهلكتهم من قبل واياي اتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟([7]) .
الخامس : العبودية لله تحتاج الى الشكر الدائم
نعم الله كثيرة جدا لا يمكن احصائها كما قال تعالى ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) ([8]) . ولذلك الانسان بحاجة الى الشكر الدائم لله تعالى المنعم والمتفضل وعلى بني اسرائيل ان يشكروا الله كثيرا على نعمه وعلى نعمة ارجاعهم بعد موتهم .
قال الطبرسي: وقوله: (لعلكم تشكرون) أي: لكي تشكروا الله على نعمه التي منها رده الحياة إليكم. وفي هذا إثبات لمعجزة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واحتجاج على مشركي العرب الذين كانوا غير مؤمنين بالبعث([9]) .
___________________________________________________________
([1]) تفسير الالوسي روح المعاني : الألوسي، شهاب الدين : ج 1 :ص 262 .
([2]) تفسير مجمع البيان : الشيخ الطبرسي :ج 1 :ص 221 .
([3])مفاتيح الجنان المؤلف : الشيخ عباس القمي الجزء : 1 صفحة : 226
([4])عوالي اللئالي : محمد بن علي بن ابراهيم ابن ابي جمهور الأحسائي :ج 1 : ص 405
([5])تفسير مجمع البيان : الشيخ الطبرسي : ج 1 : ص221 .
([6]) زهرة التفاسير ، محمد أبو زهرة ، ج1 ،ص237 . دار الفكر العربي .
([7]) تفسير نور الثقلين : الشيخ عبد علي العروسي : ج 2 : ص 76 .
([8]) تفسير نور الثقلين : الشيخ عبد علي العروسي : ج 2 : ص 76 .
([9]) تفسير مجمع البيان : الشيخ الطبرسي :ج 1 :ص 222 .
649 total views, 1 views today
