سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ..) 94 .

تفسير قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ..) 94 .

 في رحاب  تفسير آيات القرآن المجيد 94 .

في قال تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ، سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)سورة البقرة من الاية 210 الى الاية 212

  نتعرض في هذه الايات الى مطالب عدة

الاول : العقل السليم يكتفي بالدلائل  الواضحة

في هذه الاية نوعا من الابهام ، فقد يتصور البعض ان الله يريد ان ينزل العذاب على المنحرفين والذين لم يستقيموا في جادة المنهج القويم ، ولكن التمعن في الاية يعطي انطباعا اخر وهو ان الله تبارك وتعالى يقول ان العقل السليم يكتفي بالدلائل والبينات الواضحة التي جاء بها النبي صلى الله عليه واله من اجل الايمان برسالة السماء ولا يحتاج ان ياتي الله والملائكة كي يؤمنوا بالرسالة الالهية فان مجيء واتيان امر الله تعالى يكون عندما ينتهي التكليف وتغييرمعالم العالم وتتبدل الصور والاحوال وبعد ذلك لا ينفع نفس شيئا ما لم تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا .

قال سيد قطب : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة  ، هو سؤال استنكاري عن علة انتظار المترددين المتلكئين الذين لا يدخلون في السلم كافة. ما الذي يقعد بهم عن الاستجابة؟ ماذا ينتظرون؟ وماذا يرتقبون؟ تراهم سيظلون هكذا في موقفهم حتى يأتيهم الله في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة([1])

الثاني : الله ليس جسما

قلنا سابقا عند الحديث في شرح هذه الاية المباركة (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ([2])،بانه يمتنع الرؤية على الله تبارك وتعالى لان الله ليس جسما ،فلو كان جسما كان ممكنا (اي يتساوى الى الوجود والعدم ) والله تعالى واجب الوجود اي وجوده من صميم ذاته فلا يحتاج في وجوده الى علة في وجوده .

واتيان الله (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّه) ليس بمعنى مجيء الله كما يجي وينتقل الجسم من مكان الى اخر وانما هنا الاتيان بمعنى الاثار العظيمة لله تعالى .

قال البروجردي (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّه فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ ) نسبة الإتيان إلى اللَّه مجاز أي يأتيهم آثار قدرته وعظمته وسلطانه القاهر كما يقال لمن جاءه جيش الملك بسطوة سلطانه جاءك الملك([3])

نعم لا مانع من الرؤية القلبية وهي تجلي الاسماء والصفات في قلب العبد كما جاء في دعاء المناجاة الشعبانية لاميرالمؤمنين وسيد العارفين علي بن ابي طالب عليه السلام « اِلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ فَتَصِلَ اِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ ) ([4]).

الثالث : الانسان لا يتعظ بالعبر والدروس

بنواسرئيل هم اكثر الامم التي ضرب الله بها المثل في القران الكريم لان الله بعث لهم مجموعة كثيرة من الانبياء من اجل هدايتهم وقد ذكر الله تعالى معاناة موسى عليه السلام فقد جاءهم بالمعجزات والبينات ، واليد البيضاء ، وقلب العصا حية ، وفلق البحر وتظليل الغمام وانزال المنّ والسلوى ونتق الجبل ، ومع ما رأوا من هذه المعجزات كلها فقد عصوا الله تعالى واتبعوا اهوائهم ،لذلك ايها المسلمون لا تكونوا مثل بني اسرائيل في الاعراض والتكذيب بل يجب عليكم التسليم والاذعان لرسالة السماء وخاتم الانبياء، وهذه الدلائل التي جاء بها النبي صلى الله عليه واله – نعمة من الله – بل هي من اعظم النعم الالهية لانها توضح طريق الحق والايمان ولا تستبدلوا هذه النعمة وتسالوا عن دلائل اخرى ، او تحرفون هذه الدلائل فان الله تعالى شديد العقاب كما قال تعالى ( ومَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهً شَدِيدُ الْعِقابِ )

وهذا يعني ان كل امة تتبدل نعمة الدين والايمان والشريعة ورسالة الانبياء الا  عاقبهم الله تعالى في الدنيا قبل الاخرة وما نراه اليوم من تسلط الظالمين والجور والفساد والظلم في المجتمع هو من العقاب لان المجتمع استبدل نعمة الايمان والقيم والدين بالبعد عن الله تعالى وقوانينه واحكامه .

 قال البيضاوي : سل بني إسرائيل أمر للرسول صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد والمراد بهذا السؤال تقريعهم. كم آتيناهم من آية بينة معجزة ظاهرة ، فإن الله شديد العقاب فيعاقبه أشد عقوبة لأنه ارتكب أشد جريمة ([5]).

الرابع : الفوقية والتكبر الزائف

يعيش الكافرون والمنافقون وان كانوا يؤمنون بالاسلام بحسب النظرية او الظاهر الفوقية والتعالي في هذه الحياة الدنيا ويسخرون من المؤمنين بما عندهم من حطام الدنيا وزينتها فهم مفتونون بهذه الكماليات التي خلقها وابدعها الله تعال كما قال ( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا) ([6]).، وهي نظير قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ،  وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ) ([7]).

 ولكن الله تعالى يطيب خاطر المؤمنين بان هذه الفوقية زائفة وليست حقيقية وذلك لان الدنيا كلها زائلة لا قيمة لها بل المهم هي الفوقية الاخروية لانها هي الدائمة وهي خاصة بالمؤمنين كما قال تعالى ( وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .وهذه الاية نظير الاية ( قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) ([8]) وكذلك نظير قوله تعالى (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ، عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ، هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) ([9]).

عن الرضا، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من استذل مؤمنا أو مؤمنة، أو حقره لفقره أو قلة ذات يده، شهره الله يوم القيامة. ثم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يفضحه ([10])

 قال الزمخشري : ويسخرون من الذين آمنوا : كانت الكفرة يسخرون من المؤمنين الذين لا حظ لهم من الدنيا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة ; لأنهم في عليين من السماء، وهم في سجين من الأرض ([11])

_________________________________________________

([1])في ظلال القران (سيد قطب) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 212

([2]) سورة البقرة  : الاية  54

([3]) آلاء الرحمن في تفسير القرآن ، محمد جواد البلاغي النجفي ، ج 1 ، ص 188 .

([4]) مستدرك سفينة البحار (الشيخ علي النمازي) ، ج 10 ، ص 337 .

([5]) تفسير البيضاوي (البيضاوي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 494

([6]) سورة البقرة : الاية 212 .

([7]) سورة المطففين  : الاية 29 و30 .

([8]) سورة هود : الاية 38 .

([9]) سورة المطففين  : الاية 34 الى 36 .

([10]) مستدرك سفينة البحار المؤلف : الشيخ علي النمازي    الجزء : 3  صفحة : 450

([11]) تفسير الزمخشري الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (الزمخشري) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 255

 711 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *