منهج الاستقامة -الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی
في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (34)
قال تعالى ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) سورة البقرة الاية 74 .
نتناول في هذه الاية عدة مطالب
الاول : معنى القلب ،النفس ،العقل ، الروح
يمكن القول ان هذه المعاني ( القلب ،النفس ،العقل ، الروح ) حقيقة واحدة ولكن حيثيات متعددة فكل واحدة منها تشير الى معنى من المعاني . فالنفس، مدبرة للبدن ،فالنفس هي من تقوم بدور الفعل والحركة والاختيار ..؟ والعقل ،فهو يدرك الامور الكلية والمرشد في مملكة الانسان نحو الخير والشر ….؟والقلب ، مصدر الرقة والمشاعر والعواطف واليقين وهي العين الملكوتية المعنوية في الانسان …؟و الروح مصدر الحياة في الانسان ،فنفخت فيه من روحي … ([1]).
الثاني : ظهور الايات توجب لين القلوب
طبيعة الانسان السوي عندما يرى الايات الالهية والبينات والدلائل والبراهين الواضحة يجب عليه ان ينتبه ويذعن لها ويلينه قلبه اليها ،قال تعالى في حق بعض المؤمنين (اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) ([2]).
واما الانسان غير السوي فهو وان كان يرى الايات والبراهين والدلائل فهو لا يعتبر بها بل يمر عليها وكأنه لا يراها ،وهنا يتحول الانسان من انسان له مشاعر واحاسيس وقلب لا بد ان يدرك ما حوله ويتحقق منه الى حجر كما قال تعالى في حق الكفار : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ([3]).
الثالث: الحجارة اكثر فائدة من الانسان القاسي
ذكر الله تعالى فوائد للحجارة ،فبعض الحجارة يتفجر منه الانهار الكبيرة ،وبعضها يخرج منه الماء ،فهذه الانهار تمر على المدن والقصبات وتكون سببا لحياة الناس والحيوانات والنبات .
ولكن القلوب القاسية لا فائدة فيها ، وهنا كناية عن قلوب بني اسرائيل الذين رأوا الايات والبينات والدلائل في زمان موسى عليه السلام ولكن مع ذلك قست قلوبهم ولم يعتبروا بها من اجل زيادة ايمانهم بالله تبارك وتعالى .
الرابع : هل للحجارة مشاعر كي تهبط من خشية الله
يوجد رايان في كيفية خشية الحجارة من الله ،فراي يقول ان الحجارة لو كانت لها مشاعر واحاسيس لهبطت من خشية الله ،والراي الاخر وربما هو الاصح ان كل الموجودات تسبح بحمد الله ومنها الحجارة ولكن الانسان العادي يصعب عليه ادراك ذلك كما قال تعالى(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ والأَرْضُ ومَنْ فِيهِنَّ وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ) ([4]). وقال تعالى (لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) ([5]) .
عن جابر بن سمرة قال : قال النبي صلى الله عليه واله وسلم : > إني لأعرف حجرا كان يسلم علي قبل أن أبعث ، إني لأعرفه الآن <([6]) .
الخامس : اسباب قسوة القلب
الغفلة عن الله تعالى ،وكذلك الذنوب المختلفة والمتنوعة والكثيرة ، التي يرتكبها الانسان ليلا ونهارا هي العامل الرئيسي في قسوة القلوب لذلك روى الأصبغ بن نباته قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب ، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب ([7]) .
عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي([8]) .
الإمام الصادق عليه السلام : كانَ المَسيحُ عليه السلام : يَقولُ : لا تُكثِرُوا الكَلامَ في غَيرِ ذِكرِ اللّه ِ ، فَإِنَّ الَّذينَ يُكثِرونَ الكَلامَ في غَيرِ ذِكرِ اللّه ِ قاسِيَةٌ قُلوبُهُم ولكِن لا يَعلَمونَ([9]) .
السادس : ذكر الله يزيل قسوة القلب
الانسان الذي يريد ان يزيل قسوة القلب منه عليه ان يذكر الله تعالى ذكرا كثيرا ، فلا علاج لقسوة القلوب افضل من ذكر الله تعالى ،فذكر الله تعالى يذيب قسوة القلوب كما يذوب الرصاص في النار وذكر الله له مصاديق كثيرة ،فالاستغفار ذكر([10]) والدعاء ذكر والتامل والتفكر ذكر([11]) . والصلاة ذكر([12])
___________________________________________________
([1]) منهج العرفان ، عبدالرضا البهادلي ، ص 276 .
([3]) سورة الانعام : الاية 25 .
([4]) سورة الاسراء : الاية 44 .
([6])شرح الزرقاني علي المواهب اللدنيه بالمنح المحمديه : الزرقاني، محمد بن عبد الباقي ج6 : ص 502 .
([7]) علل الشرائع : الشيخ الصدوق : ج 1 : ص81 .
([8]) منتخب نهج الذكر (عربي) : محمد محمدی ری شهری :ج 1 :ص 74 .
([9]) منتخب نهج الذكر (عربي) : محمد محمدی ری شهری :ج 1 :ص 74 .
([10]) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ َيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾الاية 10 و11 .( سورة نوح) .
([11]) ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ الاية 11 ( سورة الأنعام )
([12])﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ الاية 14 .( سورة طه)
646 total views, 1 views today
