في رحاب تفسير ايات القران المجيد (93)
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة البقرة 209 .
نتعرض في هذه الايات المباركة الى مطالب عدة
الاول : من صفات المؤمن التسليم لله
الدين الالهي بشرائعه المختلفة جاء من اجل الانسان وهدايته ونظام عيشه فلا يوجد فرق بين انسان واخر ، لذلك على كل انسان ان يدخل في نظام الدين الخاتم والشريعة الخاتمة من اجل سعادته الدنيوية والاخروية ولا يفكر في الشرائع السابقة لانها اصبحت منسوخة بالشريعة المعاصرة ولانها الاكمل لحياة افضل وهذه فطرة العقل ، فالعقل السليم يترك كل قديم اذا جاء شيء جديد ويخضع له ،فالبقاء على القديم مع وجود الجديد خلاف الفطرة .
والدين جاء من اجل وحدة المجتمع (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّه جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) ([1]). وازالة الخلاف والنزاع بين ابناء المجتمع لان الخلاف والنزاع يزعزع اسس المجتمع وبنائه وانهياره
كما قال تعالى ( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ([2]).
قال الزمخشري : السِّلْمِ ، الاستسلام والطاعة، أي استسلموا لله وأطيعوه ،وقيل: هو الإسلام، والخطاب لأهل الكتاب; لأنهم آمنوا بنبيهم وكتابهم، أو للمنافقين لأنهم آمنوا بألسنتهم ([3]).
الثاني : خطوات الشيطان خلاف التسليم لله
الشيطان لا يمكن ان يترك الانسان باي حال من الاحوال فهو عدوه الرئيسي في هذه الحياة وقد جاء تحذير الله تعالى للانسان في ايات كثيرة منها قال تعالى ( قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ([4]).
وقال تعالى ( وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) ([5])
وعلى الانسان ان يواجه تسويلات الشيطان واتباع خطواته بالعمل باحكام الله وقوانينه والتسليم لها لان احكام الله تعالى تصد الشيطان وتقضي على آماله في اسقاط الانسان في حباله .
قال القرطبي : فإن اتباع السنة أولى بعدما بعث محمد صلى الله عليه واله من خطوات الشيطان . وقيل : لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليه الشيطان ([6]).
الثالث : المتمردون لا يعجزون الله تعالى
التمرد على قوانين واحكام الله تعالى واتباع خطوات الشيطان بعد بيانها لا تعود بالضرر على الله تعالى بل كل الضرر يعود على الانسان سواء الفرد او المجتمع وسواء كان ذلك على مستوى الدنيا او مستوى الاخرة ،لان الله تعالى غني عن العالمين فهو عزيز حكيم لا تضره معصية العاصي ولا طاعة المطيع .
قال الماوردي : فإن زللتم فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: معناه عصيتم. والثاني: معناه كفرتم. والثالث: إن ضللتم . من بعد ما جاءتكم البينات فيه أربعة تأويلات: أحدها: أنها حجج الله ودلائله والثاني: محمد ، والثالث: القرآن ، والرابع: الإسلام. فاعلموا أن الله عزيز حكيم يعني عزيز في نفسه ، حكيم في فعله ([7]).
__________________________________
([3])تفسير الزمخشري الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (الزمخشري) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 252 .
([5]) سورة الزخرف : الاية 62 .
([6]) تفسير القرطبي (القرطبي) ، ج 3 ، ص 24.
([7]) تفسير الماوردي النكت والعيون : الماوردي ، ج 1 ، ص 268 .
696 total views, 1 views today