في رحاب تفسير آيات القران المجيد (14)
قال تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) سورة البقرة الاية (28).
نتعرض في هذه الاية المباركة الى عدة مطالب
الاول : استنكار وتوبيخ الكفر
الله تعالى له في كل شيء في الوجود اية تدل على وجوده وظهوره ،ولذلك الله يوبخ ويستنكر ويتعجب من الناس الكفر والشرك والابتعاد عن طريق الهداية واختيار طريق الضلال والانحراف والفساد ،فالانسان العاقل هو المستقيم الذي ينظر في الوجود ويتأمل ويفكر من اين وفي اين والى اين لا ان يكفر بالله تعالى الذي خلق الوجود وخلق كل شيء في الوجود .؟ولذلك في الحديث (أعرَفُكُم بنَفسِهِ أعرَفُكُم بِربِّهِ ) ([1]).وفي حديث اخر(مَن عَرَفَ نَفسَهُ عَرَفَ رَبَّهُ ) ([2]).؟
قال ابن الجوزي : «كيف» قولان: أحدهما: أنه استفهام في معنى التعجب، وهذا التعجب للمؤمنين، أي: اعجبوا من هؤلاء كيف يكافرون، وقد ثبتت حجة الله عليهم، قاله ابن قتيبة والزجاج. والثاني: أنه استفهام خارج مخرج التقرير والتوبيخ، تقديره: ويحكم كيف تكفرون بالله([3]).
الثاني: الخروج من العدم
الانسان ممكن ،ويعني الممكن الذي هو في قبال الواجب والواجب هو الله تعالى الذي يكون وجوده من صميم ذاته ،والممكن هو الذي يتساوى الى الوجود والعدم ،فاذا افاضت عليه العلة الوجود وجد والا يبقى في حيز العدم ؟
والانسان كان قبل الوجود عدم (وكنتم امواتا ) كما قال تعالى ( هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً ) ([4]). وكذلك قال (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) ([5]). ولذلك قال تعالى (فاحياكم) ،اي افاض عليكم الوجود واخرجكم من حيز العدم الى حيز الوجود بفضله ولطفه .؟
الثالث : الموت بعد الحياة
هذه الحياة زائلة وهي حقيقة لا يمكن انكارها فالمنكر لهذه الحقيقة كالمنكر لضوء الشمس فهي كما قال تعالى ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ،وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) ([6]). وقال الامام علي × (، فَيا مَنْ تَوَحَّدَ بِالعِزِّ وَالبَقاءِ ، وَقَهَرَ عِبادَهُ بِالمَوْتِ وَالفَناء ) ([7]). وقال زين العابدين (الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر عباده بالموت ) ([8]). والموت للانسان هو فناء البدن والصورة وانعدامها من هذه الحياة المادية الدنيوية والتي هي اخس العوالم بالنسبة الى العوالم المعنوية ؟ .
الرابع : الحياة البرزخية
عالم البرزخ وجود اخر للانسان بين عالم الدنيا وعالم الاخرة وهو يبدأ بعد موت الانسان ورحيله من عالم الدنيا والحياة كما قال تعالى (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )([9]). وكما قال تعالى ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ) ([10]). وكما ورد في الحديث وفي المروي عن النبي ’ ( ان القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران) ([11]).
الخامس : عالم الاخرة والحساب
يوم الاخرة يوم العدل العالمي وهو غاية هذه الحياة ونهايتها وهو اليوم الذي سوف يحضر الجميع امام الحاكم العادل من اجل الحساب اذ سوف يقيم الله العدل بين الناس فيدخل في جنته ورحمته ورضوانه الصالحين ،وسوف يدخل في ناره الكافرين والمنافقين والظالمين ،ولا يمكن لاي شخص الادعاء المزيف، ولا يمكن انكار الحقائق، فالحقيقة ناصعة وثابتة وبالدليل القاطع لكل شخص عاش في هذا الوجود من ادم الى اخر انسان سوف يبقى في عالم الدنيا .,؟ ثم اليه ترجعون .؟ يقول امير المؤمنين عليه السلام ( فَإِنَّ الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ وإِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ ) ([12]).
السادس :التفسير الروائي للاية
قال الإمام العسكري أبو محمد : « قال رسول الله ’ لكفار قريش واليهود : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّه ) الذي دلكم على طريق الهدى ، وجنبكم – إن أطعتموه – سبيل الردى . ( وكُنْتُمْ أَمْواتاً ) في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم . ( فَأَحْياكُمْ ) أخرجكم أحياء ( ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ) في هذه الدنيا ويقبركم ( ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) في القبور ، وينعم فيها المؤمنين بنبوة محمد وولاية علي ( عليهما السلام ) ويعذب الكافرين فيها . ( ثُمَّ إِلَيْه تُرْجَعُونَ ) * في الآخرة بأن تموتوا في القبور بعد ، ثم تحيوا للبعث يوم القيامة ، ترجعون إلى ما قد وعدكم من الثواب على الطاعات إن كنتم فاعليها ، ومن العقاب على المعاصي إن كنتم مقارفيها([13]).
_________________________________________________
([1])متشابه القرآن ومختلفه ، ابن شهر آشوب ،ج1 ،ص44 .
([2])ميزان الحكمه ، محمد محمدی ری شهری ،ج 8 ،ص 114
([3])زاد المسير في علم التفسير ابن الجوزي ،ج 1 ،ص 48 .
([4]) سورة الانسان ، الاية 1 .
([6]) سورة الرحمن ، الاية 26 ، 27 .
([7])ب : مفاتيح الجنان ( عربي ) ، الشيخ عباس القمي ( مترجم : نجفي ) ، 125 .
([8])الصحيفة السجادية ( ابطحي ) ، الإمام زين العابدين ( ع ) ،ص192 .
([9]) سورة المؤمنون ، الاية 100 .
([11])بحار الأنوار – ط دارالاحیاء التراث المؤلف : العلامة المجلسي الجزء : 6 صفحة : 218
([12]) نهج البلاغة ، خطب الإمام علي ( ع ) ( تحقيق صالح ) ، ص46 .
([13]) البرهان في تفسير القرآن ، السيد هاشم البحراني ،ج1 ، ص162 .
1,226 total views, 1 views today