سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى ( َما نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ …….)44

تفسير قوله تعالى ( َما نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ …….)44

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (44)

قال تعالى ( َما نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ،أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) سورة البقرة الاية من 106الى 107 .

نتعرض في هاتين الايتين الى مطالب عدة

الاول : معنى النسخ

ياتي في اللغة بمعنى النقل والتحويل، او بمعنى الازالة نسخت الشمس الظل اي ازالته ،([1]) وفي الاصطلاح وهو رفع التشريع السابق بتشريع لاحق وكل من الحكم السابق واللاحق له مقتضياته ومصالحه في التشريع من الله تبارك وتعالى .

قال الشيخ الطوسي :  وقد يقال : إنّ الحكم الثّاني ينسخ الحكم الأوّل ، وهو ناسخ له ، من حيث علم سقوط الأوّل به ، كقولهم « نسخ التّوجّه إلى الكعبة الاستقبال إلى بيت المقدس »  ومثل ما روي أنّ الزّكاة نسخت كلّ واجب في المال ، ونسخ شهر رمضان صوم عاشوراء ([2])

وقال العلامة الحلي : وفي الشرع : عبارة عن الاعلام بزوال مثل الحكم الثابت بالدليل الشرعي بدليل شرعي متراخ عنه ، على وجه لولاه لكان الحكم الأول ثابتا  ([3])    

وعرفه  البيضاوى بأنه: بيان انتهاء حكم شرعى بطريق شرعى متراخ عنه  ([4])

ومعنى تعريف البيضاوى: أن الحكم الشرعى مُغيا عندالله تعالى بغاية، أو محدد بوقت معين، فإذا جاءت هذه الغاية أو حل الوقت المعين انتهى الحكم لذاته.

الثاني : انواع النسخ  

ذكر علماء علوم القران انواعا متعددة للنسخ منها ،نسخ التلاوة دون الحكم وقد مثلوا لذلك بآية الرجم فقالوا : إن هذه الآية كانت من القرآن ثم نسخت تلاوتها وبقي حكمها ،ومنها    نسخ الحكم والتلاوة جميعا وقد مثلوا برواية عائشة في موضوع الرضعات ،ومنها نسخ الحكم دون التلاوة، وهو يعني بأن تبقى الآية المنسوخ حكمها ثابتة وموجودة في القرآن الكريم واما حكمها فقد ازاله الله ونقله وحوله الى تشريع اخر كآية النجوى ([5])

قال المحقق الخوئي : نسخ الحكم دون التلاوة ، وهذا القسم هو المشهور بين العلماء والمفسرين ، وقد ألف فيه جماعة من العلماء كتبا مستقلة ، وذكروا فيها الناسخ والمنسوخ . منهم العالم الشهير أبو جعفر النحاس ، والحافظ المظفر الفارسي ،وقد اتفق الجميع على إمكان ذلك ، وعلى وجود آيات من القرآن ناسخة لاحكام ثابتة في الشرائع السابقة ، ولأحكام ثابتة في صدر الاسلام ([6])  .

الثالث : عدد الايات المنسوخة في القران

اختلفت اراء الفقهاء والعلماء والمفسرين حول الايات المنسوخة في القران الكريم وقد  ذهب المحقق السيد الخوئي الى ان المنسوخ هو اية واحدة في القران الكريم وهي آية النجوى([7])  في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ([8])  .  ومعنى الاية اجمالا ان المسلمين كانوا يكثرون السؤال بلا فائدة ولذلك امرهم الله عندما يريدون ان يسالوا يتصدقوا فلم يتصدق الا علي عليه السلام ثم بعد ذلك نزلت هذه الاية التي عتبت عليهم ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) ([9])  . فنسخ حكم التصدق وسوف ياتي ان شاء الله الحديث مفصلا عنها فانتظر .

وقال المحقق السبحاني : وأمّا عدد الآيات التي ورد عليها النسخ فهناك قولان بين الإفراط والتفريط.فأنهاها أبو جعفر النحاس ( المتوفّى عام ٣٣٨ هـ ) إلى ١٨٠ آية في كتابه « الناسخ والمنسوخ » المطبوع ، كما قام بعضهم بإنكار أصل النسخ في القرآن الكريم فبحث عن ٣٦ آية ، وخرج بحصيلة هي إنكار النسخ في القرآن الكريم.والحقّ هو القول الوسط ، وهو وجود النسخ في القرآن الكريم بمقدار ضئيل للغاية ، منها آية النجوى ، وآية التربّص إلى الحول ([10])  .

الرابع : سبب نزول الاية

(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ …..) الاية المباركة الكريمة ردا على اليهود الذين كانوا يقولون ان محمدا يأمر أصحابه بأمر ، ثم ينهاهم عنه ، ويقول اليوم قولا ، وغدا يرجع عنه ، ولو كان ما يقوله وحيا لما كان فيه هذا التناقض .

قال الكاشاني :روي أنّهم طعنوا في النسخ ، فقالوا : ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثمّ ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا ؟ ! فنزلت : * ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ) ([11])  .

الخامس : قدرة الله غير متناهية

قدرة الله غير متناهية فهو بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير ، فالله هو المدبر للعالم وهو الخالق والمالك وهو اعرف بمصالح العباد في تغيير ما يراه مناسبا لهم فاذا غير اية او حكما فله الحكم واليه ترجعون فلا تهتموا بالاشاعات التي يثيرها الاعلام اليهودي فتوكلوا على الله فهو سندكم ووليكم وليس لكم من دونه ولي ولا نصير .؟ لذلك قال تعالى  (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهً عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ،أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) .

قال البيضاوي : ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير فيقدر على النسخ والإتيان بمثل المنسوخ، أو بما هو خير منه([12])  .

وقال القاسمي : أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فهو يملك أموركم ويدبّرها، وهو أعلم بما يتعبّدكم به من ناسخ أو منسوخ. وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ يلي أموركم وَلا نَصِيرٍ ناصر يمنعكم من العذاب([13])  .

_______________________________________

([1])تاج العروس من جواهر القاموس ، المرتضى الزبيدي ،ج 4 ،ص 319 . لسان العرب لابن منظور، ط دار المعارف (نسخ) 6/ 4407 المعجم الوسيط دار المعارف 1972م.

([2]) العدة في أصول الفقه ( عدة الأصول ) ( ط.ج ) ، الشيخ الطوسي ، ج 2 ، ص487 .

([3]) معارج الأصول ، المحقق الحلي ، ص161 .

([4])منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوى، تحقيق محمد محيى الدين عبد الحميد ص64 مطبعة السعادة، ط1 1951م.

([5]) مناهل العرفان في علوم القران ، الزرقاني، محمد عبد العظيم ، ج2  ،ص 214 .

([6]) البيان في تفسير القرآن ،السيد الخوئي ، ص286 .

([7]) البيان في تفسير القرآن ،السيد الخوئي ، ص373 .

([8]) سورة المجادلة ، الاية 12 .

([9]) سورة المجادلة ، الاية 13 .

([10]) المناهج التفسيريّة في علوم القرآن ، الشيخ جعفر السبحاني ، ج 1 ،ص 248 .

([11]) زبدة التفاسير ، الكاشاني ،ج1 ، ص208 .

([12]) تفسير البيضاوي انوار التنزيل واسرار التاويل (ناصر الدين البيضاوي) ، ج 1 ، ص 99 .

([13]) تفسير القاسمي محاسن التاويل ، القاسمي ، ج 1 ،ص 371 .

 1,169 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *