سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ ……..) 97 .

تفسير قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ ……..) 97 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (97)

قال تعالى(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) سورة البقرة الاية 215 .

نتعرض في هذه الاية الى مطالب عدة

الاول  : فلسفة الانفاق

يجب ان يعلم الانسان بان الفقر والحاجة من الاسباب الموجبة للانحراف والفساد في الاخلاق والعقيدة والمجتمع ، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ …..  وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ ….) ([1])  وفي دعاء أبي حمزة الثماليّ: “اللهمّ!.. إنّي أعوذ بك من الفقر والفاقة”([2]). وقال علي عليه السلام مخاطباً ابنه محمد بن الحنفية: “يا بني ! إني أخاف عليك من الفقر، فاستعذ بالله منه، فأنه منقصة للدين، مدهشة للعقل، داعية للمقت) ([3]

ومن هنا سعى الاسلام من اجل تطويق الفقر والحاجة في المجتمع عبر مجموعة من الاحكام اما بنحو الوجوب كالخمس والزكاة والكفارات الواجبة او بنحو الاستحباب كالصدقة والهدية والهبة ،وكلما اتسعت دائرة الانفاق من قبل الناس كلما ضاقت دائرة الفقر والحاجة والعوز في المجتمع ،ثم يجب ان يعرف الانسان بان الله المالك الحقيقي للمال، بما اعطى الله للانسان القوة والقدرة والذكاء من اجل تحصيله ،وقد جعل الله المال وسيلة في الحياة وليس غاية، والانسان خليفة الله على هذا المال ووكيله في التصرف فيه فعلى الانسان ان يكون كريما جوادا ولا يبخل بمال الله تعالى الذي عنده .؟

الثاني : فلسفة التدرج في العطاء

الله تعالى يتدرج في الانفاق ابتداء من اِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ فبعض هؤلاء تربطه بالمنفق رابطة العصب، وبعضهم رابطة الرحم، وبعضهم رابطة الرحمة، وبعضهم رابطة الإنسانية وهذا التدرج في الحقيقة هو تربية للانسان ،فالانسان يحب نفسه ولا يمكن الغاء الانسان لنفسه ثم يحب اهله وعياله ثم الاقارب ثم حثه على الانفاق على من يستحقون من المجتمع من اصناف الفقراء .

  عن جابر أن رسول الله – صلى الله عليه واله وسلم – قال لرجل: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا ([4]

الثالث : حكمة اولوية العطاء للوالدين

الاب والام اصل وجود الانسان في الحياة ، لذلك يجب على الابناء الانفاق والاحسان والاهتمام والرعاية الكاملة للابوين جزاء لما قاما به من وجوده في هذه الحياة ورعايته عندما كان صغيرا ،لذلك نرى الله تعالى من خلال القران الكريم يؤكد ذلك بقوله تعالى ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) ([5]فاذا بخل الابن على ابويه فاي قيمة تبقى له امام الله او امام الناس .

الرابع : الاقربون اولى بالعطاء

الاقارب والارحام والعشيرة هم المجتمع المصغر للانسان ، ويمكن لهذا المجتمع الصغير من الامة ان يلعب دورا على الكثير من الاصعدة الثقافية والسياسية والعلمية وبناء المعامل والمصانع والعمل المشترك والقيام بالكثير من المشاريع بما يخدم ابناء العشيرة اولا وبما يخدم ابناء المجتمع الكبيرثانيا وبه يمكن القضاء على الفقر والحاجة والتكافل الاجتماعي بين الاقارب والارحام ، ولكن في تطبيق هذه المفاهيم نحتاج الى قيادات عشائرية نزيهة ومؤمنة وصالحة وكفوءة .

وقد ورد في الايات والروايات الحث على تقديم الاقارب في العطاء وان افضل الصدقة على الاقارب والارحام ولا سيما الاقارب الذين بينهم عدم انسجام حتى ترجع المحبة والالفة بينهم كما ورد في الحديث عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله > أي الصدقة أفضل قال على ذي الرحم الكاشح<([6]) . يعني الصدقة على ذي الرحم الذي اضمر العداوة في كشحه؛ لأنها تكون صلة وصدقة لذي رحم مقاطع ،وكذلك قال صلى الله عليه واله «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة»([7]) .

الخامس : المجتمع الدائرة الاوسع لعمل الخير والانفاق

ثم الانسان بعد ان استطاع ان ينفق على الارحام والاقارب تاتي دائرة اخرى للخير والاحسان والانفاق وهم المجتمع واول فرد من الافراد الذين يستحقون الانفاق هم الايتام حيث قال عنهم النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم> أَنا وكافل الْيَتِيم فِي الْجنَّة كهاتين وَأَشَارَ بالسبابة وَالْوُسْطَى »([8]) . وقال أيضاً: > من وضع يده على رأس يتيم رحمة كتب الله له بكل شعرة مرّت عليها يده حسنة <([9]) . فعدم الاهتمام بالايتام يعني ضياعهم في المجتمع وربما تتلاقفهم الايادي الخبيثة حيث الفساد والانحراف .

ثم بعد ذلك ( وَالْمَسَاكِينَ ) وقد يفرق العلماء بين الفقير والمسكين فالمراد بالفقير من لا يملك مؤونة سنته اللائقة بحاله لنفسه وعائلته، لا بالفعل ولا بالقوة، فلا يجوز اعطاء الزكاة لمن يجد من المال ما يفي ـ ولو بالتجارة و الاستنماء ـ بمصرفه ومصرف عائلته مدة سنة، أو كانت له صنعة أو حرفة يتمكن بها من اعاشة نفسه و عائلته وان لم يملك ما يفي بمؤونة سنته بالفعل، والمسكين أسوأ حالاً من الفقير كمن لا يملك قوته اليومي([10])  .

قال الهلالي : لا خلاف في اشتراكهما في وصف عدمي هو عدم وفاء الكسب بالكلية، والمال لمؤنته، ومؤونة عياله.وإنما الخلاف في أيهما أسوأ حالا ، ومنشأ هذا الخلاف اختلاف أهل اللغة في ذلك([11])

ثم بعد ذلك (وَابْنِ السَّبِيلِ ) وهو المنقطع عن اهله ووطنه فلا يوجد لديه المال الكافي كي يرجع الى بلده وقضاء حاجته في سفره فقد يكون قد ضاع ماله او سرق وما اشبه ذلك ولا توجد لديه فرصة للعمل في في غير بلده لذلك دعى الاسلام المجتمع الاسلامي ان يهتم بمثل هذه الحالات الانسانية .

السادس : الانسان مسؤول عن واقع الحياة

من خلال اجواء هذه الاية الكريمة المباركة نستفيد فائدة كبيرة وعظيمة ان الانسان يجب عليه ان يستشعر واقع الحياة والمجتمع فهو ليس مسؤولا عن نفسه وحياته بما يلبي رغباته المادية والانفاقية وانما هو مسؤول عن جميع دوائر الحياة في المجتمع سواء الدائرة القريبة وهم الارحام والاقارب اوالدائرة البعيدة وهم اليتامي والمساكين وابن السبيل من افراد المجتمع ، وان اي تقصير وظهور للفقر والحاجة في المجتمع فهو مسؤول امام الله تعالى وليس الحكومة والدولة فقط هي المسؤولة عند ظهور الفقر .

وهذا العطاء والانفاق الذي يقوم به الانسان هو في محضر الله فالله يرى هذا الانفاق وهو بعينه   (وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّه بِهِ عَلِيمٌ) فهو لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء .

_________________________________________________

([1]) نَهجُ الذِّكر (محمد الريشهری) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 280

([2]) الصحيفة السجادية ( ابطحي ) ، الإمام زين العابدين ( ع ) ،233 .

([3])منتخب ميزان الحكمه ، محمد محمدی ری شهری ، ج 1  ، ص 448  .

([4]) المحلى  ،  علي بن احمد بن سعيد ابن حزم  ، ج 9   ، ص 137

([5]) الإسراء : الاية 23 .

([6]) مرآة العقول ، الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي ، ج 16 ، ص 135 .

([7]) تفسير البغوي احياء التراث (البغوي ، أبو محمد) ،  ج1 ، ص 205 .

([8]) الدر المنثور في التفسير بالماثور المؤلف : السيوطي ، ج 2  ،ص 528

([9])إحياء علوم الدين (محمد بن محمد غزالي) ، الجزء : 6 ، الصفحة : 30

([10]) انظر : توضيح المسائل (الشيخ محمد تقي بهجت) ، ج1 ، ص 358

([11]) معجم الفروق اللغويه الفروق اللغويه بترتيب وزياده ، العسكري، أبو هلال ، ج 1 ، ص 409 .

 630 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *