سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا ….) 96 .

تفسير قوله تعالى(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا ….) 96 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (96)

قال تعالى(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) سورة البقرة الاية 214 .

نتعرض في هذه الاية الى مطالب عدة

الاول : الجنة لا تُنال الا بالتعب والعناء

الله تعالى في هذه الاية المباركة يخاطب المؤمنين الذين آمنوا برسالة الاسلام ان دخول الجنة ليس امرا سهلا وهينا وبلا ثمن يقدمه الانسان ، فانت في الحياة الدنيا عندما تريد ان تنتقل من منطقة سفلى الى منطقة عليا يجب ان تدفع ثمنا كبيرا وباهظا ، ولذلك ليس كل انسان يستطيع ان يعيش في المناطق الراقية بل يعيش من يدفع المال الكثير ولذلك تبقى هذه المناطق محصورة بمن يدفع المال الكثير وعلى كل حال سواء جاءت الاموال بحلال ام حرام لا فرق .؟

ولكن في عالم الاخرة ودخول الجنة فالامر يختلف اختلافا جذريا ،فانت حتى تدخل الجنة وهي الدائمة والسرمدية وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وتكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع الانبياء والاولياء عليهم السلام فيجب ان تمر بمجموعة من الامتحانات الالهية حتى تبلغ القلوب الحناجر كما قال تعالى : ( وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ)([1]) . وكذلك قوله تعالى ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا منكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ([2]) ؟ وكذلك قوله تعالى : أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ،وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ([3]) .

وقال امير المؤمنين عليه السلام « ان رسول اللَّه صلى الله عليه واله كان يقول : ان الجنة حفت بالمكاره ، وان النار حفت بالشهوات . واعلموا انه ما من طاعة اللَّه شيء إلا يأتي في كره ، وما من معصية اللَّه شيء الا يأتي في شهوة »([4]) .

الثاني: الامم السابقة تعرضوا للمحنة

ان الله تعالى يسلي المؤمنين ويقول لهم ان سنة الابتلاء والمحنة ليست محصورة بكم فقد مرت كل الامم التي امنت بالله ورسالاته بالمحن والشدة والالم والقسوة والحروب والقتل والنفي والمعاناة والفقر والجوع والمرض فمنهم من صمد ومنهم من سقط في هذه البلاءات وهذه هي سنة الحياة فليس الجميع في مستوى واحد في الحياة الدنيا .

 عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : فما تمدون أعينكم ؟ فما تستعجلون ؟ ألستم آمنين ؟ أليس الرجل منكم يخرج من بيته فيقضي حوائجه ثم يرجع لم يختطف ؟ إن كان من قبلكم [ من هو ] على ما أنتم عليه ليؤخذ الرجل منهم فتقطع يداه ورجلاه ويصلب على جذوع النخل وينشر بالمنشار ، ثم لا يعدو ذنب نفسه ،ثم تلا هذه الآية ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب )([5]) .

الثالث : زيادة الايمان زيادة الابتلاء

 قانون الهي : وهو كلما زاد الانسان المؤمن ايمانا زاد ابتلاء في هذه الحياة حتى يعوضه الله في عالم الاخرة فهذه الدنيا ومهما كانت فلا يمكن ان تكون كعالم الاخرة .

  عن الصادق عليه السلام قال: “لو يعلم المؤمن ما له في المصائب من الأجر, لتمنى أن يقرض بالمقاريض” وعن سعد بن طريف قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فجاء جميل الازرق, فدخل عليه, قال: فذكروا بلايا الشيعة وما يصيبهم, فقال أبو جعفر عليه السلام: إنّ اُناساً أتوا علي بن الحسين عليهما السلام وعبد الله بن عباس فذكروا لهما نحوا ممّا ذكرتم, قال: فأتيا الحسين بن علي عليهما السلام فذكرا له ذلك.فقال الحسين عليه السلام: “والله البلاء, والفقر والقتل أسرع إلى من أحبّنا من ركض البراذين , ومن السيل إلى صمره, قلت: وما الصمرة ؟ قال: منتهاه, ولولا أن تكونوا كذلك لرأينا أنكم لستم منّا” )([6]) .

وعن الأصبغ بن نباتة قال: كنت عند أمير المؤمنين عليه السلام قال قاعدا, فجاء رجل فقال: يا أمير المؤمنين والله إنّي لاُحبّك (في الله)فقال: “صدقت, إن طينتنا مخزونة أخذ الله ميثاقها من صلب آدم فاتخذ للفقر جلباباً, فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: والله يا عليّ إنّ الفقر لأسرع (أسرع ـ خ) ) إلى محبّيك من السيل إلى بطن الوادي” )([7]) .

الرابع : البلاء هو من اجل التمييز

احد فوائد وسنن الابتلاء هو تمييز الانسان المؤمن عن الخبيث فلا يمكن معرفة الانسان المؤمن عن غيره الا من خلال العمل لكي يميز الله الخبيث من الطيب .

 عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : إن الله ليجرب أحدكم بالبلاء، وهو أعلم به، كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار؛ فمنهم من يخرج كالذهب الإبريز، فذلك الذي نجاه الله من السيئات، ومنهم من يخرج كالذهب الأسود، فذلك الذي افتتن”)([8])

الخامس : الفرج ياتي بعد الشدة

لعل القانون الالهي في الفرج ان يصل الضيق والشدة المنتهى بحيث يقرب الى حالة الياس في النفوس بحيث النفوس تنعصر وتصبح غير قادرة على دفع هذا الضيق والشدة في النفس وهي قضية تكوينية ليس لها علاقة بضعف الايمان بل هو امر تكويني في النفس كما في قوله تعالى (حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا) ([9])

ومن هنا ياتي السؤال من الرسول والمؤمنين يارب متى نصرك على القوم الكافرين ومتى الفرج بعد هذا الضيق والالم والشدة عندها ياتي الفرج والنصر الالهي ( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ).

قال الالوسي : حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه أي: انتهى أمرهم من البلاء إلى حيث اضطروا إلى أن يقول الرسول وهو أعلم الناس بما يليق به – تعالى – ، وما تقتضيه حكمته، والمؤمنون المقتدون بآثاره، المهتدون بأنواره متى يأتي نصر الله طلبا وتمنيا له، واستطالة لمدة الشدة – لا شكا وارتيابا – والمراد من ( الرسول ) الجنس لا واحد بعينه، وقيل: هو اليسع، وقيل: شعياء، وقيل: أشعياء ([10])

وقال الشاعر  :  ولرب ضائقة يضيق بها الفتى …… ذرعا وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها …….فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج ([11])

_________________________________________

([1]) سورة الاحزاب : الاية 10 .

([2]) سورة ال عمران : الاية 142 .

([3]) سورة العنكبوت : الاية 2،3 .

([4]) ميزان الحكمة (محمدي الريشهري) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 428

([5]) الغيبة المؤلف : الشيخ الطوسي    الجزء : 1  صفحة : 458

([6]) مستدرك الوسائل (المحدّث النوري) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 431

([7]) الاختصاص (الشيخ المفيد) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 311

([8])الدر المنثور في التفسير بالماثور (السيوطي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 702

([9]) سورة يوسف : الاية 110 .

([10])تفسير الآلوسي (الآلوسي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 104

([11])  المستطرف في كل فن مستطرف (شهاب الدين الأبشيهي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 321

 1,480 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *