في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (50)
قال تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ،وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)سورة البقرة من الاية 118 الى 120 .
نتعرض في هذه الايات الى مطالب عدة
الاول : الكافرون بالله تتشابه قلوبهم
الكافرون بالله تعالى في جميع الازمنة والامكنة وكأن قلوبهم واحدة من حيث الاستهزاء والسخرية والعناد والكفر والشقاق وفي صدهم واعراضهم عن الانبياء عليهم السلام ، فهؤلاء المشركون بالله في الجزيرة العربية يطلبون من النبي ’ ان يكلمهم الله ويقول لهم اني قد بعثت اليكم النبي محمد ’ رسولا اليكم ويطلبون آيات اخرى بحسب اقتراحهم ،وهؤلاء في الحقيقة لا يطلبون هذه الايات من اجل زيادة اليقين وانما يطلبوها عنادا ومكابرة والا فان الله عندما يبعث الانبياء يزودهم بكل الحجج والبينات والدلائل التي تدل على صدقهم وامانتهم وانهم مبعوثون من قبل الله تعالى ولذلك يؤمن بها الصالحون والمؤمنون واهل الفطرة السليمة .
قال الرازي : فالمراد أن المكذبين للرسل تتشابه أقوالهم وأفعالهم ، فكما أن قوم موسى كانوا أبدا في التعنت واقتراح الأباطيل ، كقولهم : ( لن نصبر على طعام واحد ) »([1]) . وقولهم : > اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) »([2]) . وقوله : ( أتتخذنا هزوا ) »([3]) . وقولهم : ( أرنا الله جهرة ) »([4]) . فكذلك هؤلاء المشركون يكونون أبدا في العناد واللجاج وطلب الباطل»([5]) .
الثاني : الانبياء يبعثون بالحق يبشرون وينذرون
وظيفة الانبياء عليهم السلام بيان الحق ،والحق هو العقيدة الصحيحة من اصول الدين وهي التوحيد ، والنبوة ، والمعاد ، وما يتعلق باصول الاعتقادات الصحيحة ،وكذلك بيان الاحكام الالهية من الحلال والحرام والتي تنظم حياة المجتمع على كل الاصعدة والتي فيها سعادة الانسان في الدنيا والاخرة ،ولذلك يؤمن بهذه العقيدة والشريعة من يؤمن ويكفر فيها من يكفر وبهذا فالنبي بشير يبشر المؤمنين وينذر الكافرين .
قال الماوردي :قوله تعالى ،إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا يعني محمدا أرسله بدين الحق. بشيرا ونذيرا يعني بشيرا بالجنة لمن أطاع، ونذيرا بالنار لمن عصى. ولا تسأل عن أصحاب الجحيم أي لا تكون مؤاخذا بكفرة من كفر بعد البشرى والإنذار»([6]) .
الثالث : رضا الناس غاية لا تدرك
يجب على الداعية الى الله ان يعمل بتكليفه ولا يتنازل عن المباديء والقيم الالهية من اجل ارضاء ومداهنة بعض الناس الذين يظن انهم سوف ينفعون الدين ويدخلون في الايمان ،او يحصل على منصب من اجل تصوره انه سوف يخدم الدين بهذا المنصب في مجموعة فاسدين ؟ وعليه ان يدرك هذه القواعد .؟
1- رضا الناس غاية لا تدرك .؟
2- ان رضا اصحاب الطوائف والاديان والاحزاب هو ان تدخل في دينهم حتى يرضوا عنك والا فلن يرضوا عنك .
قال القاسمي : وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ أي لأنهم يريدون أن يكونوا متبوعين على الإطلاق. وفيه مبالغة في الإقناط من إسلامهم، وتنبيه على أنه لا يرضيهم إلا ما لا يجوز ووقوعه منه عليه السلام»([7]) .
الرابع : الله يتولى الصالحين
الله تعالى يتولى الذين يبقون في خط الاستقامة واما الذين يخرجون عن خط الاستقامة لاي سبب كان فلا يتولاهم الله تعالى تبارك وتعالى ويحافظ عليهم ويمدهم بفيضه ومعونته وهدايته وهذه اشارة يجب ان يفهمها الانسان المؤمن والداعية الى الله تعالى فلا يغتر انه كان مؤمنا مجاهدا وداعية فالايمان هو البقاء في خط الاستقامة الى نهاية الطريق وليس في فترة معينة .ولذلك قال تعالى( ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ) .
قال ابو السعود : قال قوله (تعالى): ولئن اتبعت أهواءهم ؛ أي: آراءهم الزائغة؛ الصادرة عنهم بقضية شهوات أنفسهم؛ بعد الذي جاءك من العلم ؛ أي: الوحي؛ أو: الدين المعلوم صحته؛ ما لك من الله : من جهته العزيزة؛ من ولي ؛ يلي أمرك عموما؛ ولا نصير ؛ يدفع عنك عقابه»([8]) .
_____________________________________________
([1]) سورة البقرة : الاية 61 .
([5])تفسير الرازي مفاتيح الغيب او التفسير الكبير (الرازي، فخر الدين) ، ج 4 ، ص 28 .
([6]) تفسير الماوردي النكت والعيون (الماوردي) ، ج 1 ، ص 181 .
([7]) تفسير القاسمي محاسن التاويل ، القاسمي ، ج1 ، ص 387
([8]) تفسير أبي السعود (أبي السعود) ، ج 1 ، ص 153.
426 total views, 1 views today