سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ …..) 76 .

تفسير قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ …..) 76 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (76)

قال تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) سورة البقرة الاية 177

نتعرض في هذه الاية الى عدة مطالب

الاول : سبب نزول الاية المباركة

وان كان الوارد لا يخصص بالمورد ولكن فهم سبب النزول في الاية المباركة يعطي فهما واسعا للاية والاجواء التي نزلت فيها ،قال الشيخ الطوسي صاحب التبيان ( إن هذه الآية نزلت لما حولت القبلة ، وكثر الخوض في نسخ تلك الفريضة ، صار كأنه لا يراعى بطاعة الله إلا التوجه للصلاة ، فأنزل الله تعالى الآية ،ليس البر ان تولوا وجوهكم ……..) ([1]) وعلى هذا فتكون الاية في بيان الماهية الحقيقية لجوهر الدين والخير والاسس الفكرية والعقائدية والعملية للانسان المؤمن والمتقي وهي ترد على هؤلاء الذين اشتغلوا واشغلوا انفسهم في موضوع الصلاة واتجاه القبلة وتركوا جوهر الدين الصحيح والحقيقي والذي فيه الخير والبر

وقال المسعودي : حدثنا القاسم بن عبد الرحمن ، قال : جاء رجل إلى أبي ذر ، فقال : ما الإيمان ؟ فقرأ عليه هذه الآية : ( ليس البر أن تولوا وجوهكم ) حتى فرغ منها . فقال الرجل : ليس عن البر سألتك . فقال أبو ذر : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألتني عنه ، فقرأ عليه هذه الآية ، فأبى أن يرضى كما أبيت [ أنت ] أن ترضى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشار بيده :> المؤمن إذا عمل حسنة سرته ورجا ثوابها ، وإذا عمل سيئة أحزنته وخاف عقابها < ([2])  .

الثاني : الاسس الفكرية للانسان المؤمن المتقي

عندما نقول الاسس الفكرية بمعنى ان هذه الاسس يجب على الانسان ان يؤمن بها في قلبه بعد ان اثبت وجودها بالدليل ،والاسس الفكرية في اي دين تعتبر القاعدة الاساسية التي يبتني عليها غيرها من معالم الدين، والاسس الفكرية للاسلام والتي يجب على الانسان المسلم لكي يكون مؤمنا متقيا ان يؤمن بها هو، الايمان بالله ،والايمان بالانبياء والكتب السماوية ،والايمان بيوم الاخرة ،وكذلك الايمان بالملائكة الذين هم وسائط في هذا العالم .

الثالث : الاسس العملية للانسان المؤمن

الاسس العملية هي حركة الانسان في الواقع الخارجي وهو عبارة اخرى العمل من اجل ايجاد هذه العنوانين التي ذكرها الله تبارك وتعالى وهي هذه العنوانين ( وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).

الرابع: المال ليس امتيازا وانما وظيفة

هناك علاقة قوية وحميمة بين الانسان والمال فالانسان عاشق للمال كما قال تعالى في هذه الاية ( وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) وكذلك قال تعالى (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ) ([3]) .ولكن الاسلام ينظر الى الثروة والمال عند الانسان المسلم بانها وظيفة وليس امتيازا ،ومن اجل ان يتصف هذا الانسان بالايمان والتقوى عليه ان يدرب نفسه ليكون باذلا للمال في الموارد التي هي بحاجة الى المال من الاقارب والارحام والايتام والفقراء والمساكين وغيرهم  .

 عن ابي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم فقال يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجرا ؟ قال أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان([4])  .

 وعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ»([5])  .

وعن أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ»([6])  .

الخامس: الصبر لا يعني الاستسلام

عندما يامر الله بالصبر ويحث عليه بايات كثيرة في كتابه لا يعني ان الانسان المؤمن المتقي يجب ان يستسلم للواقع الذي وقع عليه بل عليه ان يتحرك من اجل تغيير واقعه في مصائب الحياة المختلفة، ولكن اذا وقع البلاء والمصيبة عليه ان لا ينهار ويسقط امام هذه البلاءات المختلفة في الحياة بل عليه ان يصبر ويتحرك من اجل تغيير واقعه .

واما تخصيص الصبر في هذه الموارد ( البأساء ،وهو شدة الفقر، والضراء،شدة المرض ، وحين البأس ،اشتداد الحرب )، لأن من صبر في هذه الموراد وهو شدة الفقر وشدة المرض وشدة الحرب يصبر على غيرها من مشاكل وهموم الحياة المختلفة كان في غيرها أصبر .

قال الماوردي : {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} قال ابن مسعود: البأساء الفقر , والضراء السقم. {وَحِينَ الْبَأْسِ} أي القتال. وفي هذا كله قولان: أحدهما: أنه مخصوص في الأنبياء عليهم السلام لأنه لا يقدر على القيام بهذا كله على شروطه غيرهم. والثاني: أنه عامٌّ , في الناس كلهم لإرسال الكلام وعموم الخطاب»([7])  .

السادس : قدرة المتقين على الصبر و العمل

المتقون  هم الذين يستطيعون العمل بهذه الخصال والصفات لانهم وطنوا انفسهم وهذبوا انفسهم وصدقوا في ايمانهم فلم يتغيروا ولم يتبدلوا مع شدة الاهوال والزلازل التي تعرضوا لها في حياتهم من اجل القيم والاخلاق والدين .

قال الالوسي : ( أولئك الذين صدقوا ) الله – تعالى – في السير إليه وبذل الوجود، وأولئك هم المتقون عن الشرك المنزهون عن سائر الرذائل»([8])  .

_____________________________________

([1]) التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي ، ج2 ، ص94 .

([2])تفسير ابن كثير (ابن كثير) ،ج 1 ، ص 213 .

([3]) سورة الفجر : الاية 20 .

([4])مستدرك الوسائل ، المحدّث النوري ، ج 7  ، ص 189 . عوالي اللئالي ، محمد بن علي بن ابراهيم ابن ابي جمهور الأحسائي ، ج 1 ، ص 368 ، صحيح البخاري ، محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي .ج2 ، ص 115.

([5]) سنن الدارمي ، عبد الله بن الرحمن الدارمي ، ج 1 ، ص397 .

([6])أحكام القرآن (أبو بكر الجصاص) ، ج 2 ، ص 60  ،الكافي- ط الاسلامية (الشيخ الكليني) ، ج 4 ، ص ، 10 .

([7])تفسير الماوردي النكت والعيون المؤلف : الماوردي    الجزء : 1  صفحة : 227

([8])تفسير الآلوسي (الآلوسي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 48

 548 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *