سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى …..) 77 .

تفسير قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى …..) 77 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (77)

قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة من الاية 178 الى 179.

نتعرض في هاتين الايتين الى مطالب عدة

الاول : فلسفة القصاص في الاسلام

القوانين الالهية جاءت لحفظ الفرد بما هو فرد والمجتمع الانساني من حياة الغابة والفوضى ،وتطبيق القصاص بشكل صحيح في المجتمع سوف لا يشرع القاتل في القتل بل لا يفكر في القتل وهذا هو جوهر التشريع الالهي في القصاص لذلك قال تعالى ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) فالحياة والطمأنينة في تطبيق القصاص، والموت والقتل والفوضى في عدم تطبيق قانون القصاص ، ويجب الالتفات ان القصاص في القتل العمد فقط وليس في قتل الخطأ . 

قال المدرسي : ان القصاص ضرورة حياتية وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ‌ إذ إنه يبني سورا منيعا حول حياة المجتمع كله، فيقتل نطفة الجريمة في مهدها، ولا يدعها تنمو حتى تتحقق، لان العقاب شديد وصارم. وإذا ألغي مبدأ القصاص فيمكن أن تتسع عمليات القتل الدفاعية في الأمة، إذ قد يحس كل فرد انه يتعرض للقتل من قبل خصومه فيبادر بقتلهم، وهكذا تنتشر الجريمة، وربما دون أي مبرر سوى الخوف الباطل»([1]).  

الثاني : حكم التماثل في القصاص

حكم التماثل في القصاص الذي ورد في القران -( الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى)- جاء من اجل ان يسد باب الفوضى العارم في المجتمع ،فقبل الاسلام كان اولياء القتيل يقتصون من الابرياء سواء من اخوان او اقارب او عشيرة الجاني والذين ليس عليهم اي ذنب او جناية ،وربما كان اولياء القتيل يقتلون اكثر من شخص بازاء المقتول لهم ،ولا شك بان القتل العشوائي يؤدي الى الفوضى والحروب الطاحنة،وهذا ما وقع فعلا بين القبائل في الجاهلية والتي اورثت الاحقاد والعداوة عقودا طويلة كحرب البسوس([2]).  وحرب الفجار ([3]). وغيرها من الحروب التي كانت عبثية ويذهب الابرياء وتنتهك المحارم .

قال النبي ’ :> إِنَّ مِنْ أعْتَى النَّاسِ على الله جَلَّ ثَناؤُهُ ثَلاثَةً رَجُلٌ قَتَلَ غَيْرَ قاتِلِهِ، أوْ قَتَلَ بدَخَنٍ في الجاهِلِيَّة، أو قَتَل فِي حَرَمِ الله < ([4]).

ومن اجل ذلك وحتى لا تعم الفوضى ويقتل البريء بالجاني شرع الله القصاص وان يقتل القاتل العامد ولا يقتل غيره من اقاربه او اخوته،وقد جاء في نفس المعنى في حكم التماثل قوله تعالى : « النَّفْسَ بِالنَّفْسِ< ([5]).وقوله :« فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ »([6]). وقوله : « وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها »([7]).وقوله : « فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ <([8]).

وقد نرى الجاهلية اليوم تعود في بعض مناطق العراق فيقتل البريء بدل الجاني ويصبح الكثير من الافراد يعيشون القلق والاضطراب نتيجة لهذه الافعال وما ذلك الا لترك القانون الالهي الذي لو طبق لما فكر الانسان في قتل اخيه الانسان .

الثالث : شروط القصاص

ذكر الفقهاء شروطا مفصلة عن القصاص وهذه باعتبار الروايات والسنة والشروط هي .

الأول – التساوي في الحرية والرقية ، فيقتل الحر بالحر وبالحرة لكن مع رد فاضل الدية ، وهو نصف دية الرجل الحر ، وكذا تقتل الحرة بالحرة وبالحر لكن لا يؤخذ من وليها أو تركتها فاضل دية الرجل .

الثاني – التساوي في الدين ، فلا يقتل مسلم بكافر مع عدم اعتياده قتل الكفار .

الشرط الثالث – انتفاء الأبوة ، فلا يقتل أب بقتل ابنه ، والظاهر أن لا يقتل أب الأب وهكذا

الشرط الرابع والخامس – العقل والبلوغ ، فلا يقتل المجنون سواء قتل عاقلا أو مجنونا ، نعم تثبت الدية على عاقلته ، ولا يقتل الصبي بصبي ولا ببالغ وإن بلغ عشرا أو بلغ خمسة أشبار ، فعمده خطأ حتى يبلغ حد الرجال في السن أو سائر الأمارات ، والدية على عاقلته .

الشرط السادس – أن يكون المقتول محقون الدم ، فلو قتل من كان مهدور الدم كالساب للنبي صلى الله عليه وآله فليس عليه القود ، وكذا لا قود على من قتله بحق كالقصاص والقتل دفاعا ، وفي القود على قتل من وجب قتله حدا كاللائط والزاني والمرتد فطرة بعد التوبة تأمل وإشكال ، ولا قود على من هلك بسراية القصاص أو الحد ([9]).

الرابع : العفو من مبادي الاسلام

مع ان القتل من الجرائم الكبرى وبتعبير القران الكريم (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) ([10]).ولكن الله جعل مجالا للعفو عن هذه الجريمة الكبرى من قبل اولياء الدم على الجاني والقاتل ليعطوا الى القاتل حياة بعد ان اصبحت هذه الحياة بايديهم ،وهنا يريد الله تعالى ان يرتقي بهذا الانسان من موقع المنتقم من القاتل الى موقع العافي عن القاتل ليهب له الحياة بعد ان اخذ حياة عزيزهم البريء، وللتحول هذه الجريمة الى المصالحة بين الطرفين ولعل يحدث بعد ذلك امرا ،عن الحلبي عن الصادق (ع) قال أي الحلبي «سألته عن قول اللّه عزَّ وجلّ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ قال: ينبغي للذي له الحقّ أن لا يُعسِرَ أخاه إذا كان قد صالحه على دية، وينبغي للذي عليه الحقّ أن لا يمطل أخاه إذا قدر على ما يعطيه ويؤدي إليه بإحسان» ([11]).

الخامس : اشكالات حول تشريع القصاص

البعض من ادعياء التفكير يقولون ان الجريمة لا تعالج بجريمة اخرى وهو في قتل القاتل…؟ ،وثانيا ،ان الجاني عندما جنى فهو يعيش حالة مرضية ومواجهة ذلك بقتل المرض لا المريض ،وثالثا،فالاسلام رحيم والقصاص وعقوبة الاعدام لا تنسجم مع روح الاسلام العظيمة في العفو .

والجواب على ذلك اقول .

1- ان هؤلاء ينطلقون من واقع تنظيري خيالي ومثالي وليس من واقع عملي وهو حفظ النظام والمجتمع بكل افراده فهم ينظرون الى الفرد بما هو فرد ولا ينظرون الى المجتمع كقيمة عليا يجب الحفاظ عليه من الانهيار فيما اذا لم تكن هناك عقوبات رادعة .

2- اعدام القاتل تنفيس عن اولياء المقتول حتى لا تتطور جريمة القتل الى قتل عشوائي بين اولياء المقتول والقاتل كما في قوله تعالى ( وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّه إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ) ([12]).

3- واعدام القاتل يمثل رادعا للاخرين عن التفكير او الشروع في جريمة القتل ،فحتى لو كان السجن مدى الحياة للقاتل فهذا لا يمكن له ان يردع القاتل عن القتل .

4- من الخطا القول ان الاعدام والقصاص جريمة اخرى ، وذلك لان القاتل قتل شخصا بريئا وليس مجرما بخلاف القاتل فهو يعيش الاجرام والقتل لانه اقدم على هذه الجريمة مع سبق الاصرار عليها وبارادته وبفعله ؟

5-  من الخطأ القول ان هؤلاء انطلقوا من مرض يجب علاجه ،لان هؤلاء اقدموا على القتل بدوافع كثيرة غير المرض وهو اما الحسد او الانتقام او دوافع دينية او سياسية او غيرها([13])

_________________________________________________

([1]) من هدى القرآن ، السيد محمد تقي المدرسي، ج 1 ، ص 273 .

([2]) حرب البسوس هي حرب قامت بين قبيلة تغلب بن وائل وأحلافها ضد بني شيبان وأحلافها من قبيلة بكر بن وائل بعد قتل الجساس بن مرة الشيباني البكري لكليب بن ربيعة التغلبي ثأرا لخالته البسوس بنت منقذ التميمية بعد أن قتل كليب ناقة كانت لجارها سعد بن شمس الجرمي، ويذكر المكثرون من رواة العرب أن هذه الحرب استمرت أربعين عاما   ويذكر المقللون أنها استمرت بضعة وعشرين سنة.

([3])حرب الفِجَار (43 ق هـ / 580م – 33 ق هـ / 590م) هي إحدى حروب العرب في الجاهلية وحصلت بين قبيلة كنانة (ومنها قريش) وبين قبائل قيس عيلان (ومنهم هوازن وغطفان وسليم وثقيف ومحارب وعدوان وفهم). وسميت بالفجار لما استحل فيه هذان الحيان من المحارم بينهم في الأشهر الحرم ولما قطعوا فيه من الصلات والأرحام بينهم.

([4]): تفسير الطبري جامع البيان ت شاكر المؤلف : الطبري، أبو جعفر    الجزء : 17  صفحة : 442

([5]) سورة المائدة : الاية 45 .

([6]) سورة الاسراء : الاية 33 .

([7]) سورة الشورى : الاية 40 .

([8]) سورة البقرة : الاية 194 .

([9]) تحرير الوسيلة، السيد الخميني ، ج 2 ، ص523 .

([10]) سورة المائدة : الاية 32 .

([11])مسند الإمام الصادق أبي عبد الله جعفر بن محمد(ع) (عزيز الله عطاردي) ، الجزء : 19 ، الصفحة : 258

([12]) سورة الاسراء : الاية 33 .

([13])انظر  القصاص وما اشكل عليه: تفسير الميزان ، السيد الطباطبائي ، ج 1 ، ص436 .

 1,053 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *