في رحاب تفسير آيات القران المجيد (13)
قال تعالى (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) سورة البقرة الاية (27)
نتعرض في هذه الاية الى عدة مطالب
الاول : ما المراد من نقض العهد
النقض ضد الابرام وهو الفسخ وترك العهد وعدم العمل به وفي لسان العرب >إِفْسادُ مَا أَبْرَمْتَ مِنْ عَقْدٍ أَو بِناء، وَفِي الصِّحَاحِ: النَّقْضُ نَقْضُ البِناء والحَبْلِ والعَهْدِ. غَيْرُهُ: النقْضُ ضِدُّ الإِبْرام([1]). ويمكن ان يوجه النقض بوجهين
1- الوجه الاول ؛ كل الانبياء عليهم السلام عندما ياتون الى اقوامهم ويرحلون الى عالم الاخرة يتركون اوصياء لهم وكذلك يوصون بالانبياء بعدهم كما في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ) ([2]). اي انهم تركوا ما عهد لهم نبيهم من العهد والميثاق وقالوا هذا سحر مبين؟ .
2- الوجه الاخر ؛ ان العهد والميثاق الذي اخذ من الناس عهد الفطرة والعقل وهو الايمان والاقرار بالعبودية لله والطاعة وعدم الانحراف عن عهد الفطرة والعقل وما تشهد به الايات والبينات الظاهرة التي تدل على وحدانية الله تعالى كما قال تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) ([3]). ونقض هذه العهود انهم تركوا عقولهم وفطرتهم التي تدعوهم الى الايمان بالله ورسله واستسلموا الى اهوائهم وملذاتهم فهم كما قال تعالى فيهم (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) ([4]).
واختلف المفسرون في هذا النقض الى اراء كثيرة ،قال القرطبي :> فقيل : هو الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره . وقيل : هو وصية الله تعالى إلى خلقه ، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته ، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه على ألسنة رسله ، ونقضهم ذلك ترك العمل به . وقيل : بل نصب الأدلة على وحدانيته بالسماوات والأرض وسائر الصنعة – هو بمنزلة العهد ، ونقضهم ترك النظر في ذلك . وقيل : هو ما عهده إلى من أوتي الكتاب أن يبينوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يكتموا أمره([5]).
الثاني : ما الامور التي يجب ان توصل
الله تعالى عندما يبعث الانبياء ويواترهم فهو من اجل صلاح الناس والامم والشعوب على كافة الاصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمعرفية والعلمية ، وحتى لاتبقى الناس تعيش الجهل والتخلف والظلم والبعد عن الله تعالى وفساد المجتمع على كل الاصعدة ولكن هؤلاء القساوسة والكهنة ومن اشباههم في المجتمع الاسلامي يقفون في طريق الانبياء والاولياء والمصلحين الذين يبعثهم الله ويقطعون ما امر الله ان يوصل وهو اكمال مسيرة الانبياء عليهم السلام في الاصلاح .
قال الطبرسي :ومعنى قطعهم ( ما أمر الله به أن يوصل ) قطعهم الأرحام وموالاة المؤمنين ، وقيل : قطعهم ما بين الأنبياء من الاجتماع على الحق في إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض([6]).
الثالث: ما الفساد في الارض
يتولد الفساد في الارض من هؤلاء الفاسقين والفاسدين الذين لا يريدون ان يعطوا مواقعهم التي حصلوا عليها والقداسة التي يتمتعون بها والخدم والحشم الذين يحيطون بهم والاموال التي بايديهم ،بل انهم يعبئون كل طاقاتهم الفكرية والاعلامية واستخدام الترغيب والترهيب من اجل الوقوف بوجه الانبياء والاولياء والمصلحين عليهم السلام ودعوتهم للاصلاح وهذا هو اعظم الفساد في الارض بل لا يوجد اعظم من هذا الفساد .
الرابع : الخسارة الحقيقية
الخسارة الحقيقة عندما يترك الانسان عقله في السعي لتحصيل الطاقة الايجابية من الكمالات الروحية والمعرفية والفكرية والعمل الصالح الذي يمكن ان يكون طريقا الى اصلاح الامة والمجتمع ،ويشتغل بالطاقة السلبية وهي نقض العهود والفساد في الارض والوقوف بوجه الانبياء والاولياء عليهم السلام وعمل الموبقات والرذائل……؟
قال الاندلسي ( الخاسرون ) بالناقصين حظوظهم وشرفهم ، وبالهالكين ، وسبب خسرانهم استبدالهم النقض بالوفاء ، والقطع بالوصل ، والإفساد بالإصلاح([7]).
___________________________________________
([1]) لسان العرب ،ابن منظور الجزء : 7 صفحة : 242
([3]) سورة الاعراف ، الاية 172 .
([4]) الآية 179 من سورة الأعراف
([5]) تفسير القرطبي ، القرطبي ،ج 1 ،ص 246
([6]) تفسير جوامع الجامع ، الشيخ الطبرسي ، ج 1 ،ص89 .
([7])أثير الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الأندلسي ،ج1 ،ص 274
1,187 total views, 1 views today