سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ …..) 78 .

تفسير قوله تعالى(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ …..) 78 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (78)

قال تعالى(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ، فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة البقرة من الاية 180 الى 182 .

نتعرض في هذه الايات الى مطالب عدة

الاول : الحكمة وفلسفة الوصية

الاسلام في اكثر تشريعاته يركز ويؤكد على جانب الشعور بالاخرين والاهتمام بهم كي يخرج حالة الانانية من هذا الانسان العاشق لنفسه وفي كل مسيرة حياته من بدايتها وحتى نهايتها ، ومن هنا نرى القران الكريم يؤكد على الوصية في آخر حياة الانسان وانها حق على المتقين ،فالوصية اعطاء المجال والفضاء الواسع للانسان قبل رحيله من عالم الدنيا بان يتصرف في الثلث من امواله كي تكون صدقة جارية له بعد وفاته ، وكي يستفيد من امواله الكثيرة من الناس الذين هم بحاجة الى الاموال من الفقراء والمحتاجين سواء من اقاربه او غيرهم والذين سوف يتذكرون الاثر الجميل من افعال هذا الانسان فيدعون له بالخير .

قال مكارم الشيرازي :  الإرث يوزع حسب القانون الإِسلامي بنسب معينة على عدد محدود من الأقارب، وقد يكون بين الأقارب والأصدقاء والمعارف من له حاجة ماسة إلى المال، ولكن لا سهم له في قانون الإِرث. وقد يكون بين الورثة من له حاجة أكبر إلى المال من بقية الورثة ، من هنا وضع الإِسلام قانون الوصية إلى جانب قانون الإرث، وأجاز للمسلم أن يتصرّف في ثلث أمواله (بعد الوفاة) بالشكل الذي يرشد لملء هذا الفراغ.

أضف إلى ما سبق، قد يرغب إنسان أن يعمل بعد مماته الخيرات التي ما أُتيح له أن يعملها في حياته، ومنطق العقل يفرض أن لا يحرم هذا الشخص من مثل هذا العمل الخيري([1]).

الثاني : فضل الوصية

هناك مجموعة من روايات اهل البيت الكرام تؤكد على فضل الوصية منها

عن رسول الله صلى الله عليه وآله : “ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيَّته تحت رأسه” ([2]) .

وعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « من مات على وصية حسنة ، مات شهيدا ».([3]) .

وعن الإمام الصادق عليه السلام : “ما من ميت تحضره الوفاة إلا رد الله عليه من سمعه وبصره وعقله للوصيَّة، أخذ الوصيَّة أوترك، وهي الراحة التي يقال لها راحة الموت، فهي حقٌّ على كلِّ مسلم” ([4]).

الثالث : الوصية واجبة ومستحبة

1- الوصية الواجبة ؛قال الامام الخميني رضوان الله عليه (اذا ظهرت للإنسان أمارات الموت يجب عليه إيصال ما عنده من أموال الناس من الودائع والبضائع ونحوها إلى أربابها، وكذا أداء ما عليه خالقيَّاً، كقضاء الصلوات والصيام والكفارات وغيرها، أو خلقياً إلا الديون المؤجلة، ولو لم يتمكن من الإيصال والإتيان بنفسه يجب عليه أن يوصي بإيصال ما عنده من أموال الناس إليهم، والإشهاد عليها خصوصاً إذا خفيت على الورثة، وكذا بأداء ما عليه من الحقوق الماليَّة خلقيَّاً كالديون، والضمانات، والديَّات، وأروش الجنايات، أو خالقيَّاً كالخمس والزكاة والكفارات ونحوها، بل يجب عليه أن يوصي بأن يستأجر عنه ما عليه من الواجبات البدنية مما يصح فيها الإستيناب والاستئجار، كقضاء الصلاة والصوم إن لم يكن له وليٌّ يقضيها عنه([5]).

2- الوصية المستحبة ؛وهي في الثلث من اموال الانسان تعطى بعد موت الميت لاعمال الخير والبر وهي فرصة ثمينة للانسان كي تبقى صدقة له جارية ولكن بشرط ان يوصي بها الانسان قبل وفاته،فان لم يوصي بها فانها تكون للورثة مع بقية الاموال.

عن الإمام الباقر عليه السلام قال: ” إنَّ الله تبارك وتعالى يقول: يا ابن آدم تطوَّلت عليك بثلاث، سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيراً، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيراً” ([6]).

وعن الإمام الصادق عليه السلام : “ستة تلحق المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له، ومصحف يخلفه، وغرس يغرسه، وبئر يحفرها، وصدقة يجريها، وسنَّة يؤخذ بها من بعده” ([7]).

الرابع : الاثم على الوصي اذا بدل في الوصية

اذا اوصى الموصي باشياء ولكن تبدلت الوصية من قبل الولي او غيره من الاوصياء فليس على الموصي اي ذنب وانما الذنب على الاشخاص الذين يبدلون هذه الوصية من ولي ووصي وشاهد وقد برئت منه ذمة الموصي وثبت أجره عند الله تعالى وسوف يجازي الله هؤلاء باعمالهم ان الله سميع عليم .

قال الماوردي : ( فمن بدله بعدما سمعه يعني فمن غير الوصية بعدما سمعها، وإنما جعل اللفظ مذكرا وإن كانت الوصية مؤنثة لأنه أراد قول الموصي، وقوله مذكر. فإنما إثمه على الذين يبدلونه أي يسمعونه ويعدلون به عن مستحقه، إما ميلا أو خيانة، وللميت أجر قصده وثواب وصيته، وإن غيرت بعده )([8]).

الخامس : لا يجوز الجور في الوصية من قبل الموصي

قد يجور الموصي فيوصي بما ليس بحق،او يظلم بعض اهل بيته واقاربه ،او يوصي بصرف الاموال في المعصية فهنا يجوز للوصي ان يصلح ما افسده الموصي .؟ لذلك قال تعالى ( فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .

 قال محمد رضا : ( والمعنى إن خرج الموصي في وصيته عن المعروف والعدل خطأ أو عمدا فتنازع الموصى لهم فيه أو تنازعوا مع الورثة فينبغي أن يتوسط بينهم من يعلم بذلك ويصلح بينهم ، ولا إثم عليه في هذا الإصلاح إذا وجد فيه شيئا من تبديل الجنف والحيف ; لأنه تبديل باطل إلى حق وإزالة مفسدة بمصلحة ، فقلما يكون إصلاح إلا بترك بعض الخصوم شيئا مما يراه حقا له للآخر ) ([9]).

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، عن أبيه الإمام الباقر عليه السلام قال: “من عدل في وصيِّته كان بمنزلة من تصدَّق بها في حياته، ومن جار في وصيته لقي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة وهو عنه معرض” ([10]).

وعن الإمام الباقر عليه السلام : “قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجلٍ توفي وأوصى بماله كلِّه أو أكثره، فقال له: الوصيَّة تردُّ إلى المعروف … فمن ظلم نفسه وأتى في وصيته المنكر والحيف ،فإنها تردُّ إلى المعروف، ويترك لأهل الميراث ميراثهم([11]).

____________________________________________________________________

([1])تفسير الأمثل المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي    الجزء : 1  صفحة : 28

([2])وسائل الشيعة -الإسلامية (الشيخ الحر العاملي) ، الجزء : 13 ، الصفحة : 352

([3])مستدرك الوسائل المؤلف : المحدّث النوري    الجزء : 2  صفحة : 117

([4])روضه المتقین (محمد تقی مجلسی) ، الجزء : 11 ، الصفحة : 13

([5])تحرير الوسيلة المؤلف : السيد روح الله الخميني    الجزء : 2  صفحة : 93

([6])الجواهر السنية المؤلف : الشيخ الحر العاملي    الجزء : 1  صفحة : 347

([7])وسائل الشيعة ط-آل البیت (العلامة الشيخ حرّ العاملي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 447

([8])تفسير الماوردي النكت والعيون (الماوردي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 233

([9]) تفسير المنار (محمد رشيد رضا) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 114

([10])مسند الإمام الباقر أبي جعفر محمد بن علي(ع) (عزيز الله عطاردي) ، الجزء : 5 ، الصفحة : 331

([11])وسائل الشيعة -الإسلامية المؤلف : الشيخ الحر العاملي    الجزء : 13  صفحة : 358

 1,083 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *