سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ  …….. )98 .

تفسير قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ  …….. )98 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد ( 98 )

قال تعالى(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ  وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ  وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) سورة البقرة الاية (216)

نتعرض في هذه الاية الى مطالب عدة

الاول : القتال ليس غاية في الاسلام وانما وسيلة

 كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ، أي فرض عليكم الجهاد في سبيل الله([1]) وهذه اول اية فرض فيها القتال بعد ان كان ممنوعا ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ) ([2]) والله تعالى عندما فرض الجهاد والقتال على المسلمين ، ليس لان القتال وسيل الدماء والعنف غاية في الاسلام بل كل الديانات بما فيها الإسلام الخاتم للأديان هو رحمة وسعادة للناس يريد اخراج الناس من الظلام الى النور ومن الضلال الى الهدى ،ولكن فرض الله القتال على المسلمين للحفاظ على الدين من الاعداء والظالمين ، وهم الذين لا يريدون ان لا يعبد الله ولا تحكم قوانين وسنن وشرائع الله في الارض، والا فالنظرية ومهما كانت تحمل من مثل وأخلاق وقيم لا يمكنها لوحدها من الصمود والنجاح والبقاء والثبات لولا وجود قوة تحمي هذه النظرية من كل الذين يريدون الشر بها واسقاطها .؟ وهذا ما نشاهده فعلا في العالم اليوم فالضعيف الذي ليس لديه القوة كي يدافع عن نفسه لا يمكن له البقاء أمام القوى الكبرى الفاسدة والظلمة والمستكبرة والتي تريد أن تبتلع كل الضعفاء وتهيمن عليهم

الثاني : كره النفس للقتال  

طبيعة الانسان يكره الموت والقتال ،لان الانسان بطبيعته يحب الدعة والراحة بعيدا عن صخب المعركة وصلصلة السيوف ومفارقة الاحبة والاهل والاطفال والاولاد ولذة النوم والطعام والشراب والبيوت الفارهة ، والانسان انس وتعود على عالم الدنيا الحسي وشهواتها ولذتها المادية والانسان يجهل عالم الاخرة ونعيمها مهما وصفت له ، ولذلك فهو يكره القتال لانه لا يريد ان يتعرض لهذه الامور كلها .

قال القرطبي : وإنما كان الجهاد كرها لأن فيه إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل ، والتعرض بالجسد للشجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس ، فكانت كراهيتهم لذلك ، لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى . وقال عكرمة في هذه الآية : إنهم كرهوه ثم أحبوه وقالوا : سمعنا وأطعنا ، وهذا لأن امتثال الأمر يتضمن مشقة ، لكن إذا عرف الثواب هان في جنبه مقاساة المشقات ([3])  .

الثالث: المنهج الالهي في تذليل الكراهة

المنهج الالهي في تذليل الكراهة هو الاسلوب التربوي ،فالله تبارك وتعالى لم ينكر كراهة النفس الفطرية للقتال والموت وترك الاطفال والعيال والاموال والسفر وما يتطلبه الجهاد من مشقة ، ولكن الله تعالى سهل هذه المشقة فقال ان بعض الفرائض وان كان مكروها وفيه مشقة ولكن وراء هذه المشقة خيرا كثيرا قد لا يدركها الانسان بوقتها وفي حينها وكذلك لعل وراء المحبوب الذي تحبه النفس شرا كبيرا ( وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ  وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ )

قال الالوسي : ( وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ  ) وهو جميع ما كلفوا به، فإن الطبع يكرهه، وهو مناط صلاحهم، ومنه القتال، فإن فيه الظفر والغنيمة والشهادة التي هي السبب الأعظم للفوز بغاية الكرامة.

(وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ) وهو جميع ما نهوا عنه، فإن النفس تحبه وتهواه وهو يفضي بها إلى الردى، ومن ذلك ترك قتال الأعداء، فإن فيه الذل وضعف الأمر وسبي الذراري ونهب الأموال وملك البلاد وحرمان الحظ الأوفر من النعيم الدائم([4])  .

وقال صاحب المنار : وعسى ان تكرهوا شيئا ، انهم كَانُوا يَرَوْنَ أَنْفُسَهُمْ فِئَةً قَلِيلَةً حَمَلَتْ هَذَا الدِّينَ وَاهْتَدَتْ بِهِ، وَيَخْشَوْنَ أَنْ يُقَاوِمُوا الْمُشْرِكِينَ بِالْقُوَّةِ فَيَهْلِكُوا، وَيَضِيعُ الْحَقُّ الَّذِي هُدُوا إِلَيْهِ وَكُلِّفُوا إِقَامَتَهُ وَالدَّعْوَةَ إِلَيْهِ ، ( وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) أن قياسكم جميع الكافرين على أنفسكم ، وتوقعكم أن يزين لهم من الإيمان ما زين لكم ، هو من الأقيسة الباطلة، فهؤلاء لا ينفع معهم الا القتال رحمة  بمجموع الأمة أن تفسد بهم ([5])  .

 الرابع :الانسان جاهل بالمصلحة الواقعية    

يبقى الانسان ناقصا في علمه ومعرفته بالنسبة الى عالم الغيب والمستقبل و الاخرة كما قال تعالى (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) ([6]) وقال (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ) ([7]) وما دام الانسان كذلك فهو يجهل المصلحة من المفسدة الواقعية في الاحكام الالهية ،ولاجل ذلك على الانسان ان يسلم لامر الله تعالى واحكامه لان احكام الله كلها خير للانسان وان كان لا يدركها الانسان ، لذلك قال تعالى(وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

قال ابن عاشور : والله يعلم الخير والشر ، وأنتم لا تعلمونهما ، لأن الله يعلم الأشياء على ما هي عليه والناس يشتبه عليهم العلم فيظنون الملائم نافعا والمنافر ضارا .،والمقصود من هذا تعليم المسلمين تلقي أمر الله تعالى باعتقاد أنه الصلاح والخير ، وأن ما لم تتبين لنا صفته من الأفعال المكلف بها نوقن بأن فيه صفة مناسبة لحكم الشرع فيه فنطلبها بقدر الإمكان عسى أن ندركها ، لنفرع عليها ونقيس ويدخل تحت هذا مسائل مسالك العلة ، لأن الله تعالى لا يجري أمره ونهيه إلا على وفق علمه . ([8])

__________________________

([1]) مجمع البيان في تفسير القرآن المؤلف : الشيخ الطبرسي    الجزء : 2  صفحة : 549

([2])  سورة الحج : الاية 39 .

([3])  تفسير القرطبي (القرطبي) ، الجزء : 3 ، الصفحة : 39 .

([4]) تفسير الالوسي روح المعاني (الألوسي، شهاب الدين) ، ج 1 ، ص 501 .

([5]) تفسير المنار المؤلف : محمد رشيد رضا    الجزء : 2  صفحة : 249

([6]) سورة الروم : الاية 7 .

([7]) سورة الاسراء : الاية 85 .

([8]) التحرير والتنوير (ابن عاشور) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 323

 2,358 total views,  2 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *