سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا …..)91 .

تفسير قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا …..)91 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (91)

قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) سورة البقرة من الاية 204 الى الاية 206 .

نتعرض في هذه الايات الى عدة مطالب

الاول : الانسان بين التنظير والتطبيق

الكلام والتنظير ليس عملية معقدة ، فيستطيع بعض الناس ان يحفظ العلوم والمعارف ويصبح خطيبا ومتكلما مفوها في شتى الاختصاصات من اجل اقناع الناس بما يريد ،ولكن العملية المعقدة في التطبيق لهذه المفاهيم والقيم والعدالة فما لم يكن الانسان قد روض نفسه واصبحت هذه المفاهيم جزء من كيانه لا يمكن ان يطبق هذه المفاهيم في الواقع الخارجي ولاجل ذلك ذم الله الذين يقولون ولا يفعلون .

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) ([1]) .

الثاني : بين المظهر الخادع والواقع

ان الله والانبياء والحكماء كلهم ومنذ بدء الخليقة يحذرون من المظاهر الخادعة ولكن لا زال لكثير من الناس يسير خلف هذه المظاهر ويخدع بها ثم لا تكون له عبرة وعظة ،وهذا في الحقيقة نتيجة ضعف القوة العاقلة والتحليل والوعي والميل العاطفي ونسيان التجربة ، ومن اجل ان لا يخدع هذا الانسان على الانسان ان يقوي القوة العاقلة والوعي ولا يخدع بالالفاظ والكلمات والصور .؟

عن النبي صلى الله عليه و آله : اُوحِيَ إلى بَعضِ الأَنبِياءِ : قُل لِلَّذينَ يَتَفَقَّهونَ لِغَيرِ الدّينِ ، ويَتَعَلَّمونَ لِغَيرِ العَمَلِ ، ويَطلُبونَ الدُّنيا بِعَمَلِ الآخِرَةِ ، يَلبَسونَ لِلنّاسِ مُسوكَ الكِباشِ وقُلوبُهُم كَقُلوبِ الذِّئابِ، وألسِنَتُهُم أحلى مِنَ العَسَلِ، وقُلوبُهُم أمَرُّ مِنَ الصَّبِرِ : إيّايَ يُخادِعونَ ؟ ! وبي يَستَهزِئونَ ؟ ! لَاُتيحَنَّ لَهُم فِتنَةً تَذَرُ الحَليمَ فيهِم حَيرانا([2]) .

الثالث : حكم الحاكم على الظاهر

لعل البعض يقول ان على الحاكم ان يعمل ويحتاط في الشهود في قضايا الدين والدنيا ولا يعمل على ظاهر احوال الناس لان المظاهر قد تكون خادعة ولذلك يجب البحث عن البواطن .،وفي الحقيقة هذا تكليف بما لا يطاق ولا يكلف الله نفسا الا وسعها .

قال القرطبي : قال علماؤنا وفي هذه الآية دليل وتنبيه على الاحتياط فيما يتعلق بأمور الدين والدنيا ، واستبراء أحوال الشهود والقضاة ، وأن الحاكم لا يعمل على ظاهر أحوال الناس وما يبدو من إيمانهم وصلاحهم حتى يبحث عن باطنهم ؛ لأن الله تعالى بين أحوال الناس ، وأن منهم من يظهر قولا جميلا وهو ينوي قبيحا .؟ ثم قال : قلت : والصحيح أن الظاهر يعمل عليه حتى يتبين خلافه([3]) .

و روت أم سلمة زوجة النبي (عليه السلام) أنه قال: «إنما أنا بشر مثلكم و انكم تختصمون إلي و لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار»([4]) .

الرابع : الفاسد يفعل المستحيل للغاية

الانسان المنافق والفاسد يفعل المستحيل من اجل الوصول الى غايته وهدفه الدنيوي ومن هذه الوسائل انه يشهد الله على ان ما في لسانه هو الذي في قلبه وان ظاهره وباطنه لا فرق بينهم ، ولكن الله يشهد على هذا انه كاذب ومنافق : إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ([5]) .

قال بن عاشور : مَعْنَى يُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ يَقْرِنُ حُسْنَ قَوْلِهِ وَظَاهِرَ تَوَدُّدِهِ بِإِشْهَادِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ مَا فِي قَلْبِهِ مُطَابِقٌ لِمَا فِي لَفْظِهِ، وَمَعْنَى إِشْهَادِ اللَّهِ حَلِفُهُ بِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ([6]) .

وكذلك فالله تعالى وصفه بانه الد الخصام ، ويعني ذلك ان هذا الانسان المنافق اذا جاء وقت العمل فلا تجد نفسه قابلة للحب والخير والرحمة والتساهل والايثار ومساعدة الناس وهذا دليل على كذبه وزوره وفساد نفسه التي استتر عليها بكلماته الجميلة .

قال السعدي : ( وهو ألد الخصام ) * أي : وإذا خاصمته وجدت فيه من اللدد والصعوبة والتعصب وما يترتب على ذلك ما هو من مقابح الصفات ليس كأخلاق المؤمنين الذين جعلوا السهولة مركبهم والانقياد للحق وظيفتهم والسماحة سجيتهم([7]) .

الخامس : القيادة لا تليق الا باهلها

القيادة تحتاج الى الامانة ، والكفاءة ، والقوة ، وان يحمل القائد مكارم الاخلاق وحب الخير للناس وان يجعل المجتمع كابنائه لا يفرق بينهم ،وكما ترون مثل هذه الصفات لا يمكن ان تتوفر الا في الانبياء والائمة والاولياء عليهم السلام . كما في قوله تعالى (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) ([8]) . وكقوله تعالى (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ  إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ) ([9]).

بخلاف غيرالانبياء عليهم السلام من الذين يتصدون لقيادة الامة والمجتمع فهم يخدعون الناس قبل وصولهم الى سدة الحكم والسلطة وانهم سوف يطبقون العدل والنظام والقانون وخدمة المجتمع وحب الخير لهم ويشهدون الله على ما في انفسهم ويحلفون بالله انهم صادقون وان ما يقولونه الموافق والمطابق للواقع ، ولكن سرعان ما يكذبون على الناس ويفكرون في انفسهم ومصالحهم الشخصية واطفالهم اكثر مما يفكرون في المجتمع ،وما ينتج عن قيادة هؤلاء هو الفساد الكبير الذي سوف يقع على البلاد والعباد . ولذلك قال تعالى : وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ .

السادس : المتكبر لا يقبل النصيحة

قبل السلطة والولاية والحكم قد يقبل الانسان النصيحة والتوجيه والارشاد ، ولكن السلطة والمال تجعل الانسان يعيش البطر والتكبر والغرور ، لذلك مثل هؤلاء سوف يرون كلامهم الحق المطابق للواقع وكلام غيرهم المخالف للحق الذي يرونه ، وهذا قد يكون مشاهدا من قبل الكثير من الناس فبعض الناس كان تافها لا يعبأ به وبكلامه ولكن بعد ما صار مسؤولا كبيرا اصبح لكلامه شأن في الواقع الاجتماعي ،بل سوف يرى اي نصيحة من الاخرين تدخلا في شؤونه وبالتالي سوف يعمل ضدها لانه يرى ان الاخرين لا قيمة لكلامهم وانهم انما يحسدونه عندما يقدمون اليه النصيحة والوعظ والارشاد والتوجيه والتصحيح ،ولذلك ققال تعالى ( وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) .ومن امثلة هؤلاء الحكام الذين لا يقبلون النصيحة عبدالملك فقد ورد انه كان حمامة المسجد وكان من الفقهاء في زمانه كما عن الأعمش: “كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب وعروة وقبيصة بن ذؤيب وعبد الملك بن مروان”([10])

ولكن عبدالملك عندما وصل اليه الحكم اغلق القران وكان امامه وفي الواقع ام ما فعله عبدالملك هو فرد من افراد من يتصدى للحكم وهو ليس وليا من اولياء الله تعالى وان كان فقيها .

قَالَ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: لَمَّا سُلِّمَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بِالْخِلَافَةِ كَانَ فِي حِجْرِهِ مُصْحَفٌ، فَأَطْبَقَهُ، وَقَالَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا وَضَعَ الْمُصْحَفَ مِنْ حِجْرِهِ قَالَ: هَذَا آخَرُ الْعَهْدِ مِنْكَ([11])

السابع : الدنيا دار ابتلاء ومحنة

ان مثل هؤلاء الحكام الظلمة لا يعجزون الله في الارض او السماء ولكن الله تعالى يختبر العباد بهم لكي يرى من يؤيدهم ومن يخرج عليهم او ينعزل عنهم وهذه سنة الله في الارض كما قال تعالى :  لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ([12]).

وتستمر عجلة الحياة في هذه الدنيا ضمن دائرة الامتحان والبلاء وكما قال تعالى ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ  فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) ([13]).

___________________________________________

([1]) سورة الصف : الاية 2، 3 .

([2]) حكم النّبيّ الأعظم ،  محمد الريشهری ، ج 1 ، ص 326

([3]) تفسير القرطبي (القرطبي) ، ج 3 ، ص 15

([4])  الخلاف : الشيخ الطوسي ، ج 6  ،ص 257

([5]) سورة المنافقون : الاية 1 .

([6]) التحرير والتنوير ، ابن عاشور ، ج 2 ، ص 267 .

([7]) تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان ، عبد الرحمن بن ناصر السعدي ، ص 93 .

([8]) سورة يوسف : الاية 55 .

([9]) سورة القصص : الاية 26 .

([10]) تاريخ مدينة دمشق ، بن عساكر ، ج 49 ،ص 260

([11]) البدايه والنهايه ط هجر ، ابن كثير  ، ج12  ،ص 381

([12]) سورة الانفال : الاية 42 .

([13]) سورة العنكبوت: الاية 2 ، 3 .

 814 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *