سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (َوَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ …..) 40 .

تفسير قوله تعالى (َوَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ …..) 40 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (40)

قال تعالى (َوَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ،بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ،وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) سورة البقرة ،الاية من 89 الى91 .

نتعرض في هذه الايات الى عدة مطالب

الاول : القران الكريم يصدق الكتب السماوية السابقة

نحن لا يمكن لنا ان نصدق بالكتب السماوية السابقة لو لا ان القران الكريم الذي هو المعجزة الخالدة قد اشار اليها وقد امرنا بالتصديق بها لانها كتب سماوية وقد جاء بها الانبياء عليهم السلام ،نعم مشكلة الكتب السماوية السابقة انها قد اصابها الانحراف والتضليل والزيادة والنقصان من قبل اصحاب الاهواء النفسية والشيطانية . ولكن مع ذلك فقد صدقها القران بشكل عام وهذا يستدعي من اصحاب الديانات الايمان برسالة الاسلام ونبي الاسلام الخاتم والاولى لهؤلاء التصديق بالنبي الخاتم وينصروه ويقفوا معه في دعوته الى الله تعالى  .

الثاني: اليهود كانوا يعرفون بظهور النبي

قبل ظهور النبي الخاتم صلى الله عليه واله في الجزيرة العربية كان اليهود يعرفون بحقيقة الظهور وكانوا يستنصرون به على المشركين ويقولون اللهم انصرنا به على المشركين ،كما نقول نحن اليوم اللهم عجل لوليك الفرج والنصر والعافية حتى ننتقم من المشركين والظالمين والفاسقين والكافرين ونقيم دولة العدل الالهي ولكن لا ادري كم سوف يبقى على عهده حتى الظهور المبارك والفتن قائمة تزداد قوة ونوعية كل يوم . روى في الكافي عن الصادق عليه السلام ما ملخصه ان اليهود كانت تجد في كتبها ان مهاجرة محمد ’ ما بين عير واحد فخرجوا يطلبون الموضع ونزله قوم منهم ثم صاروا يقولون للأوس والخزرج اما لو قد بعث محمد لنخرجنكم من ديارنا فلما بعث اللَّه محمدا ’ آمنت به الأنصار وكفرت به اليهود([1]).

 وعن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن قول الله تبارك وتعالى : ” وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ” قال : كان قوم فيما بين محمد وعيسى ( صلى الله عليهما ) وكانوا يتوعدون أهل الأصنام بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ويقولون : ليخرجن نبي فليكسرن أصنامكم وليفعلن بكم [ وليفعلن ] فلما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كفروا به ([2]).

وعن ابن عباس قال: كانت اليهود بخيبر تقاتل غطفان، فكلما التقوا هزمت يهود خيبر، فعاذت اليهود بهذا الدعاء فقالوا: اللهم نسألك بحق محمد النبي الامي الذى وعدتنا أن تخرجه في آخر الزمان إلا نصرتنا عليهم. قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كفروا به. فأنزل الله عزوجل ” وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ” الآية([3]).

الثالث : انكار اليهود للنبي الخاتم لانه ليس يهوديا

كان اليهود يعتقدون ان النبي الخاتم صلى الله عليه واله يكون من اليهود ويكون اسرائيليا ولذلك كانوا يهتمون في موضوع ظهوره ويهددون به العرب والمشركين ،ولكن لما ظهر من الجزيرة وانه عربي انكروا النبي محمد صلى الله عليه واله  حسدا وتكبرا من انفسهم المريضة ، لذلك ورد في الرواية ما يدل على حسدهم وتعنتهم وتكبرهم .

َأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت الْيَهُود تستفتح بِمُحَمد على كفار الْعَرَب يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ابْعَثْ النَّبِي الَّذِي نجده فِي التَّوْرَاة يعذبهم ويقتلهم فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّد كفرُوا بِهِ حِين رَأَوْهُ بعث من غَيرهم حسداً للْعَرَب وهم يعلمُونَ أَنه رَسُول الله([4]).

ولذلك قال تعالى : ( بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ) فهؤلاء اليهود  استحقوا العذاب الالهي في الدنيا والاخرة لانهم رفضوا ما انزل الله تعالى مع معرفتهم المسبقة بحقيقة ما نزل وانهم هم المختارون والمفضلون عند الله تعالى .

قال ابو زهرة : (إن اليهود يحسدون محمدا – صلى الله عليه وسلم – لأنه جاء من ولد إسماعيل لا من ولد إسحاق ، يريدون أن يكون خاتم النبيين من ولد إسحاق ، فهم يكفرون بما أنزل الله تعالى لأنهم يكرهون أن ينزل الله رسالته على من يشاء من عباده ، فهم يريدون أن تكون إرادة الله تعالى على هواهم في إرسال الرسل ، وقد بين الله تعالى أن ذلك أدى إلى غضبه عليهم ، وبعدهم عن رحمته ; ولذا قال تعالى : فباءوا بغضب على غضب أي فرجعوا وكانت النتيجة لهذا البغي والحسد ، أن نزل بهم غضب ، والمراد أنهم باءوا بغضب متزايد متكاثر شديد لتزايد أسبابه ، وتعدد دواعيه ، وبواعثه([5]).

وفي الحقيقة هذه رسالة الى الجميع وليس فقط اليهود فبعض الناس يتحرك من اجل العصبية والعشائرية والقومية والمناطقية ولا يتحرك من اجل الحق والعدل والقيم،فعلى الانسان ان يدور مدار الحق ولا يدور مدار العصبية وهذا هو الامتحان الحقيقي الذي يتعرض اليه البعض من الناس ،وهو ما نراه هذا اليوم في بعض المفاصل في الحياة .

الرابع : الازدواجية في التفكير اليهودي

لعل اول من اسس للازدواجية في التفكير هم اليهود ،فاليهود يريدون ان يؤمنوا بشرط ان يكون النبي منهم ولا يؤمنون اذا كان النبي من غيرهم ،ولكن هذا الزعم يكذبه الله تبارك وتعالى ،فالله تعالى يقول لهم انتم لا تؤمنون سواء كان النبي منكم او من غيركم والا فلو كانت دعواكم صادقة وانكم تؤمنون بالنبي اذا بعث منكم فلماذا كنتم تقتلون الانبياء الذين بعثهم الله وكانوا منكم .؟فاذن انتم لا تؤمنون سواء كان النبي منكم او كان من غيركم .؟

قال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .

قال صاحب الميزان : (قوله تعالى : قل فلم تقتلون ، الفاء للتفريع . والسؤال متفرع على قولهم : نؤمن بما أنزل علينا ، أي لو كان قولكم : نؤمن بما أنزل علينا حقا وصدقا فلم تقتلون أنبياء الله ، ولم كفرتم بموسى باتخاذ العجل ، ولم قلتم عند أخذ الميثاق ورفع الطور : سمعنا وعصينا ([6]).

__________________________________________________

([1]) الكافي ، الشيخ الكليني ، ج 8 ، ص310 .

([2]) الكافي ، الشيخ الكليني ، ج 8 ، ص310 .

([3]) انظر : السيرة النبوية : ابن كثير ،ج 1 ،ص 292 .وكذلك تفسير القرطبي (القرطبي) ، ج 2 ، ص 27 ،الدر المنثور في التفسير بالماثور (السيوطي) ، ج 1 ، ص 216 .

([4]) الدر المنثور في التفسير بالماثور (السيوطي) ، ج 1 ، ص 216 .

([5])  زهرة التفاسير ، محمد أبو زهرة ، ج1 ، ص313 ، دار الفكر العربي .

([6])تفسير الميزان ، السيد الطباطبائي ، ج 1 ، ص222 .

 469 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *