الاختلاف بين الناس : التعصب (3) .

الاختلاف بين الناس : التعصب الاعمى

 ومن اخطر الاختلاف والخلاف هو الاختلاف الناتج من التعصب العشائري والقبلي والمناطقي او ما شابه ذلك ، فالاختلاف هنا ليس قائما على اساس الاختلاف في الرؤيا وانما قائما على اساس التعصب فهو ينصر قومه وعشيرته على أي حال .

لذلك قال ابن منظور : والتَّعَصُّبُ: مِنَ العَصَبِيَّة. والعَصَبِيَّةُ: أَن يَدْعُوَ الرجلَ إِلى نُصْرةِ عَصَبَتِه، والتَّأَلُّبِ مَعَهُمْ، عَلَى مَنْ يُناوِيهم، ظَالِمِينَ كانوا أَو مَظْلُومِينَ ، والعَصَبةُ: الأَقاربُ مِنْ جِهَةِ الأَب، لأَنهم يُعَصِّبونه، ويَعْتَصبُ بِهِمْ أَي يُحِيطُون بِهِ، ويَشْتَدُّ بِهِمْ^([1]).

 قال الشاعر

       لا يَسألون أخاهم حين يَنْدُبهم … في النَائبات على ما قال بُرْهانا^([2])

وقال دريد بن الصمة يرثي اخاه

    وهل أنا إلا من غَزِيَّةَ إن غوت             غويتُ، وإن ترشدْ غزية أرشد ^([3])

وهذا البيت فيه اشارة الى اتباع القبيلة والعشيرة على أي حال سواء بالحق او الباطل

فكم قامت من حروب واسيلت من دماء في العالم نتيجة للتعصب الاعمى بين العشائر والقبائل والقوميات والامم ،وقد قرانا في التاريخ كيف كان الوضع قبل الاسلام وكيف نشبت الحروب العصبية بين القبائل والعشائر ايام الجاهلية ، فمن هذه الحروب

1- ما وقعت بين بطون العشيرة الواحدة  وربّما أدت إلى فنائها ، ومن هذه الحروب تلك التي وقعت بين بطون قبيلة عدوان القيسية وأدّت إلى فناء كثرة رجالها بعد أن كانت ذات شوكة وعدد.

2- والنوع الثاني الأيام التي نشبت بين قبائل تَمتّ إلى أصل واحد، كحرب البَسُوس بين قبيلتي بكر وتغلب، وكلتاهما من ربيعة ، ومنها كذلك الحروب التي وقعت بين الأوس والخزرج بيثرب،وكلاهما من قبيلة الأزد .

3- والنوع الثالث أيام دارت بين قبائل من أصول شتى، وهي أكثرها، ومن أشهرها يوم الكلاب الأول، ويوم الكُلاب الثاني الذي انتصرت فيه قبيلة تميم العدنانية على قبيلة مذحج القحطانية، 4- ونوع آخر من هذه الأيام، وهي الحروب التي نشبت بين إمارتي الغساسنة أمراء الشام والمناذرة أمراء الحيرة. وكانت إمارة الغساسنة تخضع لسلطان دولة الروم في حين كانت إمارة المناذرة تستظل بسلطان دولة الفرس .

5- والنوع  الأخير من هذه الأيام هو الأيام التي شبت نارها بين قبيلة عربية أو عدة قبائل وبين الأعاجم من الفرس والروم ومن يواليهم من قبائل العرب، وأشهر هذه الأيام يوم الصَّفقة الذي أوقع فيه كسرى أنوشروان ببني تميم في حصن المشقَّر لعدوانهم على قوافله، ويوم ذي قار الذي انتصر فيه بنو شيبان على جيش كسرى أبرويز ومن والاه من قبائل العرب.

واليوم التعصب صار مفهوما عاما يدخل فيه الكثير من التعصب منه التعصب القومي ، والتعصب الديني ، والتعصب المذهبي ، والتعصب الفكري ، والتعصب المناطقي ، والتعصب النوعي ، والتعصب الطبقي ، بالاضافة الى التعصب العشائري الذي كان سائدا في الازمان الماضية ؟ولا شك ان هذا التعصب سوف يؤدي الى الخلاف والاختلاف وقد يصل الى القتال والحرب كما كان يؤدي الى ذلك بين القبائل والعشائر في الجاهلية .

_______________________________________________________

([1]): لسان العرب : ابن منظور : ج 1  : ص 606 .

([2])خزانة الادب،البغدادي،ج7،ص 414 .

([3]) نهايه الارب في فنون الادب ، النويري ، ج 20  ، ص 152 .

 692 total views,  1 views today