منهج الاستقامة -الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی
في رحاب تفسير آيات القران المجيد (9)
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .) سورة البقرة (21،22) .
في هاتين الايتين مطالب عدة
المطلب الاول: خطاب الله لكل البشر بالعبادة
يا ايها الناس ، خطاب لكل الناس سواء المؤمنون او الكافرون من وجد في زمن النبي ’ ومن سيوجد الى يوم القيامة لان الرسالة الاسلامية هي رسالة الى كل الناس،ان الدين عندالله الاسلام ، واذا لم تتحقق عدالة الإسلام في الارض والعالم وبقاء الاسلام الأصيل فهذا بسوء اختيار الناس وتخاذلهم عن الحق وأهله على مر الدهور.
قال القرطبي : واختلف من المراد بالناس هنا على قولين : أحدهما : الكفار الذين لم يعبدوه ، يدل عليه قوله وإن كنتم في ريب، الثاني : أنه عام في جميع الناس ، فيكون خطابه للمؤمنين باستدامة العبادة ، وللكافرين بابتدائها . وهذا حسن <.([1]).
المطلب الثاني : الله يستحق العبادة بدون الامر
ثانيا : اعبدوا ربكم ؛ الله يستحق العبادة حتى لو لم يامر بالعبادة والطاعة ،لان الله خير مطلق ورحمة مطلقة وعطاء لا حدود له ،لذلك يقول الامام علي عليه السلام «الهي مَا عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَلَا طَمَعاً فِي جَنَّتِكَ لَكِنْ وَجَدْتُكَ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُك ) ([2]).
بل الامام السجاد عليه السلام يقول انا لولا انك امرت بالعبادة لما استحققتُ ان اعبدك بل سوف انزهك عن ذكري ولساني ،لانك الواجب وانا الممكن وبين الواجب والممكن مسافة كبيرة جدا (إِلهِي لَوْلا الواجِبُ مِنْ قَبُولِ أَمْرِكَ لَنَزَّهْتُكَ مِنْ ذِكْرِي إِيَّاكَ عَلى أَنَّ ذِكْرِي لَكَ بِقَدْرِي لابِقَدْرِكَ ………..) ([3]). ؟.
المطلب الثالث : لماذا تجب عبادة الله تعالى
1- الله يستحق العبادة لانه الخالق لكل شيء في الوجود فلا يوجد شيء في الكون الا وهو مخلوق لله تعالى كما قال تعالى ( ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )([4]).وقال تعالى ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)([5]). وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ )([6])
2- الله تعالى جعل كل شيء يسيرا للانسان وكل ما يحتاج اليه الانسان واهم شيء في الوجود جعل هذه الارض مبسوطة يمكن العيش فيها وجعل من الماء كل شيء حي ثم سخر للانسان كل ما في البر والبحر ،وكما في الحديث الذي يروويه المفسرون «يا ابنَ آدم، خَلَقْتُ الأَشياءَ مِن أجلك، وخلقتك من أجلي، فَلا تَشْتَغِل بما خُلِق لأجلك عَمَّا خُلِقْت لأجْله» ([7]).
3- والعبادة الحقيقية اذا كانت نابعة عن معرفة سوف تؤدي الى التقوى ، والتقوى هي غاية العبادة ، عندها يكون العبد من المكرمين ، ان أكرمكم عند الله اتقاكم .لعلكم تتقون…
المطلب الرابع : عبادة الانداد والشركاء
الله تعالى يريد من الانسان في قبال نعمة خلقه ووجوده وتسخير كل شيء له ان لا يعبد ولا يشرك بالله شيئا . وعبادة الانداد يمكن ان تتصور بعدة اشكال
1- عبادة الاصنام التي يصنعها الانسان من الحجر وغيره ؟. لانها لا شيء فلا تستحق العبادة ؟
2- عبادة الكواكب والشمس والقمر والنجوم وربما تكون الملائكة والمخلوقات الاخرى ؟،لانها مخلوقة لله .
3- عبادة الاشخاص ؟ من الانبياء والرسل، والاولياء ، والملوك ، والرؤساء ،والزعماء والقيادات والشخصيات المؤثرة في المجتمع ؟.فهؤلا كلهم عبيد لله تعالى . لذلك قال تعالى ( فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
المطلب الخامس : دلائل الايات على الخلق والايجاد
في هذه الايات المباركة الكريمة التي تعرضنا اليها في الشرح والتفسير تشير الى دلائل وبراهين خلقه تعالى فهي تشير الى ثلاثة انواع من الخلق والايجاد .
1- خلق الناس : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.
2- خلق السماوات والأرض: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً .
3- إحياء الأرض بعد موتها: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ.
فهذه الايات كما تدل على ان الطريق الى معرفة الله تعالى النظر في صنعه تعالى تدل كذلك على ان الله القادر على الخلق الاول قادر على الخلق والايجاد يوم القيامة .
قال البيضاوي : والآية تدل على أن الطريق إلى معرفة الله تعالى والعلم بوحدانيته واستحقاقه للعبادة النظر في صنعه والاستدلال بأفعاله، وأن العبد لا يستحق بعبادته عليه ثوابا، فإنها لما وجبت عليه شكرا لما عدده عليه من النعم السابقة فهو كأجير أخذ الأجر قبل العمل([8]).
________________________________
([1]) تفسير القرطبي ، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ،ج1 ، ص217 .
([2]) مرآة العقول ، الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي ،ج : 7 ، ص 81 .
([3])الصحيفة السجادية ( ابطحي ) ، الإمام زين العابدين ( ع ) ، ص418 .
([4]) الآية 102 من سورة الأنعام
([7])البحر المديد في تفسير القران المجيد ، ابن عجيبة ،ج 3 ،ص 112 .
([8])تفسير البيضاوي، البيضاوي ،ج1 ،ص 222 .
727 total views, 1 views today
