سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا …..) 25

تفسير قوله تعالى (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا …..) 25

في رحاب تفسير آيات القران المجيد (25)

قال تعالى (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ) سورة البقرة الاية 48 .

في هذه نتعرض الى مطالب عدة

الاول : الله دائم التذكير للانسان بيوم الاخرة

هناك فرق بين الغفلة والنسيان ، فالنسيان من طبيعة الانسان ومن ضمن تكوينه وعجينته ،وكما قيل( لولا النسيان لهلك الانسان) وذلك لان للنسيان فوائد نفسية كبيرة على حياته ونفسيته كي لا يتعرض للهلاك جراء ما يحدث له او لغيره واقاربه واعزائه من موت وهلاك ومصائب وغيرها وقد رفع النسيان عن الانسان كما في حديث الرفع عن ابي عبد الله ( عليه السلام ) يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : رفع عن أمتي أربع خصال : خطأها ونسيانها وما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا ….) ([1]).

ولكن الغفلة  باختيار الانسان لانه يقوم بذلك بنفسه كما قال تعالى : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ) ([2]). ولذلك نرى ان اكثر اهل جهنم من الغافلين كما قال تعالى : {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}([3]).

ومن لطف الله تعالى تذكير هذا الانسان واخراجه من الغفلة ومن وسائل التذكير بعث الانبياء والاولياء والاوصياء والعلماء الصالحين كي يذكروا هذا الانسان،لذلك يقول الله تعالى (واتقوا يوما …….) يعني خافوا مما يجري في ذلك اليوم الذي تذهل فيه كل مرضعة عما ارضعت كما قال تعالى (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) ([4]).

الثاني: الانسان في يوم القيامة يعيش في ظل اعماله

في عالم الدنيا قد يعيش الابناء تحت ظل الاباء ويتحمل ذلك الاباء لان الابناء قاصرون ويحتاجون الى الرعاية والعناية حتى يكبروا ، ولكن في عالم الاخرة تختلف القوانين بشكل كامل ، فتتقطع بين الناس العلاقات فكل انسان يبحث عما ينجيه كما قال تعالى ( يَومَ يَفرّ المَرء من أَخيه وَأمّه وَأَبيه وَصَاحبَته وَبَنيه لكلّ امرئ منهم يَومَئذ شَأنٌ يغنيه ) ([5]).  ولذلك الكفار يوم القيامة يطلبون الماء من المؤمنين والماء شيء سهل فيكون جواب المؤمنين ضمن القانون الالهي ان الله حرم اعطائكم الماء : ( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ  قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ) ([6]).

الثالث : الشفاعة بين النفي والاثبات

عندما نقرا القران نرى بعض الايات تنفي الشفاعة وبعضها يثبت الشفاعة ومنها هذه الاية النافية لذلك قال تعالى (ولا يقبل منها شفاعة ) وفي ايات اخرى ثبتت الشفاعة كما قال تعالى ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ اِرْتَضَى) ([7]). وقال تعالى : (يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) ([8]).  فهل هذا تناقض في القران ….؟

كلا لا يوجد تناقض ،نحن لو جمعنا هذه الايات بعضها مع البعض الاخر تكون النتيجة ان الشفاعة مشروطة وليست مطلقة ،وهي تتقوم باركان قابلية المشفوع له وهو الشخص المذنب ،واذن الشفيع وهو الله تعالى ،ووجود الماذون له في الشفاعة وهم الانبياء والاولياء والملائكة ومن ثبتت لهم الشفاعة كما في بعض الروايات ، ولذلك تبقى تفاصيل الشفاعة وما الذنوب التي تسقط وما الافراد المشفوع لهم تبقى محل نقاش بين العلماء والمفسرين وهي معركة الاراء .؟

ولكننا على يقين بان الشفاعة العظمى يوم القيامة للنبي الاكرم صلى الله عليه واله واهل بيته عليهم السلام كما ورد في تفسير الاية : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ)([9]). والخبر المروي عنه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال: ( اذخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي‌ ) ([10])

قال القرطبي: (مذهب أهل الحق أن الشفاعة حق وأنكرها المعتزلة وخلدوا المؤمنين من المذنبين الذين دخلوا النار في العذاب) ([11])

الرابع : عدم قبول الفدية عن المجرمين والكفار يوم القيامة

قد يخرج المجرم والظالم بكفالة او بفدية في عالم الدنيا ويتنصل من القانون والعقوبة بشتى الوسائل ، ولكن في عالم الاخرة لا يمكن ذلك بل يجري عليه القانون الصارم ،لان الله وضع هذه القوانين حتى ياخذ كل ذي حق حقه في عالم الاخرة فالله ليس محتاجا حتى يقبل الرشوة او الفدية من الكافرين والظالمين وسفاكي الدماء والذين روعوا الناس الآمنين ،ولذلك هؤلاء الظالمون يوم القيامة يتمنون ان لهم الارض كلها ( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ([12])  ولكن لا فائدة من ذلك كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ  وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ([13]).

ولذا قال تعالى : ( وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) قال الزمخشري ، اي: فدية لأنها معادلة للمفدى، ومنه الحديث: “لا يقبل منه صرف ولا عدل([14]).

الخامس : لا يمكن نصرة الظالمين والكفار

الباطل لا ينصره الله تعالى ولكن الباطل قد ينتصر ماديا ضمن قوانين خاصة في الدنيا والتي منها تخاذل الناس عن نصرة الحق ،واما الحق فينصره الله تعالى في الدنيا والاخرة وان طال الزمان كما قال تعالى (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) [15]).

 وقال تعالى ( فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين ) [16]).

قال الالوسي :  (ولا هم ينصرون) النصر في الأصل المعونة، ومنه أرض منصورة ممدودة بالمطر، والمراد به هنا ما يكون بدفع الضرر – أي ولاهم يمنعون من عذاب الله عز وجل [17]).

________________________________________

([1]) الكافي ، الشيخ الكليني ، ج 2 ، ص463 .

([2]) سورة الاعراف : الاية 205 .

([3]) سورة الأعراف، الآية: 179.

([4]) سورة الحج : الاية 2 .

([5]) سورة عبس : الاية 34 الى 37 .

([6]) سورة الاعراف : الاية 50 .

([7]) سورة الانبياء : الاية 28 .

([8]) سورة طه : الاية 109 .

([9]) سورة الانبياء : الاية 28 .

([10]) نفائس التأويل : السيد المرتضى  :ج 3  : ص 293 .

([11])تفسير القرطبي : القرطبي  :ج 1 :ص 378 .

([12]) سورة الزمر : الاية 47 .

([13]) المائدة : الاية 36

([14])تفسير الزمخشري الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل : الزمخشري ج 1 :ص 136 .

([15]) سورة غافر : الاية 51 .

([16]) سورة  الروم : الاية 47 .

([17])تفسير الآلوسي ، الآلوسي :ج 1 :ص 252 .

 537 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *