منهج الاستقامة -الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی
في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (53)
( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)سورة البقرة الاية (125)
في هذه الاية الكريمة مطالب
الاول : الكعبة رمز لله تعالى في الارض
الله موجود في كل مكان وكما قال تعالى (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ([1]). فلا يخلو منه زمان او مكان ،فلماذا البيت الحرام يرمز الى الله ؟.
الانسان يميل بطبعه الى الحس والمادة اكثر من الامور المعنوية والمجردات والامور الغيبية ،وحتى يربط هذا الانسان بالغيب والامورالمعنوية المجردة لا بد من شيء يتلائم مع طبيعته وما يميل اليه، لذلك لعل الله جعل البيت الحرام والكثير من المشاعر ومنها المساجد التي تذكر الانسان بالله وتجعل هذا الانسان يرتبط بالله تبارك وتعالى ،وقد ورد في الاحاديث روايات كثيرة تعظم شان الكعبة وبيت الله الحرام حتى ان النظر اليها عبادة وانه يهدم الذنوب، كما روي في الوسائل عن محمد بن علي بن الحسين قال : روي أن النظر إلى الكعبة عبادة ، وكذلك عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : النظر إلى الكعبة حبا لها يهدم الخطايا هدما ،وكذلك عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إذا خرجتم حجاجا إلى بيت الله فأكثروا النظر إلى بيت الله ، فإن الله مائة وعشرين رحمة عند بيته الحرام ، ستون للطائفين ، وأربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين([2]) .
الثاني : الكعبة المفترض ان تكون الاكثر امانا في العالم
بعد ان عرفنا ان الكعبة رمز لله تعالى في الارض فحرمتها وامنيتها جاءت لانها تنتسب وتضاف الى الله تعالى ،وقد ذكر الله الكعبة المشرفة في كتابه العزيز وانها المكان الامن للانسان ، كما في قوله تعالى : أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ([3])
وقال تعالى : إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ،فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) ([4]) .
وقد ذكر الله من حرمة الكعبة كيف فعل باصحاب الفيل عندما ارادوا هتكها، لذلك فلا يجوز هتك حرمة الكعبة وبيت الله الحرام من انواع الهتك كالقتل والقتال بل حتى لو جنى الشخص جناية يستوجب القتل لا يقام عليه الحد ولكن يضيق عليه حتى يخرج منها كما في الصحيح عن الإمام جعفر الصادق ( ع ) في رجل يجني في غير الحرم ، ثم يلجأ إلى الحرم قال : لا يقام عليه الحد ، ولا يطعم ، ولا يسقى ، ولا يكلم ، فإنه إذا فعل به ذلك يوشك أن يخرج ، فيقام عليه الحد ، وان جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم ، لأنه لم ير للحرم حرمة »([5]) .
ولكن مع ذلك فقد هتك الظالمون على مر الدهور حرمة الكعبة ومنهم يزيد بن معاوية عندما حاصر عبد الله بن الزبير ّ، فرمى الكعبة بالمنجنيق فاحترق جزء منها وتهدّم»([6]) وهتك حرمة الكعبة ال سعود لانهم قتلوا الحجاج في عام 1987 في موسم الحج .
الثالث : مقام ابراهيم عليه السلام
اختلف المفسرون في مقام ابراهيم هل هو الحجر الذي يقرب من الكعبة او مقام ابراهيم الحج كله قال الطبرسي ، ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) قال ابن عباس : الحج كله مقام إبراهيم ، وقتادة والسدي : هو الصلاة عند مقام إبراهيم ، أمرنا بالصلاة عنده بعد الطواف ، وهو المروي عن الصادق عليه السلام . وقد سئل عن الرجل يطوف بالبيت طواف الفريضة ، ونسي أن يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم ، فقال : يصليها ولو بعد أيام ، إن الله تعالى قال ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) . وهذا هو الظاهر ، لأن مقام إبراهيم إذا أطلق لا يفهم منه إلا المقام المعروف الذي هو في المسجد الحرام »([7]) .
الرابع :الدفاع عن الكعبة لانها رمز الاسلام والدين
يجب الدفاع عن الكعبة المشرفة باغلى الاثمان لانها تممثل رمز الدين الاسلامي فلو جاء ظالم واراد الاعتداء على الكعبة وتهديمها بقصد كسر هيبة الدين والقضاء على رمزية الاسلام والدين والقيم الاسلامية فهنا يجب الدفاع عن الكعبة ، ولا يقول احد انها احجار ويمكن تعويضها ، بل يجب الدفاع عنها لانها رمز للدين والاسلام والقران ،وهنا يدور الامر بين بذل النفوس وبين الدين ،وليس بين الكعبة المشرفة ونفوس المؤمنين .
الخامس : حرمة المؤمن اعظم من حرمة الكعبة
نتحدث من باب الافتراض، ومن باب التزاحم لو دار الامر بين نفس المؤمن وبين هدم الكعبة بحيث لا يمكن حفظهما معا، فاما حفظ بيت الله واما حفظ المؤمن ،فهنا تقدم نفس المؤمن على حفظ الكعبة وذلك لما ورد عن النبي واهل البيت عليهم السلام فعن الامام الرضا (ع) قال: ان أبا جعفر الباقر (ع) استقبل الكعبة وقال: الحمد لله الذي كرمك وشرفك وعظمك وجعلك مثابة للناس وأمنا، والله لحرمة المؤمن اعظم منك»([8]) .
السادس : ضرورة طهارة البيت الحرام للعبادة
لا بد ان يكون بيت الله اطهر مكان في الارض ،لانه يمثل الله والله هو الجمال المطلق والطهارة التامة والكاملة ، لذلك يجب ازالة كل النجاسات المادية والمعنوية وكل مظاهر الشرك من الاصنام والاوثان حتى يمكن ان يكون هذا المكان يناسب الاجواء الايمانية والروحية لمن يريد ان يتعبد ويتقرب الى الله في هذا المكان بانواع العبادات من الطواف والعكوف والصلاة ،لذلك قال تعالى( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) .
قال الكاشاني : ( وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ ) * أمرناهما وألزمناهما * ( أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ ) * بأن طهّرا .او طهّراه من الأوثان الَّتي كان المشركون يعلَّقونها على باب البيت ، والأنجاس وسائر الخبائث ، كالفرث والدّم الَّذي كان يطرحه المشركون عند البيت قبل أن يصير في يد إبراهيم وإسماعيل([9])
السابع : وضع ادارة مكة والحج بيد لجنة مستقلة
عندما استولى ال سعود على الحجاز اصبح بيت الله والمشاعر الحرام كلها والمدينة اوراق سياسية بيدهم بالاضافة الى الفائدة المادية والاقتصادية وهذا ما جعل لهم مكانة معنوية في المجتمع الاسلامي بالاضافة الى الموارد الاقتصادية الكبيرة من الارباح في موسم الحج والعمرة وهذه الاموال تصرف في فكرهم الهدام الارهابي .
ولذلك ومن اجل ان لا يستفيد هؤلاء من هذه الامور المعنوية والمادية يجب وضع بيت الله ومراسم الحج بيد لجان مستقلة من جميع البلدان فبيت الله تعالى ليس حكرا على ال سعود بل هو لكل المسلمين والمؤمنين في العالم .
________________________________________
([2]) وسائل الشيعة ( آل البيت ) ، الحر العاملي ، ج13 ، ص264 .
([3]) سورة العنكبوت : الاية 67 .
([4]) سورة ال عمران : الاية 96 ، 97 .
([5]) وسائل الشيعة ( آل البيت ) ، الحر العاملي ، ج13 ، ص264 .
([6]) تهذيب التهذيب ، ابن حجر ، ج 2 ، ص184 . وكذلك انظر ، معجم البلدان ، الحموي ، ج 2 ، ص249 .أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار ، محمد بن عبد الله ، ج 1 ، ص199 .
([7])تفسير مجمع البيان ، الشيخ الطبرسي ، ج 1 ، ص381 .
([8])مستدرك الوسائل (المحدّث النوري) ، الجزء : 9 ، الصفحة : 46
([9])زبدة التفاسير ، الملا فتح الله الكاشاني ، ج 1 ، ص231 .
1,044 total views, 1 views today
