سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ….. )100 .

تفسير قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ….. )100 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (100)

قال تعالى( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )، سورة البقرة من الاية 217 الى 218

نتعرض في هذه الاية الى مطالب عدة

اولا : اسباب الهجرة   

والهجرة معناها الانتقال من موضع إلى موضع ، وقصد ترك الأول إيثارا للثاني . والهجر ضد الوصل . وقد هجره هجرا وهجرانا ، والاسم الهجرة . والمهاجرة من أرض إلى أرض ترك الأولى للثانية([1])

ويمكن القول ان الهجرة من بلد الى بلد لها عدة اسباب منها ، لنشر الــــدعوة الاسلامية ،ومنها أن تسافر فراراً بدينك من الظلم والاضطهاد الذي يتعرض اليه الانسان في بلده ،ومنها ان تسافر طلباً للـعلم ولمعرفة ثقافة وفكر وحضارة الامم الاخرى ، ومنها أن تسافر طلباً للرزق بعد ان يضيق الرزق في البلد ، ومنها ان تسافر للسياحة .

الثاني : هجرة المسلمين  في بداية الاسلام  

تعرض المسلمون الاوائل الى الاضطهاد ولذلك اضطر هؤلاء الى الهجرة وترك مناطقهم ومدنهم واماكنهم وعيشهم الى مناطق اخرى واول هجرة كانت هي الهجرة الى الحبشة في السنة الخامسة من بعثة النبي صلى الله عليه واله وسلم، والذين هاجروا هم أحد عشر رجلاً، وأربع نسوة([2]) ،والهجرة الثانية كانت هجرة الطائف في السنة العاشرة للبعثة النبوية الشريفة، بعد انتهاء المقاطعة وموت أبي طالب، وبعده بأيام قليلة موت خديجة([3]) وهذه الهجرة هي هجرة النبي ’ بصحبة زيد بن حارثة ، وبقي فيها عشرة أيام يدعو الناس إلى دين وبقي فيها عشرة أيام يدعو الناس إلى دين الإسلام، فلم يؤمن منهم أحد.

قال الندوي : وكانت الطائف تلو مكة في الأهمية، واتساع العمران، ورفاهية السكان ، فلمّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف، عمد إلى نفر من سادة ثقيف وأشرافهم، فجلس إليهم، ودعاهم إلى الله، فكان ردّهم شرّ ردّ، واستهزؤوا به صلى الله عليه واله وسلم وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبّونه ويصيحون به، ويرجمونه بالحجارة »([4]) .

وكانت الهجرة الكبرى والعظمى هجرة المسلمين من مكة وبها تاسست الدولة الاسلامية ، قال ابن كثير : فلما أذن الله في الحرب وتابعه هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنُّصْرَةِ لَهُ، وَلِمَنِ اتَّبَعَهُ وَأَوَى إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بها» فخرجوا إليها أَرْسَالًا وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ وَالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ»([5]) .

ويمكن القول كذلك من الهجرة هجرة النبي ’ إلى شعب أبي طالب وعبدالمطّلب وكذلك هجرة الأنصار الأوّلين وهم العقبيّون .

والهجرة لم تنتهي بانتصار الاسلام وتثبيت الدولة في عهد النبي الاكرم ’ في المدينة فبعد قيام الدولة الاسلامية ورحيل النبي ’ وتولي بعض الحكام الفاسدين من بني امية وبني العباس وغيرهم والى العصر الحديث فقد راينا كيف ان صداما هجر او هاجر في نظامه الكثير من الناس والمؤمنين لكي يحافظوا على انفسهم ودينهم .

الثالث  : الله تعهد لمن خرج مهاجرا في سبيله ان يرزقه

الله تعالى تعهد لمن خرج مهاجرا في سبيله ان يرزقه وان يسبب له اسباب الرزق وان لا يعيش الضنك في العيش ،وهذا يقع ضمن القوانين الالهية التي لا تتخلف ، فالله خير الصادقين وبيده كل شيء وهو على كل شيء قدير ،ولكن هذا يحتاج الى بقاء الهجرة الى الله وكذلك يحتاج الى الصبر ،فليس مجرد ان يهاجر الانسان وفي اليوم الاول سوف يفتح الله له الحساب في البنك ، وانما هذا يحتاج الى الوقت والصبر حتى يظهر الرزق له في مهجره ،لذا يقول تعالى (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ) ([6])

الرابع :  البقاء في ارض الظالمين خسارة للانسان في الاخرة

الانسان من اجل ان يحصل على الشهادات العليا الدنيوية يحتاج الى المنافسة والامتحانات الكثيرة من اجل النجاح  ؟ فكيف بعالم الاخرة وهي الدائمة ،لذلك فمنذ ان يتكلف الانسان ويجري عليه القلم والى ان يموت لا بد ان يمر بمجموعة من الامتحانات وكل انسان بحسبه كي يعيش السعادة مع الانبياء في عالم الاخرة ،لذلك احد البلاءات التي قد يمر بها الانسان هو الهجرة فيما اذا صارت الارض التي يعيش فيها خاضعة بشكل كامل للظالمين ولا يستطيع ان يقوم بدينه فيها بل ربما سوف يكون احد ادوات الظالمين ، لذلك يحذر الله هذا الانسان من خسارة الاخرة كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) ([7])  .

الخامس : الهجرة لله تعالى

من اجل تحصيل الاجر والثواب على الهجرة سواء في الدنيا والاخرة يجب ان تكون للهجرة لله تعالى وحده ومن اجل دينه حدوثا وبقاء وليس من اجل تحصيل ملذات الدنيا .

عن رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : يا أيُّها النّاسُ، إنّما الأعمالُ بالنِّيّاتِ ، و إنّما لِكُلِّ امرئٍ ما نَوى ، فمَن كانَت هِجرَتُهُ إلَى اللّه ِ و رَسولِهِ فهِجرَتُهُ إلَى اللّه ِ و رَسولِهِ ، و مَن كانَت هِجرَتُهُ إلى دُنيا يُصيبُها أوِ امرأةٍ يَتَزَوَّجُها فهِجرَتُهُ إلى ما هاجَرَ إلَيهِ([8])  .

 قال السعدي : أولئك يرجون رحمت الله إشارة إلى أن العبد ولو أتى من الأعمال بما أتى به لا ينبغي له أن يعتمد عليها ويعول عليها، بل يرجو رحمة ربه ، ويرجو قبول أعماله ومغفرة ذنوبه وستر عيوبه([9])  .

السادس :استثمار الهجرة  في سبيل الله

يجب على الانسان ان يحول هجرته الى فوائد تنعكس عليه فكريا وعلميا واخلاقيا وكذلك الى فهم الامم الاخرى والحضارات ونقلها الى مجتمعه الذي هاجر منه في المستقبل عندما يرجع اليه ولا تكون هجرته من اجل الهجرة لا فائدة منها ،وسوف يعطي الله كل انسان بحسب نيته ضمن القانون الالهي من ثمار الهجرة وفوائدها ? كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً([10])  …؟

وفي فوائد الهجرة ابيات جميلة تنسب الى الامام علي عليه السلام .

تَغَرَّبْ عَنِ الأَوْطَانِ فِيْ طَلَبِ العُلَى **وسافِرْ ففي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِـدِ

تَفَرُّجُ هَـمٍّ، واكتِسَـابُ مَعِيْشَـةٍ ** وَعِلْمٌ ، وآدابٌ، وصُحْبَـةُ مَاجِـدِ

فإن قيلَ في الأَسفـارِ ذُلٌّ ومِحْنَـةٌ ** وَقَطْعُ الفيافي وارتكـاب الشَّدائِـدِ

فَمَوْتُ الفتـى خيْـرٌ له مِنْ قِيامِـهِ **بِدَارِ هَـوَانٍ بيـن واشٍ وَحَاسِـدِ ً([11])

_______________________________

([1]) تفسير القرطبي (القرطبي) ، الجزء : 3 ، الصفحة : 50

([2])السيرة النبوية المؤلف : ابن هشام    الجزء : 1  صفحة : 321

([3])(سيرة ابن هشام، 1/ 416. البداية والنهاية، 3/ 122، 127. ا

([4])السيره النبويه لابي الحسن الندوي المؤلف : أبو الحسن الندوي    الجزء : 1  صفحة : 216

([5]): البدايه والنهايه ط الفكر المؤلف : ابن كثير    الجزء : 3  صفحة : 169

([6])  سورة النساء : الاية 100 .

([7]) سورة النساء : الاية 97 .

([8]) ميزان الحكمه : محمد محمدی ری شهری : ج 12 ، ص 516 .

([9]) تفسير السعدي تيسير الكريم الرحمن (عبد الرحمن السعدي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 98

([10]) سورة الاسراء : الاية 20 .

([11]) نزهه الابصار بطرائف الاخبار والاشعار ،  عبد الرحمن بن درهم ، ج 1  ، ص 245 .

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *