سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة الفاتحة / تفسير قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الى وَلَا الضَّالِّينَ)(7)

تفسير قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الى وَلَا الضَّالِّينَ)(7)

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (7)

قال تعالى (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)  سورة الفاتحة من الاية 6 إلى الاية 7 .

نتعرض في هاتين الايتين إلى مطالب

المطلب الاول:الله يعلم العبد كيف يدعوه

في هذا المقطع من السورة يعلم الله العبد كيف يدعوه وماذا يطلب منه عندما يكون العبد في محضر الله ومتوجها اليه بكله ،الله يعلم العبد انك ايها العبد تحتاج الهداية الى الصراط في هذه الحياة المملوءة بالمحن والابتلاءات اكثر من اي شيء اخر فالاشياء الاخرى كلها مادية زائلة لا تحتاج الى الدعاء بشكل دائم ومستمر مثل الدعاء بالهداية الى الصراط .وقد ورد في الروايات ما يدل على ذلك عن علي عليه السلام {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} يعني:( أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به في ماضي أيامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا) ([1]).وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: يعني أرشدنا إلى لزوم الطريق المؤدِّي إلى محبتك،والمبلغ إلى جنتك، والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك) ([2]).

وقال بن عاشور : (اهدنا الصراط المستقيم تهيأ لأصحاب هذه المناجاة أن يسعوا إلى طلب حظوظهم الشريفة من الهداية بعد أن حمدوا الله ووصفوه بصفات الجلالة ثم أتبعوا ذلك بقولهم إياك نعبد وإياك نستعين الذي هو واسطة جامع بين تمجيد الله تعالى وبين إظهار العبودية وهي حظ العبد بأنه عابد ومستعين وأنه قاصر ذلك على الله تعالى ، فكان ذلك واسطة بين الثناء وبين الطلب ، حتى إذا ظنوا بربهم الإقبال عليهم ورجوا من فضله ، أفضوا إلى سؤل حظهم فقالوا اهدنا الصراط المستقيم فهو حظ الطالبين خاصة لما ينفعهم في عاجلهم وآجلهم ) ([3])  

المطلب الثاني: ما هو الصراط  

 الصراط منهج العلم والمعرفة وهو المنهج الحق الواضح للانبياء والرسل والاولياء عليهم السلام ،والذي لا يوجد فيه قيد انملة وذرة من الانحراف والاهواء النفسية والشيطانية .؟ وليس الصراط حبل ممدود في الاخرة يمشي عليه الانسان فاذا سقط منه يسقط الى نار جهنم ،بل الصراط في عالم الدنيا كما قال علي عليه السلام (أنا الصراط المستقيم ) ([4]). وكل انسان يمكن ان يكون هو الصراط في عالم الدنيا ولكن اذا سار على منهج الانبياء عليهم السلام كما قال تعالى (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا)     ([5]).   

المطلب الثالث : كيف السبيل الى الصراط           

 من اجل الكون على الصراط فلا بد للعبد من خطوات يخطوها نحو الوصول الى الصراط والا فلا يمكن السير على الصراط ،وهذه الخطوات يمكن اجمالها بما يلي .

1- الحركة الى الله تعالى ولكن يجب ان تكون هذه الحركة واعية على مستويين

(أ) على مستوى العقيدة الصحيحة والنابعة من الدليل وليس من التقليد، والتلبس بها حتى يصبح هذا العبد قطعة من الايمان .

(ب) على مستوى العمل بالاحكام الشرعية الالهية ،فيجب على العبد ان يعمل بالاحكام الشرعية كلها ولا يعمل ببعضها ويترك بعضها .؟

2- الاخلاص وصدق النية في الحركة الى الله تعالى .

3- عندما يرى الله ان هذا العبد قد تحرك حركة واعية وكان صادق النية مخلصا في حركته فسوف ياخذ بيده ويهديه الى سبل النجاة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ  ) ([6]). بل سوف يتولى الله امر العبد بنفسه ففي الحديث عن النبي قال الله ؛ لا أطلع على قلب عبد فأعلم منه حب الإخلاص لطاعتي لوجهي وابتغاء مرضاتي إلا توليت تقويمه وسياسته ) ([7]).

المطلب الرابع : الصراط خاص للانبياء عليهم السلام

السبل كثيرة في الحياة قد توافق الحق اذا كان السبيل صحيحا، وقد لا توافق الحق اذا كان السبيل خاطئا فاسدا ضالا ،وفي القران الكريم جاء السبيل للتعبير عن هذه الحقيقة فمرة ياتي ليعبر عن سبيل الله كما قال تعالى : { قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ }([8])   ومرة ياتي ليعبر عن السبل الاخرى ( وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) ([9])

ولكن الصراط جاء فقط ليعبر عن الحق الواضح {إِنَّ اللَّـهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ  هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}([10])  وقال تعالى {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ }.([11]) وقال تعالى {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}([12]).  وقال تعالى{لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}([13]). وقال تعالى{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}([14])

المطلب الخامس: السير على الصراط يحتاج للانسان الكامل

كل الناس يحتاجون في سيرهم وحركتهم في هذا الوجود على المستوى العبادي او الاجتماعي الى وجود الانسان الكامل ،فكيف اذا كان هذا الانسان يريد  ان يكون عارفا سالكا مريدا الى الله فهنا لزوم مرافقة الانسان الكامل حتى يخصله من مزالق الطريق .

قال الرازي : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) وهذا يدل على أن المريد لا سبيل له إلى الوصول إلى مقامات الهداية والمكاشفة إلا إذا اقتدى بشيخ يهديه إلى سواء السبيل ويجنبه عن مواقع الأغاليط والأضاليل ، وذلك لأن النقص غالب على أكثر الخلق ، وعقولهم غير وافية بإدراك الحق وتمييز الصواب عن الغلط ، فلا بد من كامل يقتدي به الناقص حتى يتقوى عقل ذلك الناقص بنور عقل ذلك الكامل ؛ فحينئذ يصل إلى مدارج السعادات ومعارج الكمالات )([15])  .

المطلب السادس:  الضلال والغضب الالهي

 الغضب ،ضد الرضا ،وهو اشتداد السخط ،والمغضوب عليهم هم  الذين توغلوا في الكفر وعندوا عن الحق ، ونبذوا آيات الله وراء ظهورهم ، ولا يراد به مطلق الكافر ولكن  من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم.

الضلال : مقابل الهدى ،وهو العدول عن الصراط المستقيم ،  والضالون هم الذين سلكوا غير طريق الهدى وكانوا يتصورون انهم على الطريق الصحيح  فأفضى بهم إلى الهلاك الأبدي والعذاب الدائم ، وكان الاجدر بهم ان يفحصوا بشكل افضل على طريق النجاة ولذلك قال تعالى عنهم ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) ([16]) .

قال الطبرسي : ( وأراد ب‌ (المغضوب عليهم) اليهود عند جميع المفسرين، الخاص والعام. ويدل عليه قوله تعالى: (من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير) وهؤلاء هم اليهود بدلالة قوله تعالى: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين).وأراد ب‌ (الضالين): النصارى بدلالة قوله تعالى: (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ) ([17]) .

وقال الاندلسي : ( والمغضوب عليهم والضالين عام في كل من غضب عليه وضل . وقيل : المغضوب عليهم اليهود ، والضالون النصارى ، قاله ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والسدي وابن زيد . وروي هذا عن عدي بن حاتم عن رسول الله ’ وإذا صح هذا وجب المصير إليه ، وقيل : اليهود والمشركون ، وقيل غير ذلك ) ([18]) .

وعلى كل حال فالمتبع في القران الكريم ان الاية المباركة لا تدل على القضية الخارجية بل هي تجري مجرى الليل من النهار ولها تطبيقات كثيرة في الحياة .

سادسا : سورة الفاتحة في الروايات

جاء في عيون أخبار الرضا للصدوق عن الإمام الرضا عليه السلام ، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: لقد سمعت رسول اللّه’ يقول: قال اللّه عزَّ وجلّ: «قسمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد: [ بِسْمِ اللّه الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ] ، قال اللّه جلّ جلاله: بدأ عبدي باسمي وحقٌّ علي أن أتمّم له أموره، وأبارك له في أحواله، فإذا قال: [ الْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ] ، قال اللّه جلّ جلاله: حمدني عبدي، وعلم أنَّ النعم التي له من عندي، وأنّ البلايا التي دفعت عنه بتطوّلي، أشهدكم أني أضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة، وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، وإذا قال: [ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ] ، قال اللّه جلّ جلاله: شهد لي عبدي أني الرحمن الرحيم، أشهدكم لأوفرنّ من رحمتي حظه، ولأجزلن من عطائي نصيبه، فإذا قال: [ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ] ، قال اللّه تعالى: أشهدكم، كما اعترف بأني أنا المالك يوم الدين، لأسهلنّ يوم الحساب حسابه، ولأتقبلنّ حسناته، ولأتجاوزنّ عن سيئاته، فإذا قال: [ إِيَّاكَ نَعْبُدُ] ، قال اللّه عزَّ وجلّ: صدق عبدي، إياي يعبد، أشهدكم لأثيبنّه على عبادته ثواباً يغبطه كلّ من خالفه في عبادته لي، فإذا قال: [ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ] ، قال اللّه تعالى: بي استعان عبدي وإليّ التجأ، أشهدكم لأعيننّه على أمره، ولأغيثنّه في شدائده، ولآخذن بيده يوم نوائبه، فإذا قال: [ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ] إلى آخر السورة، قال اللّه عزَّ وجلّ: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل، قد استجبت لعبدي وأعطيته ما أمل، وآمنته مما منه وجل»([19])

_____________________________

([1])   معاني الأخبار ، الشيخ الصدوق ، ص33 .

([2])  معاني الأخبار ، الشيخ الصدوق ، ص33 .

([3])التحرير والتنوير ، محمد الطاهر ابن عاشور ،ج1 ، ص187 .دار سحنون .

([4])  ينابيع المودة لذوي القربى ،الشيخ سليمان بن ابراهيم القندوزي ،ج 3 ، ص207 .

([5]) النساء (69)

([6])    العنكبوت (69)

([7])ميزان الحكمة ، محمدي الريشهري ، ج1 ،ص 759 .

([8])يوسف (108)

([9])سورة الأنعام ، الاية 153 .

([10])سورة آل عمران ، الاية 51 .

([11])سورة الأنعام ، الاية 153 .

([12])الملك (22)

([13]) سورة الفتح 2

([14])الزخرف (43)

([15])تفسير الرازي مفاتيح الغيب او التفسير الكبير ،الرازي، فخر الدين ، ج 1 ،ص164.

([16])سورة الكهف : الاية من 103 الى 104 .

([17]) تفسير مجمع البيان ، الشيخ الطبرسي ، ج 1 ،ص 71 .

([18])تفسير البحر المحيط ، أبي حيان الأندلسي ،ج1 ،ص 151.

([19])الأمالي ،الشيخ الصدوق ،ج 1 ،ص 240 .

 1,083 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير وشرح ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(3)

كل الوجود من الذرة الى المجرة مظهر من مظاهر الرحمة الالهية ،فهو الموجد لها وهو الممد لها في بقائها ، يقول الله تعالى ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) وفي دعاء الجوشن (يا من وسعت رحمته كل شيء ) .ويقول الامام علي عليه السلام في دعاء كميل من اجل استنزال الرحمة الالهية (اللهم اني اسالك برحمتك التي وسعت كل شيء ) بل ان الامام عليه السلام يقول ( اللّهم إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فإنَّ رحمتك أهلٌ أن تبلغني وتسعني لأنها وسعت كلّ شيء»

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *