سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة الفاتحة / تفسير وشرح ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(3)

تفسير وشرح ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(3)

 في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (3) 

 قال تعالى ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )سورة الفاتحة من الاية 2 الى الاية 4

نتعرض في هذه الايات الى مطالب

المطلب الاول : الله يعلم العبد كيف يثني عليه

الحمد لله ( جملة اخبارية ) ولكنها في مقام الانشاء ،فلله الحمد اولا واخرا والله يريد ان يعلم العبد كيف يثني عليه على كل حال وفي اي حال سواء كان في السراء او الضراء ، قال أمير المؤمنين  في نهج البلاغة : « نَحْمَدُهُ عَلَى آلاَئِهِ كَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلاَئِهِ » ([1]) .ومنه نتعلم الحمد لله تعالى في كل خطاب وكلمة وحديث حتى نبقى متصلين به تعالى ،كما قال امير المؤمنين 🙁 لْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي لَا يَبْلُغُ مِدْحَتَه الْقَائِلُونَ ، ولَا يُحْصِي نَعْمَاءَه الْعَادُّونَ ، ولَا يُؤَدِّي حَقَّه الْمُجْتَهِدُونَ)  ([2]).

 قال الطبري : ( الشكر خالصًا لله جل ثناؤه دون سائر ما يُعبد من دونه، ودون كلِّ ما برَأَ من خلقه ، بما أنعم على عباده من النِّعم التي لا يُحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحدٌ، في تصحيح الآلات لطاعته، وتمكين جوارح أجسام المكلَّفين لأداء فرائضه، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق، وَغذَاهم به من نعيم العيش، من غير استحقاق منهم لذلك عليه، ومع ما نبَّههم عليه ودعاهم إليه، من الأسباب المؤدِّية إلى دوام الخلود في دار المُقام في النعيم المقيم. فلربِّنا الحمدُ على ذلك كله أولا وآخرًا ([3]) .

المطلب الثاني: لماذا قصر الحمد على الله

قال تعالى (الحمد لله ) هذه الجملة وردت مورد الحصر ،فالحمد لله وحده فهو الذي يستحق الحمد لانه مالك للوجود كله والمدبر للوجود كله ،فلا وجود لاحد في الوجود الا من خلال وجوده فكل شيء بالنسبة الى الله تعالى كالظل والشعاع،فاذا كان بعض خلقه يستحق الحمد فهو من وهبه ذلك وهيأ له اسباب الحمد كي تحمده الناس من خلال بعض صفاته التي يتمتع بها كالعلم والشجاعة والكرم والرحمة وغيرها من الصفات .

قال محمد سيد طنطاوي: (وجملة الْحَمْدُ لِلَّهِ مفيدة لقصر الحمد عليه- سبحانه- نحو قولهم: «الكرم في العرب» . كما أن أل في «الحمد» للاستغراق. أى: أن جميع أجناس الحمد ثابتة لله رب العالمين.وإنما كان الحمد مقصورا في الحقيقة على الله، لأن كل ما يستحق أن يقابل بالثناء فهو صادر عنه مرجعه إليه، إذ هو الخالق لكل شيء، وما يقدم إلى بعض الناس من حمد جزاء إحسانهم، فهو في الحقيقة حمد لله، لأنه- سبحانه- هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم عليه) ([4]) .

المطلب الثالث : الله المربي لكل العوالم ماديا ومعنويا

الله خالق كل شيء في الوجود ، ولكن عندما خلق الوجود لم يخلقه عبثا ولم يخلقه لكي يتركه بلا اي عناية به ،بل خلقه ورعاه بكامل الرعاية على المستوى المادي وعلى المستوى المعنوي ، يقول الامام زين العابدين عليه السلام (أَصْبَحْنَا وأَصْبَحَتِ الأَشْيَاءُ كُلُّهَا بِجُمْلَتِهَا لَكَ : سَمَاؤُهَا وأَرْضُهَا ، ومَا بَثَثْتَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، سَاكِنُه ومُتَحَرِّكُه ، ومُقِيمُه وشَاخِصُه ومَا عَلَا فِي الْهَوَاءِ ، ومَا كَنَّ تَحْتَ الثَّرَى ،أَصْبَحْنَا فِي قَبْضَتِكَ يَحْوِينَا مُلْكُكَ وسُلْطَانُكَ ، وتَضُمُّنَا مَشِيَّتُكَ ، ونَتَصَرَّفُ عَنْ أَمْرِكَ ، ونَتَقَلَّبُ فِي تَدْبِيرِكَ ، لَيْسَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ إِلَّا مَا قَضَيْتَ ، ولَا مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا مَا أَعْطَيْتَ » ([5]) .

 وكذلك فقد سخر الله كل شيء في الوجود كما قال تعالى (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ([6]) وقال تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ([7]) .( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) ([8])وهذا من الناحية المادية ، واما من الناحية المعنوية فقد ربى الله انبيائه تربية حتى يكونوا قدوة واسوة للناس ثم بعثهم لهداية الناس وتعليمهم وتزكيتهم وان يقيموا العدل والقسط بينهم كما قال تعالى( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) ([9])وقال تعالى ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) ([10])

المطلب الرابع : الوجود من مظاهر الرحمة الالهية

 كل الوجود من الذرة الى المجرة مظهر من مظاهر الرحمة الالهية ،فهو الموجد لها وهو الممد لها في بقائها ، يقول الله تعالى ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) ([11]) وفي دعاء الجوشن (يا من وسعت رحمته كل شيء ) ([12]) .ويقول الامام علي عليه السلام في دعاء كميل من اجل استنزال الرحمة الالهية (اللهم اني اسالك برحمتك التي وسعت كل شيء ) ([13])بل ان الامام عليه السلام يقول ( اللّهم إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فإنَّ رحمتك أهلٌ أن تبلغني وتسعني لأنها وسعت كلّ شيء» ([14]).

ومن الاراء في تفسير الرحمن الرحيم ،ان الرحمن في الدنيا والرحيم في الاخرة ،او الرحمن بالكافر والمؤمن والرحيم بالمؤمنين خاصة .

قال بن عجيبة : ( أوالرحمن في الدنيا والآخرة، والرحيم في الآخرة لأن رحمة الآخرة خاصة بالمؤمنين. أو الرحمن بجلائل النِعم والرحيم بدقائقها، فجلائل النعم مثل: نعمة الإسلام والإيمان والإحسان، والمعرفة والهداية، وكشف الحجاب وفتح الباب والدخول مع الأحباب، ودقائقُ النعم مثل: الصحة والعافية والمال الحلال، وغير ذلك مما يأتي ذكره في المُنْعَم عليهم» ([15]).

قال الطنطاوي : ( أو أن الرَّحْمنِ صفة ذاتية هي مبدأ الرحمة والإحسان. والرَّحِيمِ صفة فعل تدل على وصول الرحمة والإحسان وتعديهما إلى المنعم عليه.ولعل مما يؤيد ذلك أن لفظ الرحمن لم يذكر في القرآن إلا مجرى عليه الصفات كما هو الشأن في أسماء الذات، قال تعالى(الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ([16]).، والرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى([17]).، قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ ([18]).، وهكذا …أما لفظ الرحيم فقد كثر في القرآن استعماله وصفا فعليا، وجاء في الغالب بأسلوب التعدية والتعلق بالمنعم عليه. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ([19]).، وكذلك (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً([20]).، إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيما) ([21]).ً إلخ. ([22]) .

________________________________________

([1]) شرح نهج البلاغة ،ابن ابي الحديد ،ج 7 ،ص 250 .

([2])نهج البلاغة ،خطب الإمام علي ، ( تحقيق صالح ) ،ص39 .

([3])جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري،ج1 ،ص90 .

([4])التفسير الوسيط لطنطاوي المؤلف : محمد سيد طنطاوي    الجزء : 1  صفحة : 18

([5])  الصحيفة السجادية ،  الإمام زين العابدين ( ع ) ،ص50 .

([6])  سورة الجاثية 13 .

([7]) سورة النحل ، الاية 18 .

([8]) سورة ابراهيم ، الاية 34 .

([9]) سورة البقرة ، الاية 213 .

([10]) سورة الحديد ، الاية 25 .

([11]) سورة الاعراف ، الاية 156 .

([12]) بحار الانوار ، المجلسي ، ج91 ، ص396 .

([13]) إقبال الأعمال ، السيد ابن طاووس ، ج 3 ،ص331 .

([14])  مفتاح الفلاح ، الشيخ البهائي العاملي ، ص72 .

([15])البحر المديد في تفسير القران المجيد ، ابن عجيبة ،ج 1 ،ص 57 .

([16]) سورة الرحمن ، الاية 1 .2 .

([17]) سورة طه ، الاية 5 .

([18]) سورة الاسراء ، الاية 110 .

([19])  سورة الحج ، الاية 65 .

([20]) سورة الاحزاب ، الاية 43 .

([21])  سورة النساء ، الاية 29 .

([22])  التفسير الوسيط لطنطاوي ، محمد سيد طنطاوي ،ج 1 ،ص 16 .

 784 total views,  2 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) (4)

ان الله تعالى لم يذكر (الدنيا) في سورة الفاتحة وينسبها اليه مع ان الله مالك للدنيا ومالك للدين (يوم القيامة ) وانما ذكر ونسب الاخرة والقيامة اليه .فقال(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) لان عالم الاخرة العالم الحقيقي والدائمي والسرمدي وعالم الجمال الذي لا عين رات ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر والذي ينبغي ان يتوجه اليه الانسان بكله اليه، واما عالم الدنيا فهي محطة قصيرة جدا يمر فيها الانسان ولا ينبغي ان ينشغل الانسان فيها الا بقدر ما تكون وسيلة ويسخر فيها كل ما يستطيع الى عالم الاخرة .

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *