سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة الفاتحة / تفسير قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (5)

تفسير قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (5)

 في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (5)

قال تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ   ……….)  سورة الفاتحة من الاية  4 الى الاية 5 .

  نتعرض الى عدة مطالب

المطلب الاول :تقديم  المفعول به على الفعل والفاعل

لماذا قدم الله تعالى : (إِيَّاكَ) ، على ، نَعْبُدُ وعلى ( نَسْتَعِينُ) فقدم المفعول على الفعل والفاعل .

الجواب ؛ مما لا شك فيه ان القران يحمل كل سمات البلاغة ولكن تقديم المفعول به على الفاعل والفعل يشير ويدل على تخصيص وحصر العبادة والطاعة لله وحده فهو من يستحق ذلك وليس غيره ،لان الله خالق وغير الله ليس خالقا بل كل ما عدا الله مخلوق ، والله تعالى مالك لكل شيء بالملك الحقيقي وغير الله ليس مالكا حقيقيا بل كل ما عدا الله مملوك ،والله تعالى مربيا لكل العوالم ما نرى وما لا نرى (الحمد لله رب العالمين) وغير الله لا يملك هذه القدرة ،وعلى هذا من يستحق العبودية وحده هو الله تعالى .

قال السيد الخوئي ؛” إياك ” : في كلا الموردين مفعول قدم على الفعل لإفادة الحصر ، وفي الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب . والسر في ذلك أحد أمرين :

الأول : أن سابق هذه الآية الكريمة قد دل على أن الله سبحانه هو المالك لجميع الموجودات ، والمربي لها والقائم بشؤونها ، وهذا يقتضي أن تكون الأشياء كلها حاضرة لديه تعالى ، وأن يكون – سبحانه – محيطا بالعباد وبأعمالهم ليجازيهم يوم الدين بالطاعة أو بالمعصية ، اقتضى ذلك أن يظهر العبد حضوره بين يدي ربه ويخاطبه .

الثاني : ان حقيقة العبادة خضوع العبد لربه بما أنه ربه والقائم بأمره والربوبية  تقتضي حضور الرب لتربية مربوبه ، وتدبير شؤونه . وكذلك الحال في الاستعانة فإن حاجة الانسان إلى إعانة ربه وعدم استقلاله عنه في عبادته تقتضي حضور المعبود لتتحقق منه الإعانة ،  لهذين الامرين عدل السياق من الغيبة إلى الخطاب فالعبد حاضر بين يدي ربه غير غائب عنه .

وقال بن زهرة : ( وتقديم (إياك ) على (نعبد ) و (نستعين ) لتعظيم الله تعالى بذكره أولا ، ولأن التقديم للاهتمام بالمعبود والمستعان ; وللدلالة على أنه سبحانه وتعالى هو المختص بالعبادة وحده ، وأنه لا يستعان بغيره ، وفي ذلك كمال التوحيد والخضوع له وحده سبحانه وتعالى< ([1]).

المطلب الثاني :  تقديم العبادة على الاستعانة

يمكن القول ان تقديم العبادة على الاستعانة  لان العبادة الغاية التي خلق من اجلها الانسان لذلك قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) والاستعانة هي الوسيلة التي نصل بها الى الغاية فالعبد حتى يصل الى الغاية يحتاج الى الوسيلة والوسيلة هي القوة والقدرة التي يمنحها الله للعبد حتى يعبد الله حق العبادة فهو بلا وسيلة لا يمكن له العبادة .

لذلك قال الزمخشري :> فإن قلت: لم قرنت الاستعانة بالعبادة؟ قلت: ليجمع بين ما يتقرب به العباد إلى ربهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته ، فإن قلت:فلم قدمت العبادة على الاستعانة؟ قلت: لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة ليستوجبوا الإجابة إليها ، فإن قلت: لم أطلقت الاستعانة؟ قلت: ليتناول كل مستعان فيه، والأحسن أن تراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادة < ([2]).

المطلب الثالث : ما العبودية  

هو التسليم لله بكل شيء ، والرضا بالله ، وهذا يكون بالقلب وليس باللسان ،فالله تعالى امر باشياء ونهى عن اشياء ، وقدم اشياء ، واخر اشياء، لأن الله أعلم بالمصلحة والمفسدة، لذلك يجب ان يسلم الانسان بكل شيء ولا يعترض بقلبه ولا بلسانه وعندها يدخل الانسان في دائرة العبودية لله .

قال الرازي : ( أَنَ الْعُبُودِيَّةَ مِفْتَاحُ الْخَيْرَاتِ، وَعُنْوَانُ السَّعَادَاتِ، وَمَطْلَعُ الدَّرَجَاتِ، وَيَنْبُوعُ الْكَرَامَاتِ،  وَكَانَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَقُولُ:>كَفَى بِي فَخْرًا أَنْ أَكُونَ لَكَ عَبْدًا، وَكَفَى بِي شَرَفًا أَنْ تَكُونَ لِي رَبًّا، اللَّهُمَّ إِنِّي وَجَدْتُكَ إِلَهًا كَمَا أَرَدْتَ فَاجْعَلْنِي عَبْدًا كَمَا أَرَدْتَ) ([3]).

المطلب الرابع: كيف السبيل الى العبودية 

يحتاج الانسان الى سنوات طويلة من مجاهدة النفس والهوى والشيطان والدنيا حتى يطهر ويفرغ قلبه مما سوى الله تعالى ويصل الى العبودية ،فقلب الانسان كالبركة النتنة المملوءة من الجراثيم والنفس الانسانية متمردة فحتى يتخلص من الجراثيم التي تمثل الرذائل وحتى تنصاع هذه النفس لا بد للنفس ان يطوعها لذلك ويتمسك بحبل الله تعالى ويعتصم به تعالى ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) ([4]). وكذلك قوله تعالى( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)  ([5]).

المطلب الخامس: ثمرة العبودية

هناك ثمرات كثيرة يحصل عليها الانسان المؤمن العبد وهي تحصيل حاصل وضمن القوانين الالهية وقد وردت هذه الثمار في الاحاديث عن النبي صلى الله عليه واله والائمة الاطهار عليهم السلام ففي الحديث عن النبي ’ لما أسري به : (يا رب ما حال المؤمن عندك ؟ قال : يا محمد ما يتقرب إلي عبد من عبادي بشئ أحب إلي مما افترضت عليه ، وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت إذا سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه  لذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها ، إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته) ([6]).

وعن الإمام الصادق عليه السلام : ( العبودية جوهرة كنهها الربوبية ، فما فقد في العبودية وجد في الربوبية ، وما خفي عن الربوبية أصيب في العبودية)([7]).اختر من الوسوم الأكثر استخداماً

وكذلك روي أن الله تعالى يقول في بعض كتبه :> يا بن آدم ! أنا حي لا أموت ، أطعني فيما أمرتك حتى أجعلك حيا لا تموت ، يا بن آدم ! أنا أقول للشئ : كن فيكون ، أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشئ : كن فيكون) ([8]).

خلاصة القول : وما يحصل للعبد من قبيل ما يحصل للمقربين من الملوك والامراء ،ولكن بفارق ان الذي يتقرب للملوك والامراء بدافع هذه الاشياء المادية ،واما العبد الحقيق لله فهو لا يسعى من اجل هذه الاشياء وان يكون متصرفا في الوجود بل هذه الاشياء هي من ثمار القرب الالهي والعبودية لله تعالى ولا يستعملها الا في رضا الله تعالى واذنه .؟

____________________________

([1]) تفسير الكشاف ، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ،ج1 ،120 ،مكتبة العبيكان ، سنة النشر: 1418 هـ – 1998 م ، رقم الطبعة: الطبعة الأولى .

([2])زهرة التفاسير ، محمد أبو زهرة ،ج1 ، ص64 ، دار الفكر العربي ،

([3]) تفسير الرازي مفاتيح الغيب او التفسير الكبير ، الرازي، فخر الدين ،ج1  ،ص215 .

([4]) سورة ال عمران ، الاية 101 .

([5]) سورة العنكبوت ، 69 .

([6]) ميزان الحكمة ، محمد الريشهري ، ج 3 ، ص2540 ، تحقيق : دار الحديث ، الطبعة : الأولى ، الناشر : دار الحديث .

([7])  ميزان الحكمة ،محمد الريشهري ، ج 3 ، ص1798 ، تحقيق : دار الحديث ، الطبعة : الأولى ، الناشر : دار الحديث .

([8])  ميزان الحكمة ، محمد الريشهري ، ج 3 ، ص1798 ، تحقيق : دار الحديث ، الطبعة : الأولى ، الناشر : دار الحديث .

 1,506 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير وشرح ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(3)

كل الوجود من الذرة الى المجرة مظهر من مظاهر الرحمة الالهية ،فهو الموجد لها وهو الممد لها في بقائها ، يقول الله تعالى ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) وفي دعاء الجوشن (يا من وسعت رحمته كل شيء ) .ويقول الامام علي عليه السلام في دعاء كميل من اجل استنزال الرحمة الالهية (اللهم اني اسالك برحمتك التي وسعت كل شيء ) بل ان الامام عليه السلام يقول ( اللّهم إن لم أكن أهلاً أن أبلغ رحمتك فإنَّ رحمتك أهلٌ أن تبلغني وتسعني لأنها وسعت كلّ شيء»

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *