سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ….) 86 .

تفسير قوله تعالى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ….) 86 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (86)

قال تعالى (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ، وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) سورة البقرة من الاية 194الى195 .

نتعرض في هاتين الايتين الى مطالب عدة

اولا : الاشهر الحرم في الاسلام اربعة

الأشهر الحرم أربعة، ثلاثة منها متتابعة ، وهي ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، وشهر واحد فرد ، وهو رجب ، وانما سميت هذه الأشهر حرما ، لتحريم القتال فيها في الجاهلية والإسلام ، وقد ورد في ذلك ان الرجل كان يلقى قاتل أبيه في هذه الأشهر ، ولا يتعرض له بسوء مع انهم اشداء في الثأر .؟

قال الغزالي : كانت حرب الفجار بالنسبة إلى قريش دفاعا عن قداسة الأشهر الحرم، ومكانة أرض الحرم؛ وهذه الشعائر بقية ممّا احترمه العرب من دين إبراهيم، وكان احترامها مصدر نفع كبير لهم، وضمانا لانتظام مصالحهم، وهدوء عداوتهم؛ كان الرجل يلقى قاتل أبيه خلالها فيحجزه عن إدراك ثأره شعوره بهذه الحرمات، وقد جاء الإسلام بعد فأقرّ هذه المكانة الموروثة([1]) .  

ثانيا: المقابلة بالمثل فطرة انسانية

الله تبارك وتعالى يعطي ويقرر للانسان حق الرد بالمثل (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )وكانما هذا قانون عقلي وفطري موجود في الانسان ولا يريد الله ان يلغي هذه الفطرة من الانسان فلكل فعل رد فعل وهو نوع من الدفاع عن النفس ،وكذلك قرر هذا القانون في اية اخرى فقال تعالى ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) ([2]) ،وهذا بخلاف ما ورد في انجيل لوقا في الديانة المسيحية > من ضربك على خدك فاعرض له الآخر أيضا . ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضا ، ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه …..<([3]) ، فان هذا يقرر مبدأ الخضوع والذل والاستهانة للانسان من الانسان الاخر المعتدي ،نعم قد وردت آيات تدعو الى العفو والصفح والمغفرة كقوله تعالى (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) ([4])وقوله تعالى (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور ) ([5]) ،ولكن هذا ورد عندما يكون العفو والصفح والمغفرة من موقع القوة والاقتدار وتعود بالنفع على الظالم بحيث يستفيق ويرجع الى رشده ويعتذر،ولا يكون العفو والصفح فيه اذلال للانسان المؤمن .

قال الطبرسي : فمن اعتدى عليكم} أي ظلمكم {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} أي فجازوه باعتدائه وقابلوه بمثلـه والثاني ليس باعتداء على الحقيقة ولكن سماه اعتداء لأنه مجازاة اعتداء وجعلـه مثلـه وإن كان ذلك جوراً وهذا عدلاً لأنه مثلـه في الجنس وفي مقدار الاستحقاق ولأنه ضرر كما أن ذاك ضرر فهو مثلـه في الجنس والمقدار والصفة ([6])

ثالثا: معية الله للمتقين

الله محيط بالكون والكون كله بيد الله تبارك وتعالى ، وهو قادر على كل شيء ، فمن كان مع الله كان الله معه في كل المواقف يرعاه بعينه التي لا تنام في دنياه وآخرته ولا يتخلى عنه في كل الشدائد َعنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ” مَا مِنْ مَخْلُوقٍ يَعْتَصِمُ بِمَخْلُوقٍ دُونِي إِلَّا قَطَعْتُ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ وَأَسْبَابَ الْأَرْضِ مِنْ دُونِهِ ، فَإِنْ سَأَلَنِي لَمْ أُعْطِهِ ، وَإِنْ دَعَانِي لَمْ أُجِبْهُ ، وَمَا مِنْ مَخْلُوقٍ يَعْتَصِمُ بِي دُونَ خَلْقِي إِلَّا ضَمَّنْتُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ رِزْقَهُ ، فَإِنْ دَعَانِي أَجَبْتُهُ ، وَإِنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْتُهُ ، وَإِنِ اسْتَغْفَرَنِي غَفَرْتُ لَهُ ) ([7])

رابعا : الانفاق في سبيل الله

سبيل الله كل ما يؤدي الى رضا الله تعالى ويخدم الانسان ، ويقيم اصول القيم والاخلاق والنظام في المجتمع ،فبناء الروضة للاطفال ،والمدرسة والكلية والمؤسسة الفكرية وبناء السكن للايتام ومساعدة الفقراء ودعم المبدعين في المجتمع وطبع الكتاب من اجل ثقافة المجتمع وبناء الانسان ، وكذلك دعم المجاهدين والمقاومين واسرهم وعوائلهم وشراء السلاح لهم بما يقوي عزيمتهم ضد الاعداء ،فكل هذه الموارد وغيرها يمكن ان تدخل في سبيل الله تعالى ورضاه . والانفاق مهم جدا في حركة الحياة وهو ابتلاء عظيم للانسان فليس كل انسان قادرا على الانفاق والعطاء ،فالمال عزيز عند الانسان كما قال تعالى بل تحبون المال حبا جما لذلك الانفاق يحتاج الى قوة القلب حتى يخرج الاموال من يده لكي يعطيها في سبيل الله تعالى ،وقد جاءت ايات وروايات كثيرة في فضل الله الانفاق منها .

عن أبي جعفر (عليه السلام) : ولان أعول أهل بيت من المسلمين أسد جوعتهم وأكسوا عورتهم فأكف وجوههم عن الناس أحب إلي من أن أحج حجة وحجة [وحجة] ومثلها ومثلها حتى بلغ عشرا ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين ([8]) .

عن سولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : مَن أوكى على ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ ، و لَم يُنفِقْهُ في سَبيلِ اللّه ِ، كانَ جَمرا يَومَ القِيامَةِ يُكوى بِهِ([9]) .

  عن عائشة : أنّهُم ذَبَحوا شاةً ، فقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه و آله : ما بَقِيَ ؟ فقالَت : ما بَقِيَ مِنها إلاّ كَتِفُها ، قالَ [ صلى الله عليه و آله ]: بَقِيَ كلُّها غيرَ كَتِفِها ([10]) .

خامسا: حرمة القاء النفس بالتهلكة

عندما ننظر الى سياق الاية المباركة في قوله تعالى ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )كانما الاية توحي بان عدم الانفاق في سبيل الله سوف يؤدي الى تهلكة المجتمع ، لان الانفاق يؤدي الى حالة التوازن الاقتصادي في المجتمع وعدم الانفاق يؤدي الى وجود الطبقية وبالتالي الى موت القيم والاخلاق في المجتمع ، وهناك راي اخر اننا ننظر الى هذا المقطع لوحده بقطع النظر عن سابقه ولاحقه فيكون قوله تعالى ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وهو الحفاظ على النفس ولا يجوز للانسان الاقدام على اي عمل فيه مجازفة للنفس وهلاك للنفس ،وهناك راي ثالث وهو في موضوع قد نستفيده كما اشار اليه المفسرون وهو ان يكون الانفاق حالة متوسطة لا تقتير فيها ولا سراف كما في قوله تعالى « والَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا وكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) ([11]) .

قال الزمخشري : والمعنى: النهي عن ترك الإنفاق في سبيل الله لأنه سبب الهلاك أو عن الإسراف في النفقة حتى يفقر نفسه ويضيع عياله، أو عن الاستقتال والإخطار بالنفس، أو عن ترك الغزو الذي هو تقوية للعدو([12]) .

سادسا : قيمة الاحسان

لقد احسن الله صنع الكون في كل تفاصيله التي خلقها كما قال تعالى (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ ……..) ([13])  لذلك على الانسان ان يحسن في كل تصرفاته وان يتقنها في الفعل والقول سواء في العبادة اوالاخلاق او مع الوالدين اوالاولاد او العيال او الاستفادة من الطبيعة بل كل ما يحيط الانسان في هذه الحياة …………..؟

قال النسفي : وأحسنوا أعمالكم وأخلاقكم، أو تفضلوا على المحاويج. إن الله يحب المحسنين([14])  .

____________________________________________

([1]) فقه السيره للغزالي : محمد الغزالي ،ج 1 ،ص 75 .

([2]) سورة الشورى : الاية 40 .

([3])الكتا المقدس ( العهد الجديد ) ، الكنيسة ، ص 102 ، سنة الطبع : 1980 ، الناشر : دار الكتاب المقدس

([4]) سورة الشورى : الاية 40 .

([5]) سورة الشورى : الاية 43 .

([6])تفسير مجمع البيان (الشيخ الطبرسي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 33

([7])الدر المنثور في التفسير بالماثور (السيوطي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 281 : ميزان الحكمه (محمد محمدی ری شهری) ، الجزء : 13 ، الصفحة : 468

([8]) الكافي- ط الاسلامية المؤلف : الشيخ الكليني    الجزء : 2  صفحة : 195

([9]): ميزان الحكمه المؤلف : محمد محمدی ری شهری    الجزء : 12  صفحة : 387

([10]) ميزان الحكمه : محمد محمدی ری شهری ، ج 12 ، ص 383 .

([11]) سورة الفرقان : الاية 67 .

([12]) تفسير الزمخشري الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (الزمخشري) ، ج 1 ، ص 237 .

([13]) سورة السجدة : الاية 7 .

([14])تفسير البيضاوي انوار التنزيل واسرار التاويل المؤلف : ناصر الدين البيضاوي    الجزء : 1  صفحة : 129

 997 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *