سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ………. )99 .

تفسير قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ………. )99 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (99)

قال تعالى(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ  قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ  وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا  وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) سورة البقرة الاية (217)

نتعرض في هذه الاية الى مطالب عدة

الاول : السائلون عن القتال   

قال الرازي : اختلفوا في أن هذا السائل أكان من المسلمين أو من الكافرين ،  وعلى فرض ان هذا السؤال كان من الكفار : سألوا الرسول عليه الصلاة والسلام عن القتال في الشهر الحرام حتى لو أخبرهم بأنه حلال فتكوا به ، واستحلوا قتاله فيه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ) أي : يسألونك عن قتال في الشهر الحرام (قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ) ولكن الصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام والكفر به أكبر من ذلك القتال (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ ) فبين تعالى أن غرضهم من هذا السؤال أن يقاتلوا المسلمين ، ثم أنزل الله تعالى بعده قوله : (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ  فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ) ([1]).فصرح في هذه الآية بأن القتال على سبيل الدفع جائز([2]).

وقال صاحب الكشاف : بعث رسول الله -صلى الله عليه واله وسلم- عبد الله بن جحش على سرية في جمادى الآخرة قبل قتال بدر بشهرين; ليترصد عيرا لقريش فيها عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها من تجارة الطائف، وكان ذلك أول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة، فقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ويبذعر فيه الناس إلى معايشهم، فوقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العير، وعظم ذلك على أصحاب السرية وقالوا: ما نبرح حتى تنزل توبتنا، ورد رسول الله -صلى الله عليه  واله وسلم- العير والأسارى ،وعن ابن عباس : لما نزلت أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الغنيمة([3]).

الثاني : حرمة القتال في الاشهر الحرم

قبل مجيء الاسلام كان القتال محرما في الأشهر الحرم ، وهي ذو القعدة ، وذو الحجة، والمحرم ، ورجب ، والاسلام العظيم قد اقر هذا النوع من العرف والعادة الجارية في المجتمع العربي ولا مانع من ذلك لان الاسلام ليس دينا ارهابيا بل الاسلام دين الرحمة والخير للناس وعندما يقر الاسلام مثل هذا العرف انما يدعو الاخرين الى الالتزام به التزاما عمليا وليس الالتزامبه من طرف واحد فقط وهم المسلمون ،بل يجب على الجميع الالتزام به

قال ابن الجوزي : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ  قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ  ، كان أهل الجاهلية يعتقدون تحريم القتال في هذه الأشهر ، فأعلمهم الله تعالى في هذه الآية ببقاء التحريم  واختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم: هل هو باق أم نسخ؟ على قولين .أحدهما: أنه باق ، والثاني: أنه منسوخ([4]).

الثالث : المشركون انتهكوا الحرمات فلا حرمة لهم

ان القتال في الاشهر الحرم وان كان محرما ولكن لو نظرنا الى مجموع ما قام به المشركون ضد المسلمين ابتداء ببداية الدعوة الاسلامية من قتل وتهجير وتعذيب للمؤمنين بالاسلام كما فعلوا ببلال ، وصهيب ، وخباب ، وعمار بن ياسر ، وأبيه ، وأمه ، وكذلك صدوا النبي صلى الله عليه واله واصحابه عن زيارة الكعبة المكرمة في السنة السادسة للهجرة ،وكذلك فتنوا المؤمنين عن دينهم واستخدموا كل ادوات الارهاب والفتنة من اجل رجوع من امن بالاسلام عن الاسلام ، ولذلك يقرر الله تبارك وتعالى ان ما فعله المشركون هو اعظم واخطر من القتال في الاشهر الحرم ،فالزمان والمكان لا قيمة له في قبال ضلالهم وانحرافهم وفسادهم وجورهم وصدهم عن سبيل الله تعالى وهذه قاعدة عامة يمكن الاستفادة منها في الامور التي يتعرض لها المؤمنون في كل زمان ومكان .ولذلك قال تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ) .

قال البلاغي : ان ترك القتال في الشهر الحرام إنما هو وسيلة لنوع من احترام الناس وتسكين للشر واما إذا كان الناس هم الهاتكون للحرمات فأولئك لا حرمة لهم ولا كرامة فكيف يستنكر قتال المشركين في الشهر الحرام وهم الطواغيت المحادون للَّه ورسوله والمؤمنين دائما([5]).

الرابع : الارتداد عن الدين

الارتداد عن الدين هو الخروج عن الدين الاسلامي او الكفر بعد الاسلام ، وله اسباب كثيرة ومنها الجهل بالدين ثم بعد ذلك الاسباب الاخرى من المصلحة المادية او الخوف من الاعداء ، وقد قسم الفقهاء الارتداد الى نوعين ( ارتداد فطري ) و ( ارتداد ملي ) .

الارتداد الفطري : وهو الذي ولد على الاسلام من أبوين مسلمين أو من أبوين أحدهما مسلم ويجب قتله وتبين منه زوجته وتعتد عدة الوفاة وتقسم أمواله حال ردته بين ورثته

الارتداد الملي : وهو من أسلم عن كفر ثم ارتد ورجع اليه ، وهذا يستتاب ، فان تاب خلال ثلاثة أيام فهو وإلا قتل في اليوم الرابع . ولا تزول عنه أملاكه وينفسخ العقد بينه وبين زوجته وتعتد عدة المطلقة إذا كانت مدخولا بها([6]).

الخامس: الاجر والثواب البقاء في خط الاستقامة

يحدد الله تعالى من خلال هذه الاية المباركة ان قيمة عمل الانسان امام الله تعالى دينه والدين هو الاسس الفكرية للانسان من اصول الدين والعمل الصالح والا فلا قيمة للانسان اذا خرج عن الدين ،ولذلك الكفر والارتداد يرفع ويلغي كل الاعمال التي قام بها الانسان فيما سبق، فهذه القاعدة شبية بقاعدة الاسلام يجب ما قبله([7]). اي ان الانسان قبل الاسلام لا شيء عليه ،كذلك هذه الاية ترفع وتلغي كل الاعمال الصالحة التي جاء بها الانسان اذا خرج عن الاسلام لذلك قال تعالى ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلـئِكَ أَصْحَابُ النّار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )

 قال الالوسي : ومن يرتدد منكم عن دينه الحق بإضلالهم وإغوائهم أو الخوف من عداوتهم فيمت وهو كافر بأن لم يرجع إلى الإسلام حبطت أعمالهم أي: صارت أعمالهم الحسنة التي عملوها في حالة الإسلام فاسدة بمنزلة ما لم تكن في الدنيا والآخرة لبطلان ما تخيلوه وفوات ما للإسلام من الفوائد في الأولى وسقوط الثواب في الأخرى.وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون  كسائر الكفرة، ولا يغني عنهم إيمانهم السابق على الردة شيئا([8])

 __________________________________

([1]) سورة البقرة : 194 .

([2])  تفسير الرازي (الامام الفخر الرازي) ، الجزء : 6 ، الصفحة : 32

([3]) تفسير الزمخشري الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (الزمخشري) ، ج 1 ، ص 258 .

([4])زاد المسير في علم التفسير (ابن الجوزي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 182

([5]) آلاء الرحمن فى تفسير القرآن (محمد جواد نجفی بلاغی) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 192

([6]) تكملة منهاج الصالحين المؤلف : السيد محمد صادق الروحاني    الجزء : 1  صفحة : 55

([7]) مستمسك العروة الوثقى- ط بيروت (السيد محسن الطباطبائي الحكيم) ، الجزء : 7 ، الصفحة : 51

([8]) تفسير الآلوسي (الآلوسي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 110

 1,053 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *