سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى …….) 129 .

تفسير قوله تعالى(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى …….) 129 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (129)

قال تعالى(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) سورة البقرة من الاية  259  الى 260 .

 نتعرض في هذه الاية الى مطالب

الاول: لا توجد خطوط حمراء في السؤال

الخطوط الحمراء قد يضعها الطغاة الجهلة في الحياة من اجل تجهيل المجتمع وسوق الناس كالعبيد لا يحق لهم السؤال ،والا فلا يوجد مانع من السؤال والاستفهام للبحث والوصول للحقيقة ،فالحقيقة يجب ان يبحث عنها كل انسان يريد الاطمئنان واليقين بخطواته وحركته وحتى لا يسير مثل الاعمى خلف الاخرين ،ولذلك نرى ان الله تعالى لم يقل لابراهيم عليه السلام ان سؤالك خط احمر ولا يجوز لك مثل هذا السؤال بل قال (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) ،فقال ابراهيم عليه السلام ( بَلَى ) نعم اني مؤمن ولكن اريد ان ارى ذلك الاحياء بشكل عملي وواقعي وخارجي وقبل يوم القيامة، ولكي يرى الناس هذه الحقيقة باعينهم في كيفية احياء الموتى فتطمئن نفوسهم وحتى يزول الشك من نفوسهم  ..؟

ثانيا : الفرق بين الايمان عن علم والاطمئنان القلبي

الادلة والبراهين العلمية توجب الايمان العقلي ولكن يبقى في النفس شيء لم يسكن ولم يطمئن وهو عدم رؤية الحقيقة كما هي ،ولذلك فالنفس تتوق وتحب ان ترى الحقيقة كما هي بالعين حتى يطمئن القلب ،وطلب اليقين والاطمئنان لا ينافي الايمان والاعتقاد ،ولكن الاشخاص يختلفون من شخص لاخر كما في امير المؤمنين عليه السلام عندما قال (لو كشف لي اليقين ما ازددت يقينا ) ([1]).  وعلى كل حال طلب الاطمئنان كالشخص عندما يدرس العلوم في قاعات الدرس النظري وبعض الطلاب يؤمن بالنظرية عندما يلقيها الاستاذ بدون ان يطلب مزيدا من الاختبارات الواقعية ولكن بعض الطلاب تتوق نفسه من اجل ان يرى واقع النظرية بام عينه في قاعة المختبر حتى يطمئن قلبه . ولذلك كان طلب ابراهيم عليه السلام من اجل الرؤية والاطمئنان العملي والرؤية اليقينية .

قال البيضاوي : ﴿قالَ أوَلَمْ تُؤْمِن﴾ بِأنِّي قادِرٌ عَلى الإحْياءِ بِإعادَةِ التَّرْكِيبِ والحَياةِ، قالَ لَهُ ذَلِكَ وقَدْ عَلِمَ أنَّهُ أغْرَقَ النّاسَ في الإيمانِ لِيُجِيبَ بِما أجابَ بِهِ فَيَعْلَمُ السّامِعُونَ غَرَضَهُ. ﴿قالَ بَلى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ أيْ بَلى آمَنتُ ولَكِنْ سَألْتُ ذَلِكَ لِأزِيدَ بَصِيرَةً وسُكُونَ قَلْبٍ بِمُضامَّةِ العِيانِ إلى الوَحْيِ أوِ الِاسْتِدْلالِ ([2]).

ثالثا : ابراهيم عليه السلام والبحث عن الحقيقة

لو راجعنا وطالعنا حياة ابراهيم عليه السلام نجد ان حياة ابراهيم عليه السلام فيها الكثير من المحطات العلمية والفلسفية وكلها تشير الى البحث عن الحقيقة من اجل اثباتها بشكل عملي وليس فقط الايمان العقلي ومن اهم القضايا التي اثارها ابراهيم عليه السلام قضية اثبات وجود الله تعالى مع المجتمع الذي يعبد الاصنام والظاهر الطبيعية، قال تعالى {‏فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الأفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ‏} فالافول دليل النقص والكامل لا يأفل ولا يغفل ولا تأخذه سنة ولانوم بل هو قائم على كل نفس ،فمن خلال النقص أدرك الكمال ،لذلك قال (فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ‏) .

وقد نجد الاجابة في موضوع تفسير الاية المباركة من خلال هذه الرواية ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ لَمَّا رَأَى إِبْرَاهِيمُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ الْتَفَتَ فَرَأَى رَجُلًا يَزْنِي فَدَعَا عَلَيْهِ فَمَاتَ ثُمَّ رَأَى آخَرَ فَدَعَا عَلَيْهِ فَمَاتَ حَتَّى رَأَى ثَلَاثَةً فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَمَاتُوا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ يَا إِبْرَاهِيمُ دَعْوَتُكَ مُجَابَةٌ فَلَا تَدْعُ عَلَى عِبَادِي فَإِنِّي لَوْ شِئْتُ لَمْ أَخْلُقْهُمْ إِنِّي خَلَقْتُ خَلْقِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ عَبْداً يَعْبُدُنِي لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئاً فَأُثِيبُهُ وَ عَبْداً يَعْبُدُ غَيْرِي فَلَنْ يَفُوتَنِي وَ عَبْداً يَعْبُدُ غَيْرِي فَأُخْرِجُ مِنْ صُلْبِهِ مَنْ يَعْبُدُنِي ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأَى جِيفَةً عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ بَعْضُهَا فِي الْمَاءِ وَ بَعْضُهَا فِي الْبَرِّ تَجِيءُ سِبَاعُ الْبَحْرِ فَتَأْكُلُ مَا فِي الْمَاءِ ثُمَّ تَرْجِعُ فَيَشْتَمِلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَيَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ تَجِيءُ سِبَاعُ الْبَرِّ فَتَأْكُلُ مِنْهَا فَيَشْتَمِلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ فَيَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضَهَا فَعِنْدَ ذَلِكَ تَعَجَّبَ إِبْرَاهِيمُ مِمَّا رَأَى وَ قَالَ يَا رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى هَذِهِ أُمَمٌ يَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي فَتُحْيِي حَتَّى أَرَى هَذَا كَمَا رَأَيْتُ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَقَطِّعْهُنَّ وَ اخْلِطْهُنَّ كَمَا اخْتَلَطَتْ هَذِهِ الْجِيفَةُ فِي هَذِهِ السِّبَاعِ الَّتِي أَكَلَ بَعْضُهَا بَعْضاً فَاخْلِطْهُنَّ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً فَلَمَّا دَعَاهُنَّ أَجَبْنَهُ وَ كَانَتِ الْجِبَالُ عَشَرَةً قَالَ وَ كَانَتِ الطُّيُورُ الدِّيكَ وَ الْحَمَامَةَ وَ الطَّاوُسَ وَ الْغُرَابَ ([3]).

الرابع : العزة والقدرة لله جميعا

الله تعالى واجب الوجود وكل ما عداه فهو ممكن الوجود وانى الواجب من الممكن فهو تعالى عزيز وغالب على كل الموجودات ولا يغلبه شيء ،وحكيم يعلم بعواقب الامور كلها مبداها ومنتهاها .

 قال الاندلسي : ﴿واعْلَمْ أنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (عَزِيزٌ) لا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ما يُرِيدُ، (حَكِيمٌ) فِيما يُرِيدُ ويُمَثِّلُ، والعِزَّةُ تَتَضَمَّنُ القُدْرَةَ؛ لِأنَّ الغَلَبَةَ تَكُونُ عَنِ العِزَّةِ، وقِيلَ: (عَزِيزٌ) مُنْتَقِمٌ مِمَّنْ يُنْكِرُ بَعْثَ الأمْواتِ، حَكِيمٌ في نَشْرِ العِظامِ الرُّفاتِ ([4]).

_________________________________________________

([1])ميزان الحكمة المؤلف : المحمدي الري شهري، الشيخ محمد    الجزء : 4  صفحة : 3721

([2])  تفسير البيضاوي (انوار التنزيل واسرار التاويل) (البيضاوي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 157

([3])علل الشرائع المؤلف : الشيخ الصدوق    الجزء : 2  صفحة : 586

([4])  البحر المحيط في التفسير المؤلف : أبو حيّان الأندلسي    الجزء : 2  صفحة : 649

 973 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *