سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ……) 131 .

تفسير قوله تعالى(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ……) 131 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد  (131)

قال تعالى(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )سورة البقرة من الاية260 الى(264)

 نتعرض في هذه الايات الى مطالب

الاول: العطاء المقبول هو الذي لا يعقبه المن والاذى

يجب ان يعلم المعطي ان المال الذي بيده هو رزق الله تعالى ، وان حوائج الناس اليه رزق آخر اليه من الله تعالى ،ولذلك فلا يسمح لنفسه ان  يمن على المحتاج او الفقير، ولا يسمح لنفسه ان يؤذي مشاعر الفقير والمحتاج بأي كلمة جارحة تؤدي الى اهانته ،وهؤلاء هم الذين يقبل الله عطائهم ويجازيهم بافضل ما كانوا يعملون ، وهم الذين يعيشون الامن والطمأنينة في الدنيا والاخرة كما قال تعالى : ( وهم من فزع يومئذ آمنون ) ([1]).  وقال : ( لا يحزنهم الفزع الأكبر ) ([2]). ولذلك قال تعالى عنهم  أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .

قال ابن عاشور : فالمَقْصِدُ الشَّرْعِيُّ أنْ يَكُونَ إنْفاقُ المُنْفِقِ في سَبِيلِ اللَّهِ مُرادًا بِهِ نَصْرُ الدِّينِ ولا حَظَّ لِلنَّفْسِ فِيهِ، فَذَلِكَ هو أعْلى دَرَجاتِ الإنْفاقِ وهو المَوْعُودُ عَلَيْهِ بِهَذا الأجْرِ الجَزِيلِ، ودُونَ ذَلِكَ مَراتِبُ كَثِيرَةٌ تَتَفاوَتُ أحْوالُها) ([3]).

ثانيا : كرامة الانسان افضل من العطاء مع المن والاذى

  قال تعالى {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللَّهُ غَنِىٌّ حَلِيمٌ}.في هذه الاية المباركة ،يقول الله تعالى الى هؤلاء الذين يريدون ان يعطوا للناس ولكن مع ذلك يتبعون ما انفقوا المن والاذى ، ان الافضل لكم بدل العطاء والصدقة الكلمة الطيبة لانها سوف تدخل السرور على قلب العبد السائل ،وهذا من اعظم الادب الذي يؤدب الله تعالى به عباده ،فان الله يريد للانسان ان يعيش العزة والكرامة ولا يرضى له بالذل ابدا ،فبعض الناس يتمنى ان يموت جوعا ولا تهدر كرامته من اجل المال والصدقة ، كما قال الشاعر

سأترك ماءكم من غير ورد ** وذاك لكثرة الوراد فيه

إذا سقط الذباب على طعام * * رفعت يدي ونفسي تشتهيه

وتجتنب الأسود ورود ماء * * إذا كان الكلاب ولغن فيه

ويرتجع الكريم خميص بطن * * ولا يرضى مساهمة السفيه([4]).

قال الرازي: ﴿قَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾ خِطابٌ مَعَ المَسْئُولِ بِأنْ يَرُدَّ السّائِلَ بِأحْسَنِ الطُّرُقِ، وقَوْلُهُ: ﴿ومَغْفِرَةٌ﴾ خِطابٌ مَعَ السّائِلِ بِأنْ يَعْذُرَ المَسْئُولَ في ذَلِكَ الرَّدِّ، فَرُبَّما لَمْ يَقْدِرْ عَلى ذَلِكَ الشَّيْءِ في تِلْكَ الحالَةِ، وسَبَبُ هَذا التَّرْجِيحِ أنَّهُ إذا أعْطى، ثُمَّ أتْبَعَ الإعْطاءَ بِالإيذاءِ، فَهُناكَ جَمْعٌ بَيْنَ الإنْفاعِ والإضْرارِ، ورُبَّما لَمْ يَفِ ثَوابُ الإنْفاعِ بِعِقابِ الإضْرارِ، وأمّا القَوْلُ المَعْرُوفُ فَفِيهِ إنْفاعٌ مِن حَيْثُ إنَّهُ يَتَضَمَّنُ إيصالَ السُّرُورِ إلى قَلْبِ المُسْلِمِ ولَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ الإضْرارُ، فَكانَ هَذا خَيْرًا مِنَ الأوَّلِ.ثُمَّ قالَ: ﴿واللَّهُ غَنِيٌّ﴾ عَنْ صَدَقَةِ العِبادِ فَإنَّما أمَرَكم بِها لِيُثِيبَكم عَلَيْها ﴿حَلِيمٌ﴾ إذْ لَمْ يُعَجِّلْ بِالعُقُوبَةِ عَلى مَن يَمُنُّ ويُؤْذِي بِصَدَقَتِهِ([5]).

ثالثا :  المن والاذى يبطل الصدقة

لقد ساوى الله الذي ينفق ماله بالمن والاذى مع الانسان المرائي الذي يعطي المال ولكن ليس لوجه الله ،فكما ان الانسان المرائي لا قيمة لعمله كذلك لا قيمة لعمل الانسان الذي يعطي ولكنه يمن بعطائه ويؤذي الاخرين لذا قال تعالى {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالاَْذى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر} .

ثم جاء الله بمثل وصورة حسية جميلة للانسان الذي يتصدق  ويمن ويؤذي ويرائي بصدقته وعطائه على الاخرين بان هؤلاء قد زرعوا زرعا في الارض الصلبة وليس في الارض الخصبة وما دام كذلك فلا يمكن ان تنتج هذه الارض الثمار ،قال تعالى (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ) أي ان صدقة هؤلاء كالتراب على الحجر الاملس (صفوان ) والذي جاءه المطر فلا بقاء للتراب وانما الذي بقى هو الحجر  وهو لا فائدة منه ،وهؤلاء سوف لن تنفعهم صدقاتهم في الدنيا او الاخرة كما قال تعالى (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ) لانهم افسدوها بالمن والاذى .

ثم قال تعالى( واللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ) وعدم الهداية  بسبب اختيارهم في عالم الدنيا فانهم قد اختاروا طريق الضلال والانحراف والفساد والغرور والرياء والنفاق مع قدرتهم على الاستقامة في عالم الدينا وفي الحديث عن هشام عن الكاظم عليه السلام  : « إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الذين كانوا يعبدون الناس ؟ قوموا خذوا أجوركم ممن عملتم له ، فاني لا أقبل عملا خالطه شيء من الدنيا وأهلها » ([6]).

قال في المحيط: قالَ القاضِي عَبْدُ الجَبّارِ: ذَكَرَ تَعالى لِكَيْفِيَّةِ إبْطالِ الصَّدَقَةِ بِالمَنِّ والأذى مَثَلَيْنِ، فَمَثَّلَهُ أوَّلًا بِمَن يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النّاسِ، وهو مَعَ ذَلِكَ كافِرٌ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ؛ لِأنَّ إبْطالَ نَفَقَةِ هَذا المُرائِي الكافِرِ أظْهَرُ مِن بُطْلانِ أجْرِ صَدَقَةِ مَن يُتْبِعُها بِالمَنِّ والأذى، ثُمَّ مَثَّلَهُ ثانِيًا بِالصَّفْوانِ الَّذِي وقَعَ عَلَيْهِ تُرابٌ وغُبارٌ، ثُمَّ إذا أصابَهُ المَطَرُ القَوِيُّ فَيُزِيلُ ذَلِكَ الغُبارَ عَنْهُ حَتّى يَصِيرَ كَأنَّهُ ما عَلَيْهِ تُرابٌ ولا غُبارٌ أصْلًا، قالَ: فَكَما أنَّ الوابِلَ أزالَ التُّرابَ الَّذِي وقَعَ عَلى الصَّفْوانِ، فَكَذا المَنُّ والأذى يَجِبُ أنْ يَكُونا مُبْطِلَيْنِ لِأجْرِ الإنْفاقِ بَعْدَ حُصُولِهِ، وذَلِكَ صَرِيحُ القَوْلِ في الإحاطَةِ والتَّكْفِيرِ، انْتَهى كَلامُهُ([7]).

الرابع : الشريعة الاسلامية و موقفها  في الاموال

يعتبر المال العنصر الاساسي في حركة وتطور الحياة واستقرار المجتمع فلا يمكن بناء مدرسة او جامعة او رياض الاطفال او مؤسسة او مصنع او مزرعة او عمارة او صنع سلاح لتدافع به الاعداء الا عن طريق الاموال .

ولذلك اولت الشريعة الاسلامية الاهمية القصوى في موضوع الاموال وكيفية التصرف فيه وقد لا تجد شريعة اعطت موضوع الاموال كما اعطته الشريعة الاسلامية  وحتى لا يكون المال دولة بين الاغنياء  كما قال تعالى ( كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ) ([8]).

ولذلك نجد مجموعة من التشريعات في موضوع المال ابتداء من الحفاظ على الاموال

كقوله تعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أمْوالَكم بَيْنَكم بِالباطِلِ﴾([9]). الى تقسيم المال الى واجب كوجوب الخمس والزكاة والمستحب من الصدقات والتبرعات ووجوه البر الى موضوع الارث والى كيفية تقسيم الاموال على المعوزين وهذا كله حتى لا يصبح المال دولة بين الاغنياء من الناس وعندها تحدث الطبقية والفساد في المجتمع ويخسر الجميع .

___________________________________

([1]) سورة النمل : الاية 89 .

([2]) سورة الأنبياء : الاية 103.

([3])التحرير والتنوير (ابن عاشور) ، الجزء : 3 ، الصفحة : 43

([4])المستطرف في كل فن مستطرف المؤلف : الأبشيهي، شهاب الدين    الجزء : 1  صفحة : 55

([5])تفسير الرازي (الرازي، فخر الدين) ، الجزء : 7 ، الصفحة : 53

([6])  مستدرك الوسائل ،  ميرزا حسين النوري الطبرسي ، ج1 ،ص113 .

([7]) البحر المحيط في التفسير (أبو حيّان الأندلسي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 663

([8]) سورة الحشر : الاية 7 .

([9]) سورة النساء: ٢٩ .

 461 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *