سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / علوم القرأن و تأريخه / الفصل الثاني ،البحث الثالث،النزول الدفعي والتدريجي للقرآن

الفصل الثاني ،البحث الثالث،النزول الدفعي والتدريجي للقرآن

الفصل الثاني : البحث الثالث

البحث الثالث : النزول الدفعي والتدريجي للقرآن

المطلب الاول : معنى النزول الدفعي والتدريجي

النزول الدفعي ؛ يعني ان نزول القران جاء دفعة واحدة من قبل الله تعالى الى قلب الخاتم ’ ثم بدأ ’ بتلاوته على الامة والمجتمع في ظرف وجوده وبحسب وقائع المجتمع الاسلامي وما تحتاجه الامة الى يوم وفاته .

والنزول التدريجي ؛ وهو ان القرآن الكريم لم ينزل دفعة واحدة وانما نزل على دفعات على فترة وجود النبي الاكرم ’ في وسط المجتمع الاسلامي وذلك حتى يمكن ملاحظة واقع الامة وما تحتاجه بشكل مباشر وهناك ايات كثيرة تدل على ذلك كمثل قوله تعالى (  قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا  إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ،الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ  إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا  وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) ([1]) .

وكان بين نزول أول القرآن وآخره عشرون أو ثلاث وعشرون أو خمس وعشرون سنة، وهو مبني على الخلاف في مدة إقامة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ بمكة بعد النبوة، فقيل: عشر، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: خمس عشرة، ولم يختلف في مدة إقامته بالمدينة أنها عشر،

المطلب الثاني : اراء العلماء في الدفعي والتدريجي

اختلف العلماء في النزول الدفعي والتدريجي الى اقوال متعددة .

ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي قدس سره، حيث قال :وقوله : إنا أنزلناه في ليلة مباركة ، وقوله : إنا أنزلناه في ليلة القدر ، على إنزال حقيقة الكتاب والكتاب المبين إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دفعة كما أنزل القرآن المفصل على قلبه تدريجا في مدة الدعوة النبوية واما قوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾ ([2]) ، ظاهر في نزوله تدريجاً في مجموع مدّة الدعوة, وهي ثلاث وعشرون سنة تقريباً، والمتواتر من التاريخ يدلّ على ذلك، ولذلك ربما استشكل عليه بالتنافي (مع آيات أخرى يستفاد من مجموعها نزول القرآن في ليلة القدر). والذي يعطيه التدبّر في آيات الكتاب.: أنّ الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إنّما عبّرت عن ذلك بلفظ الإنزال الدالّ على الدفعة دون التنزيل, كقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ…﴾ ([3]) ‌، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَة﴾([4]) ، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾([5]) وبالجملة، فإنّ المتدبّر في الآيات القرآنية لا يجد مناصاً عن الاعتراف بدلالتها على كون هذا القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم تدريجاً متكئاً على حقيقة متعالية عن أن تدركها أبصار عقول العامّة أو تتناولها أيدي الأفكار المتلوّثة بألواث الهوسات وقذارات المادّة، وأنّ تلك الحقيقة أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنزالاً، فعلّمه الله بذلك حقيقة ما عناه بكتابه([6])

ولعل ما ذهب اليه الشيخ مكارم الشيرازي عين ما ذهب اليه السيد الطباطبائي ولكن بعبارة اخرى ،فهو الشيرازي يذهب الى النزول التدريجي للقرآن خلال فترة (23) عاما بعد انزاله على قلب الخاتم ’ جملة واحدة لذلك يقول (يجب الانتباه إلى أننا نقرأ في هذا الآية ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ([7]) .و من جهة أخرى قال تعالى (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ‌ ) ([8]) و من جهة ثالثة نقرأ في سورة القدر ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر)ِ([9]) فيستفاد جيدا من مجموع هذه الآيات أن الليلة المباركة في هذه الآية إشارة إلى ليلة القدر التي هي من ليالي شهر رمضان المبارك. و إضافة إلى ما مر، فإنه يستفاد من آيات عديدة أن النبي ’و سلّم كان عالما بالقرآن قبل نزوله التدريجي، كقوله تعالى(‌ وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‌ إِلَيْكَ وَحْيُهُ‌ ) ([10]). وكذلك قوله تعالى ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) ([11]).

من مجموع هذه الآيات يمكن الاستنتاج أنه كان للقرآن نزولان:

الأوّل: نزوله دفعة واحدة، حيث نزل من اللّه سبحانه على قلب النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم الطاهر في ليلة القدر من شهر رمضان.

و الثّاني: النّزول التدريجي، حيث نزل على مدى (23) سنة بحسب الظروف و الحوادث و الاحتياجات([12]) ‌.

وذهب الزركشي الى القول ان القران نزل الى السماء الدنيا دفعة واحدة ثم بعد ذلك نزل نجوما في مدة الدعوة الى الله فقال ( واختلف في كيفية الإنزال على ثلاثة أقوال :

القول الاول: أنه نزل إلى سماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة ، ثم نزل بعد ذلك منجما في عشرين سنة أو في ثلاث وعشرين ، أو خمس وعشرين ، على حسب الاختلاف في مدة إقامته بمكة بعد النبوة

والقول الثاني : أنه نزل إلى سماء الدنيا في عشرين ليلة قدر من عشرين سنة ، وقيل : في ثلاث وعشرين ليلة قدر من ثلاث وعشرين سنة . وقيل : في خمس وعشرين ليلة قدر من خمس وعشرين سنة ، في كل ليلة ما يقدر سبحانه إنزاله في كل السنة ، ثم ينزل بعد ذلك منجما في جميع السنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والقول الثالث : أنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر ، ثم نزل بعد ذلك منجما في أوقات مختلفة من سائر الأوقات .والقول الأول أشهر وأصح ، وإليه ذهب الأكثرون ; ويؤيده ما رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال : أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة([13]).

وهناك راي اخر للشيخ السبحاني :إنّ القرآن يطلق على الكلّ والجزء ، فمن الممكن أن يكون المراد بنزول القرآن في شهر رمضان هو شروع نزوله في ليلة مباركة وهي ليلة القدر ، فكما يصحّ نسبة النزول إليه في شهر رمضان إذا نزل جملة واحدة ، تصحّ نسبتة إليه إذا نزل أوّل جزء منه في شهر رمضان واستمرّ نزوله في الأشهر القادمة طيلة حياة النبي.

فيقال : نزل القرآن في شهر رمضان أي بدأ نزوله في هذا الشهر ، وله نظائر في العرف ، فلو بدأ فيضان الماء في المسيل يقال جرى السيل في يوم كذا وإن استمرّ جريانه وفيضانه عدّة أيام.

وهذا هو الظاهر من صاحب « المنار » حيث يقول : وأمّا معنى إنزال القرآن في رمضان مع أنّ المعروف باليقين أنّ القرآن نزل منجّماً في مدّة البعثة كلّها ، فهو أنّ إبتداء نزوله كان في رمضان ، ذلك في ليلة منه سمّيت ليلة القدر أي الشرف ، والليلة المباركة كما في آيات اُخرى. وهذا المعنى ظاهر لا إشكال فيه ، على أنّ لفظ القرآن يطلق على هذا الكتاب كلّه ويطلق على بعضه([14]).

المطلب الثالث:غاية واهداف النزول التدريجي

ورد في القران الكريم ما يدل على فوائد نزول القران بشكل تدريجي كما في قوله تعالى

قال تعالى{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً}([15]).‌.

 وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً}([16]).‌.

ومن خلال هذه الايات استفاد العلماء مجموعة من العلل والاسرار والاثار في النزول التدريجي للقران الكريم ومنها

1- تثبت قلب النبي

 تثبيت قلب النبي صلى الله عليه واله وإمداده بأسباب القوة الالهية في مواجهة المحن التي يتعرض لها في حركة الدعوة الى الله أمام حملات المشركين ودسائس المنافقين، فتجديد الوحي يوماً بعد يوم وحالاً بعد حال يمثل لوناً من ألوان الرعاية الإلهية التي تمده بأسباب الثبات والْمُضِيِّ فيما اختاره الله تعالى له .

قال الشيخ السبحاني( ان سبب من أسباب نزول الوحي تدريجاً وهو تثبيت فؤاد النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » ، لأنّه « صلى الله عليه وآله وسلم » مهما كان إنساناً مثالياً ، فهو بحاجة ماسّة إلى إمدادات غيبية من قبل اللّه سبحانه وتعالى في خضمّ الحياة المليئة بالطوارئ ، والحوادث العصيبة ، فاتصاله بعالم الغيب تدريجاً يخلق في روحه نشاطاً دؤوباً للعمل ، يزيح عنها غبار التعب والهموم وبذلك يثبت قلب النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » بصلته بعالم الوحي وهذا الأثر الإيجابي رهن نزول الوحي تدريجاً ، وأمّا نزوله دفعة واحدة وإقفال بابه إلى آخر عمره فهو يخلو عن ذلك الأثر) ([17]).‌.

2- تربية الامة والمجتمع

تربية الامة الاسلامية علما وعملا وسلوكا واخلاقا ،من خلال حفظ القران وفهمه وحتى يمكن لهم العمل به شيئا فشيئا والتخلص من الموروث الذي ورثوه من واقعهم الاجتماعي الجاهلي ،فلا يمكن التخلص من الموروث الجاهلي بشكل دفعي ما لم يتم ذلك من خلال تربية المجتمع التربية الصحيحة على اليد النبي الخاتم ’ ،وكما عند علماء الاخلاق فالتخلية اولا ثم التحلية ثانيا .

3- تثبيت قلوب المؤمنين

كان تثبيت قلب النبي قد ذكره الله فمن الاولى تثبيت قلوب المؤمنين وذلك ان حركة الحياة تحتاج الى الصبر والصمود والعزيمة وبقاء الانسان في خط الايمان والحياة كلها مصائب وبلاءات ومحن ولذلك يحتاج المؤمنون الى ذكر الايات والقصص التي مر بها الانبياء وانصارهم على مر التاريخ وكيف تعاملوا مع هذه البلاءات في الحياة وهذه القصص مما لا شك فيه سوف ترفع من معنوياتهم وتجعلهم يواصلون الطريق والمنهج الحق في طريق الله تعالى .

قال الزرقاني([18]).‌.( تثبيت قلوب المؤمنين وتسليحهم بعزيمة الصبر واليقين بسبب ما كان يقصه القرآن عليهم الفينة بعد الفينة والحين بعد الحين من قصص الأنبياء والمرسلين وما كان لهم ولأتباعهم مع الأعداء والمخالفين وما وعد الله به عباده الصالحين من النصر والأجر والتأييد والتمكين. والآيات في ذلك كثيرة حسبك منها قول العلي الكبير في سورة النور: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}([19]).‌. وقد صدق الله وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}([20]).‌.

4- مواكبة الوقائع في حياة الامة

 مواكبة الاحداث والتطورات في المجتمع الاسلامي سواء اجتماعية او سياسية او اخلاقية او اقتصادية او الامنية ووضع الحلول لها عن طريق الوحي الالهي وكذلك ما يرد من الاسئلة من المؤمنين للنبي ’، ولو طالعنا القران وجدنا الكثير من الايات تشير الى ذلك فقد سألوه عن الخمر والميسر ، وسألوه عن المحيض ، وسألوه عن القتال في الأشهر الحرم ، وسألوه عن الأهلة ، وسألوه عن الساعة ، وسألوه عن الروح ، وسألوه عن الأنفال ، وسألوه عن الجبال ، وسألوه عن ذي القرنين ، وهكذا ، فتصدر الوحي للإجابة الفاصلة ،واستفتوه في النساء ، واستفتوه في الكلالة ، فأفتاهم الوحي عن الله. ووقع الظهار ، والايلاء ، وحادثة الإفك وغنموا في الحرب ، وحصل الزنا ، ونزلت السرقة ، وبدأ القتل العمد والقتل الخطأ ، وهي حوادث متعددة ، وقد نزلت أحكامها المتعددة ، واليك بعض الايات كما في قوله تعالى {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً}([21]) .وقوله تعالى {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}([22]) .وقوله تعالى {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}([23]) . وقوله تعالى (  قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا  إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ،الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ  إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا  وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) ([24]) .وكقوله تعالى(وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) ([25]) وكقوله تعالى( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ([26])

5- التدرج في التشريع

 التدرج في التشريع يتلائم مع الفطرة والعقل لانه يسهل ويخفف على النفس من تحمل التشريعات والعمل بها وبالتالي بناء الفرد والمجتمع بخلاف التشريع الدفعي فانه يصدم النفس بشكل عنيف وقد يهدم البناء المراد تحققه في حياة الانسان على جميع الاصعدة وقد ورد ما يدل على ذلك من خلال بعض الاحاديث الواردة عن النبي ’ فالنبي عندما بعث معاذ الى اليمن دعاه الى العمل معهم باسلوب التدرج وليس اسلوب العملية الدفعية .

و عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا ألا اله الا اللّه، و أن محمدا رسول اللّه. فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن اللّه عز و جل قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم و ليلة.فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن اللّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم.فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم، و اتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها و بين اللّه حجاب» ([27])

وفي البخاري عن عائشة ( إنما نَزَلَ أوَّلَ ما نَزَلَ مِنْهُ سورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ فِيها ذِكْرُ الجَنَّةِ والنَّارِ ، حَتَّى إذا ثابَ الناسُ إلى الإسْلاَمِ نَزَلَ الحَلاَلُ والحَرَامُ ، ولوْ نَزَلَ أوَّلَ شَيْءٍ لا تَشْرَبُوا الخَمْر لَقالُوا : لا تَدَعُ الخَمْرَ أبَدا ، ولَوْ نَزَلَ : لا تَزْنُوا لَقالُوا : لا تَدَعُ الزِّنا أبَدا ) ([28])

قال الصغير([29]).‌.  (وهناك ملحظ جدير بالأهمية في هذا النزول التدريجي ، هو إحكام الأمر ، وإبرام العقد ، وهذا الإحكام وذلك الإبرام يتمثل بعملية صياغة النفوس في إطار جديد ، فهي على قرب عهد من الجاهلية بأعرافها ومفاهيمها وأخطائها ، والنقلة الفورية ليست خطوة عملية في التغيير الاجتماعي الذي أرادته رسالة القرآن ، فمن عزم الأمور ـ إذن ـ أن تستجيب النفوس لهذا التغيير الجذري ، ولكن لا على أساس المفاجأة الخطرة ، التي قد تولد ردة فعل مضادة ، تطوح بكل شيء ، بل تقليص القيم القديمة شيئاً فشيئاً ، وتضييعها جزءاً فجزءاً ، لتتلاشى في نهاية المطاف ، وتختفي عن صرح الاجتماع. وخير دليل على ذلك مسألة تحريم الخمرة ، إذ ارتبطت بالعرب أدبياً واجتماعياً ونفسياً واقتصاديا ، وهي جوانب متعددة ، أباحت هذا الإدمان المستحكم عند العرب ، فلو حرمت دفعة واحدة ، لكفر بهذا التحريم ، ولضاعت فرصة التغيير الاجتماعي ، ولكن الوحي تلبث وترصد وتأنى ، فجاء بالأمر في خطوات متعاقبة شملت بيان المنافع والمضار والمآثم ، وتدرجت إلى النهي عن اقتراب الصلاة وأنتم سكارى ، وانتهت إلى التحريم : ( إنما الخمرُ والميسِرُ والأنصابُ والأزلامُ رجسٌ من عملِ الشَّيطانِ فاجتنبوهُ … ) ([30]) ‌.

6- الرد على ما يعترض الرسالة من الكفار والمشركين

هناك شبه واشكالات تتوارد من الكفار والمشركين على الرسالة والدين وعلى النبي ’ فلذلك لا بد ان تجابه هذه الاشكالات برد سريع من قبل الله تعالى حتى تدحض حجتهم من قبل الله تعالى وبافضل الردود واوجزها واكملها حتى لا يمكن لهم الرد عليها .

قال تعالى {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} .

المطلب الرابع: راي العلماء في  الكتب السابقة 

هنا رايان في الكتب السابقة على الكتاب على العزيز وانها هل نزلت منجمة وبالتدرج ام انها نزلت دفعة واحدة .

الراي الاول : ان الكتب السابقة نزلت جملة واحدة

المشهور بين علماء التفسير ان الكتب الالهية السابقة انها نزلت دفعة واحدة ومن الايات التي يستدل بها قوله تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً}([31]).‌. قال الطبرسي ،( وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة ) معناه : وقال الكفار لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هلا أتيتنا بالقرآن جملة واحدة ، كما أنزلت التوراة والإنجيل والزبور جملة واحدة . قال الله تعالى : ( كذلك ) أي : نزلناه كذلك متفرقا ( لنثبت به فؤادك ) أي : لنقوي به قلبك فتزداد بصيرة ، وذلك أنه إذا كان يأتيه الوحي متجددا في كل حادثة ، وكل أمر ، كان ذلك أقوى لقلبه ، وأزيد في بصيرته([32]).‌.

قال السيوطي :(ما تقدم في كلام هؤلاء من أن سائر الكتب أنزلت جملة هو مشهور في كلام العلماء وعلى ألسنتهم حتى كاد يكون إجماعا وقد رأيت بعض فضلاء العصر أنكر ذلك وقال إنه لا دليل عليه بل الصواب أنها نزلت مفرقة كالقرآن وأقول الصواب الأول ومن الأدلة على ذلك آية الفرقان السابقة) ([33]).‌.

  الراي الثاني : ان الكتب السابقة نزلت متفرقة 

يرى القاسمي وهو من علماء التفسير ان الكتب السابقة نزلت متفرقة وحالها حال الكتاب العزيز ولذلك يقول بعد ان يمر على تفسير قوله تعالى{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً}([34]) :(يذكر المفسرون هاهنا أن الآية رد على الكفرة في طلبهم نزول القرآن جملة، كنزول بقية الكتب جملة. ويرون أن القول بنزول بقية الكتب دفعة، صحيح. فيأخذون لأجله في سرّ مفارقة التنزيل له. والحال أن القول بنزولها دفعة واحدة لا أصل له، وليس عليه أثارة من علم، ولا يصححه عقل. فإن تفريق الوحي وتمديد مدته بديهيّ الثبوت. لمقدار مكث النبيّ. إذ ما دام بين ظهراني قومه، فالوحي يتوارد تنزله ضرورة. ومن راجع التوراة والإنجيل الموجودين، يتجلى له ذلك واضحا لا مرية فيه. وعذر القائل به ظنه أن الآية تعريض بنزول غيره كذلك. وما كل كلام معرّض به.وإنما الآية حكاية لاقتراح خاص، وتعنت متفنن فيه. والله أعلم([35]).

وقال شبر :ولا بد من أن تكون كتب الوحي والدعوة . والتشريع جارية في كمالها على منهاج هذه الحكمة . ومما يشير إلى ذلك :أن التوراة الرائجة تذكر أن نزول التوراة على موسى ( ع ) كان من زمان تكليمه من الشجرة متدرجا بحسب الأزمان . والحوادث والتاريخ . والحكم في التشريع إلى حين وفاته بعد التيه عند عبر الأردن . ومتراخيا في أكثر من أربعين سنة([36]).

____________________________________________________________

([1]) سورة المجادلة ، الاية 1،2 .

([2])سورة الإسراء، الآية: 106.

([3])سورة البقرة، الآية: 185.

([4])  سورة الدخان، الآية: 3.

([5])سورة القدر، الآية: 1.

([6])انظر: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن،  ج2، ص15-18.

([7]) الدخان ، 44 .

([8])  جاء في الآية (185) من سورة البقرة

([9])  سورة القدر : الاية 1 .

([10])  كالآية (114) من سورة طه

([11])  الآية (6) من سورة القيامة

([12])الامثل في تفسير كتاب الله المنزل ، ناصر مكارم شيرازى ،ج 16 ،ص 120 .

([13]) البرهان ،  الزركشي ، ج 1 ، ص228 .

([14]) مفاهيم القرآن ، الشيخ جعفر السبحاني ، ج 7 ،ص 107 .

([15])(الإسراء: 106)

([16])الفرقان : ٣٢.

([17])الفرقان : ٣٢.

([18])مناهل العرفان في علوم القران المؤلف : الزرقاني، محمد عبد العظيم    الجزء : 1  صفحة : 57

([19])الآية 55 من سورة النور

([20]) الانعام ، الاية 45 .

([21]) الاسراء ، 85 .

([22]) البقرة ، 219 .

([23]) البقرة ، الاية 220 .

([24]) سورة المجادلة ، الاية 1،2 .

([25])الآية 83 من سورة النساء

([26])  الآية 11 من سورة النور

([27]) صحيح البخاري ، البخاري ، ج 2 ، ص136 .

([28]) صحيح البخاري ، البخاري ، ج6 ،ص101 .

([29])تأريخ القرآن ، الدكتور محمد حسين علي الصّغير ،ج 1  ،ص 41. المائدة : ٩٠.

([30])  المائدة : ٩٠.

([31])(الفرقان: 32)

([32]) تفسير مجمع البيان ، الطبرسي ،ج7 ، ص295 .

([33])الإتقان في علوم القرآن المؤلف : جلال الدين السيوطي    الجزء : 1  صفحة : 122

([34])(الفرقان: 32)

([35])تفسير القاسمي محاسن التاويل ،القاسمي ،ج 7  ،ص 427 .

([36])  تفسير القرآن الكريم ( تفسير شبر ) ،السيد عبد الله شبر ،هامش ص1آلاء الرحمن في تفسير القرآن المؤلف : محمد جواد البلاغي النجفي ، ج 1، هامش ص17.

 3,183 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

البحث الثاني : تكملة البحث شبهات المستشرقين على الوحي ج5

 البحث الثاني :شبهات المستشرقين على الوحي الجزء (5) 2- الوحي نتيجة الامراض النفسية  ادعى بعض المستشرقين ...

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *