سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا .. الى أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ )(7)

تفسير قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا .. الى أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ )(7)

 في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (7)

قال تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ،وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ ،اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ،أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) سورة البقرة الاية من 13 الى 16

نتعرض في هذه الايات الى عدة مطالب

اولا : نظرة المنافقين الى المؤمنين

المنافقون دائما ينظرون الى المؤمنين نظرة استهزاء واستصغار واستحقار وعدم احترام لهم  وذلك انهم يعتبرونهم سفهاء لانهم امنوا برسالة السماء وامنوا بالنبي الاكرم صلى الله عليه واله ،وهذا واقع حال المؤمن في كل زمان ونظرة المنافقين له فالمؤمن الحقيقي وليس المزيف المتلبس بلباس الدين مقيد بقيود الشريعة ولذلك فهو يجاهد نفسه من اجل ان لا يقع فريسة الى الشيطان او هوى النفس وبالتالي يمتنع عن كثير من الامور بخلاف المنافق وغير الملتزم دينيا فلا شيء يمنعه عن معصية الله تعالى ومزاحمة الصالحين في مواقع الحياة وذلك لانه يستخدم كل وسائل الخداع والحيلة للوصول الى ذلك .؟

وهذا المنطق هو نفس منطق الكفار عندما قالوا الى نوح عليه السلام (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ) ([1]).ولكن الفارق ان الكافر معاند للحق ولا يسلم له حتى على مستوى اللسان ،ولكن المنافق دخل في دائرة الاسلام لغايات منها جبنه وخوفه وحتى يعيش في ظل الاسلام .

قال الطبرسي : المعنى : المراد بالآية : وإذا قيل للمنافقين صدقوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وما أنزل عليه ، كما صدقه أصحابه . وقيل : كما صدق عبد الله بن سلام ، ومن آمن معه من اليهود ، قالوا أنصدق كما صدق الجهال) ([2]) .

ثانيا : المنافق يعيش الجهل المركب

افضل مثل ينطبق على المنافقين المثل العربي الشهير (رَمَتْنِي بِدَائِهَا وانْسَلَّتْ) ([3]) .فالمنافقون في الحقيقة هم السفهاء لانهم لم يقدروا الله حق قدره ولم يقدروا الرسالات الالهية والانبياء عليهم السلام الذين جاءوا برسالات الله وفيها النظام الكامل لحياة الانسان الكريمة وتركوا عقولهم وتمسكوا بعرض الحياة الدنيا وباعوا اخرتهم من اجل الدنيا الدنية.ولو كانت عقولهم سليمة لما فعلوا ذلك وفي الحديث الشريف عن أحمد بن إدريس ،رفعه الى أبي عبد الله عليه‌السلام قال( قلت له ما العقل ، قال ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان ) ([4])

 ولذلك وصفهم الله بالجهل وعدم العلم والمعرفة .وهذا الجهل الذي يعيشونه هو الجهل المركب وليس البسيط ([5]) .

قال الشيخ البلاغي : انما ذهبوا الى الجهل المركب ( لكِنْ‌ لأجل تماديهم في الغي‌لا يَعْلَمُونَ‌ بما يكون العلم به فضيلة للإنسان و وسيلة لسلامته من خسة السفاهة الموبقة) ([6]) .

ثالثا : المنافق شخصية ازدواجية

المنافق شخصية ازدواجية بين واقعه النفاقي وخلوته مع المنافقين امثاله والكفار الذين لا يؤمنون برسالة السماء ، وبين حياته في واقع الامة والذي لا يؤمن به ،وهؤلاء في الحقيقة يتصورون ان خداعهم ومكرهم قوة وبراعة ودهاء ولكن في حقيقته خسة ونذالة وجبن فلو كان اقوياء لما فعلوا هذا الفعل وهو اظهارهم الايمان وابطانهم الكفر وحياة الازدواجية التي يعيشونها،فالاقوياء يعيشون الوضوح ولا يتلبسون بلباس غيرهم والمنافق دائما يلبس لباس غيره في الحياة فيضطر ان يلبس لباس غيره في كل اوقاته .

قال الفيض الكاشاني : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا : بيان لمعاملتهم مع المؤمنين والكفار

بعد بيان مذهبهم وتمهيد نفاقهم فإنهم كانوا يظهرون الايمان لسلمان وأبي ذر ومقداد وعمار وإذا خلوا إلى شياطينهم أخدانهم من المنافقين المشاركين لهم في تكذيب الرسول قالوا إنا معكم أي في الدين والاعتقاد كما كنا إنما نحن مستهزؤن بالمؤمنين ([7]) .

 رابعا : الله يستهزء بالمنافقين

صورة مؤلمة وشديدة ومرعبة يرسمها الله تعالى للمنافقين الذين يستهزءون بالمؤمنين وهو ان الله تعالى يستهزء بهؤلاء المنافقين وما اتعس واسوا من يستهزء به الله تعالى في الدنيا والاخرة فاما في الدنيا فهم مستدرجون وفيكل يوم يزدادون ضلالا وانحرافا وفسادا واما في عالم الاخرة فلسان حالهم يقولون الى المؤمنين الذين كانوا يستهزءون بهم (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) ([8]) .

 قال الطبرسي : معنى استهزاء الله تعالى بهم إنزال الهوان والحقارة بهم ، أو إجراء أحكام المسلمين عليهم عاجلا وقد أعد لهم أليم العقاب آجلا ، ويمدهم ، يمنعهم ألطافه التي يمنحها المؤمنين ويخذلهم بسبب كفرهم ، فتبقى قلوبهم يتزايد الرين والظلمة فيها كما يتزايد الانشراح والنور في قلوب المؤمنين والطغيان : الغلو في الكفر ومجاوزة الحد في العتو ، وفي إضافة الطغيان  إليهم ما يدل على أن الطغيان والتمادي في الضلال مما اقترفته نفوسهم ، والعمه مثل العمى إلا أن العمة في الرأي خاصة ، وهو التحير والتردد ، لا يدري أين يتوجه) ([9]) .

خامسا : المنافق خسر التجارة مع الله

المنافقون قد عطلوا فطرتهم وعقولهم وكانوا يستطيعون الهداية وكانت الهداية بين ايديهم بفضل وجود الانبياء عليهم السلام الذين بعثهم الله تعالى (لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ) ([10]).ولكنهم اشتروا الضلالة بالهدى وفضل الضلال والانحراف والجهل على الايمان والعلم والمعرفة وعبادة الله تعالى وقربه ولذلك قال عنهم تبارك وتعالى «أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى، فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ» .

قال الزمخشري : فإن قلت: فما معنى قوله (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) . قلت: معناه أنّ الذي يطلبه التجار في متصرفاتهم شيئان: سلامة رأس المال، والربح. وهؤلاء قد أضاعوا الطلبتين معاً، لأن رأس ما لهم كان هو الهدى، فلم يبق لهم مع الضلالة. وحين لم يبق في أيديهم إلا الضلالة، لم يوصفوا بإصابة الربح. وإن ظفروا بما ظفروا به من الأغراض الدنيوية لأن الضال خاسر دامر، ولأنه لا يقال لمن لم يسلم له رأس ماله: قد ربح، وما كانوا مهتدين لطرق التجارة كما يكون التجار المتصرفون العالمون بما يربح فيه ويخسر.([11]) .

___________________________________________

([1])سورة الشعراء ،الآية 111 .

([2]) تفسير مجمع البيان ، الشيخ الطبرسي ، ج1 ، ص106 .

([3])وهو مثل يُضرب لمن يُعَيِّر صاحبهُ بعيبٍ هو فيهِ فيُلقي عيبهَ على الناسِ ويتهمهم به ، ويُخرجُ نفسَه من الموضوع، وقصة المثل ، أن سعد ابن زيد مناة كان تزوج رهم بنت الخزرج بن تيم الله بن رفيدة بن كلب ابن وبرة ، وكانت من أجمل النساء، فولدت له مالك بن سعد وكانت ضرائرها إذا ساببنها يقلن لها : يا عفلاء. فقالت لها أمها : إذا ساببنك فأبدئيهن بعفال سبيت. فأرسلتها مثلاً.فسابّتها بعد ذلك امرأة من ضرائرها فقالت لها رهم: يا عفلاء.فقالت ضرتها: رمتني بدائها وانسلت .

([4])مرآة العقول المؤلف : الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي    الجزء : 1  صفحة : 32

([5])(الجهل البسيط) أن يجهل الإنسان شيئاً وهو ملتفت إلى جهله ،فيعلم أنه لا يعلم ، كجهلنا بوجود السكان في المريخ ، فإنا نجهل ذلك ونعلم بجهلنا فليس لنا إلا جهل واحد. (الجهل المركب) أن يجهل شيئا وهو غير ملتفت إلى أنه جاهل به بل يعتقد أنه من أهل العلم به ، فلا يعلم أنه لا يعلم ، كأهل الاعتقادات الفاسدة الذين يحسبون أنهم عالمون بالحقائق ، وهم جاهلون بها في الواقع. ويسمون هذا مركبا لأنه يتركب من جهلين : الجهل بالواقع والجهل بهذا الجهل. وهو أقبح وأهجن القسمين.انظر ،المنطق : الشيخ محمّد رضا المظفّر ، ج ، ص 19.

([6]) آلاء الرحمن فى تفسير القرآن ، محمد جواد نجفی بلاغی ، ج1 ، ص 71 .

([7]) التفسير الصافي ، الفيض الكاشاني ،ج 1 ، ص97 .

([8]) سورة الحديد ن الاية 13.

([9]) تفسير جوامع الجامع ، الشيخ الطبرسي ، ج 1 ،ص76 .

([10]) نهج البلاغة ، خطب الإمام علي ( ع ) ، ج1 ، ص23 .

([11])تفسير الزمخشري الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ، الزمخشري ، ج1 ،ص 72.

 611 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *