سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ ……) 61 .

تفسير قوله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ ……) 61 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (61)

قال تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ، وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ )  سورة البقرة الاية من 144 145 .

نتعرض في هاتين الايتين الى مطالب

الاول: الخصائص التي تتمتع بها مكة عن بقة الاماكن

1- انها اول بيت بناه الله في الارض لهداية الناس  قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}([1]).

2- جعلها الله حرما آمنا فلا يسفك فيه الدم كما قال تعالى: {… وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا …} ([2]).  وقال تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا …} ([3]).

3- ان من همَّ فيه بالسوء –وإن لم يفعله- يذقه الله العذاب الأليم، كما قال تعالى: {… وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}([4]).  فمجرد إرادة الظلم والإلحاد في الحرم موجب للعذاب الاليم .

4- ان الله تعالى أضافه إلى نفسه وعهد إلى خليله إبراهيم وابنه إسماعيل-عليهما السلام- بتطهيره فقال تعالى: {… وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}([5]).  وقال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}([6]).

5- تعهد الله وتكفل بحفظ مكة بلده الحرام، فما قصدها ظالم إلا قسمه، وما عدى عليها عاد إلا أخزاه كما وقع لأبرهة الحبشي فقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}([7]).

6- كونها أحب البقاع إلى الله تعالى: فعن عبد الله بن عدي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته واقفاً بالحزْوَرَة يقول: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت) ([8]).

7-  مضاعفة الحسنات فيها: لا سيما الصلوات، لقول النبي صلى الله عليه واله وسلم: (صلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، وصلاة في مسجدي ألف صلاة، وفي بيت المقدس خمسمائة صلاة ) ([9]).وعن الباقر (عليه السلام): صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في غيره من المساجد([10]).  ومضاعفة الحسنات فيها مبنيّ على حرمتها ومكانتها عند الله كما قرر ذلك كثير من العلماء.

8 –  كونها مظنّة إجابة الدعاء فيها: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الحجاج والعمار وفد الله ، إن دعوه أجابهم ، وإن استغفروه غفر لهم ) ([11]).

9- اختصاص تلك البلدة بانجذاب القلوب إليها: ومحبة الخلق لها ، استجابة لدعوة أبينا إبراهيم عليه السلام: { رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ  ) ([12]).

الثاني : دعاء النبي صلى الله عليه بتغيير القبلة 

بعد ما عرفنا الخصائص التي تتمتع بها مكة وبيت الله الحرام كان النبي صلى الله يتوق الى هذا البيت العظيم والذي يتمتع بالخصائص والمميزات الكبيرة والعظيمة ثم مكة ولادة النبي ’ والمكان الذي عاش فيه النبي طيلة حياته المباركة وهو المكان الذي ولد فيه امير المؤمنين عليه السلام ،لذلك كان النبي يترقب السماء ساعة بعد ساعة ويدعو ان تتغير القبلة الى جهة الكعبة ، فجاء امر السماء بتغيير القبلة فقال تعالى ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ )

روي عن الإمام جعفر الصادق ( ع ) انه قال : تحولت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلى النبي’بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس ، وبعد مهاجرته إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس سبعة أشهر ، ثم وجهه اللَّه إلى الكعبة ، وذلك ان اليهود كانوا يعيرون رسول اللَّه ( ص ) ، ويقولون له :أنت تابع لنا ، تصلي إلى قبلتنا ، فاغتم رسول اللَّه ( ص ) من ذلك غما شديدا ، وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ، ينتظر من اللَّه تعالى أمرا في ذلك ، فلما أصبح وحضر وقت الظهر كان في مسجد بني سالم ، وصلى فيه من الظهر ركعتين ، فنزل عليه جبريل ( ع ) فأخذ بعضديه ، وحوله إلى الكعبة ، وأنزل عليه : ( قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) فصلى ركعتين إلى بيت المقدس ، وركعتين إلى الكعبة » ([13]).

الثالث : تغيير القبلة حق

عندما تغيرت القبلة من جهة بيت المقدس الى بيت الله الحرام هذا حق يعرفه اهل الكتاب وذلك لان اهل الكتاب يعرفون ان النبي ’ هو النبي الحق وكل ما يفعله لا يمكن الا بامر الله تعالى .

قال القرطبي : قوله تعالى : وإن الذين أوتوا الكتاب يريد اليهود والنصارى ليعلمون أنه الحق من ربهم يعني تحويل القبلة من بيت المقدس . فإن قيل : كيف يعلمون ذلك وليس من دينهم ولا في كتابهم ؟ قيل عنه جوابان : أحدهما : أنهم لما علموا من كتابهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي علموا أنه لا يقول إلا الحق ولا يأمر إلا به . الثاني : أنهم علموا من دينهم جواز النسخ وإن جحده بعضهم ، فصاروا عالمين بجواز القبلة ([14]).

الرابع : استكبار اهل الكتاب عن اتباع النبي صلى الله عليه واله

لعل هناك طبيعة بشرية عند الكثير من الناس وهو صعوبة اتباع الاخرين ولو كان الاخرون يمثلون الحق والهدى والطريق الصحيح عندما يكون الانسان قد اتبع عقيدة اخرى في حياته بحيث اصبحت هذه العقيدة جزء من وجوده وكيانه ولا سيما اذا جاءت هذه العقيدة عن جهل وتقليد واتباع للاباء والاجداد والا فالانسان السوي العاقل يجب ان يحرك عقله في الاتجاه الصحيح اينما كان الاتجاه الصحيح ،فكيف اذا كانت هذه العقيدة لها اتباع واموال ومناصب فيكون الامر في ادق الصعوبة في تغيير العقيدة ،ولذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله لكي يواسيه ان هؤلاء مع معرفتهم بالحق الذي انت عليه ولكنهم لا يتبعون الحق الذي انت عليه لانهم اغلقوا على انفسهم كل طرق الهداية وقد اقنعوا انفسهم في الباطل الذي هم عليه وبالتالي كل الجهود التي تصرفها عليهم لا تنفع ولا تفيد فالموضوع ليس هو اثبات الادلة والحجج والبينات لكي يتبعوا الدين الحق والاسلام والقبلة وانما هؤلاء اغلقوا على انفسهم باب الهداية الى الله لوجود المصالح والجهل والحمق واتباع الاباء والاجداد والاستكبار والعناد وكل ما يكون سببا في انغلاقهم على الرسالة الاسلامية الخاتمة .وعلى هذا فكل جماعة لهم قبلة فلا انت سوف تتبع قبلتهم ولا بعضهم سوف يتبع قبلة بعض ……

الخامس : لا يمكن للنبي ان يتبع اهل الكتاب

قال تعالى (ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) هذا الخطاب وان كان الى النبي صلى الله عليه واله ولكن هذا الخطاب للامة والمجتمع الاسلامي و(من باب اياك اعني واسمعي يا جاره) فهو للمسلمين بان لا يتبعوا اهواء اهل الكتاب من اليهود والسقوط في فخهم والا فالنبي صلى الله عليه واله لا يمكن ان يتبع اهواء اهل الكتاب وافكارهم بعد عصمته ومعرفته للحق الذي هو عليه .

قال الماوردي : إنك إذا لمن الظالمين وليس يجوز أن يفعل النبي ما يصير به ظالما. وفي هذا الخطاب وجهان: أحدهما: أن هذه صفة تنتفي عن النبي، وإنما أراد بذلك بيان حكمها لو كانت. والوجه الثاني: أن هذا خطاب للنبي والمراد به أمته([15]).

________________________________________

([1])سورة آل عمران: الاية 96 .

([2])(آل عمران: 97).

([3])(البقرة: 125}

([4])(الحج: 25).

([5])(البقرة: 125)

([6])(الحج: 26).

([7])(الفيل: 1:5).

([8])تفسير ابن كثير ط العلميه (ابن كثير) ، الجزء : 9 ، الصفحة : 179

([9])الحج والعمرة في الكتاب والسنة المؤلف : محمد الريشهري    الجزء : 1  صفحة : 71

([10])الحج والعمرة في الكتاب والسنة المؤلف : محمد الريشهري    الجزء : 1  صفحة : 71

([11])الدر المنثور في التفسير بالماثور (السيوطي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 507

([12]) سورة إبراهيم: الاية 37 .

([13])تفسير مجمع البيان (الشيخ الطبرسي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 414

([14])تفسير القرطبي (القرطبي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 161

([15])تفسير الماوردي النكت والعيون (الماوردي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 204

 802 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *