سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ……) 64 .

تفسير قوله تعالى( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ……) 64 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (64)

قال تعالى( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ) سورة البقرة الاية 152

نتعرض في هذه الاية المباركة الى مطالب عدة

الاول : فلسفة الذكر  

 ان كان البدن بقائه وديمومته بالطعام فان الروح لا دوام لها ولا  دواء لها الا الذكر فبذكر الله تنتعش الروح وتسمو وتحلق في عالم المعاني ويبصر الملكوت وبذكر الله يحيى القلب والعقل وتزول المتاعب والاوجاع وتنزل الرحمة والغيث الالهي .

قال عارف ؛

  ذكرتك لا أني نسيتك لمحة * وأيسر ما في الذكر ذكر لساني

وكنت بلا وجد أموت من الهوى * وهام علي القلب بالخفقان

فلما أراني الوجد أنك حاضري * شهدتك موجودا بكل مكان

فخاطبت موجودا بغير تكلم * ولاحظت معلوما بغير عيان([1]).

الثاني : فضل الذكر في الروايات

الانبياء عليهم السلام والاولياء واصحاب المعرفة هم اكثر الناس معرفة بفضل الذكر وآثاره وفوائده ، واليك بعض من الروايات التي ذكرت فضل الذكر

عن النبي صلى الله عليه واله : ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم أرفعها في درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من الدينار والدرهم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم؟ فقالوا: بلى، فقال: ذكر الله عز وجل كثيرا ) ([2]).

وفي الحديث القدسيّ: ( أيّما عبد اطلعت على قلبه، فرأيت الغالب عليه التّمسّك بذِكْرِي توليت سياسته، وكنت جليسه، ومحادثه، وأنيسه ) ([3]).

وقال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله يقول: من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي من يسألني ) ([4]).

الثالث : مراتب الذكر والشكر

للذكر مراتب كما ان للشكر مراتب وسوف نتعرض الى الشكر في المستقبل بشكل تفصيلي واما مراتب الذكر فهي

1- الذكر اللفظي ،أي اشتغال هذه اللحمة وهو اللسان بتحريكه بذكر الله عز وجل، وهو عطاءٌ من الله، أن يلهمك التوفيق لذكره وأن تـشغل لسانك بذكره كما ورد في الدعاء (واجعل لساني بذكرك لهجا) ([5]).

2- الذكر القلبي ،الذكر القلبي له صور كثيرة منها ان تتامل وتتدبر وتتفكر في الوجود فترى ما صنع وابدع الله في الوجود والعالم ومنها ان يحضر الله في قلب العبد حتى يهيم العبد بحب الله تعالى(وقلبي بحبك متيما ) ([6]).  وكما قال الامام السجاد عليه السلام (الهي ما الذ خواطر الالهام بذكرك على القلوب ) ([7]).

3- الذكر العملي ، وهو ان يتحول العبد الى خليفة الله وصورته في الارض من العمل باحكامه وقوانينه وانظمته التي فيها سعادة الانسان في الدنيا والاخرة وكذلك الاتيان بكل ما هو جميل من الاحسان والشفقة والرحمة والعفو وقضاء حوائج الناس ومعونة المظلومين،والابتعاد عن كل ما هو قبيح وكذلك هؤلاء هم الذين يرجون لقاء الله تعالى وعندهم الاستعداد التام والكامل الى لقاء الله تعالى .كما قال تعالى ( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ([8]).

قال القرطبي : (ومعنى الآية : اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة ، قاله سعيد بن جبير . وقال أيضا : الذكر طاعة الله ، فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أطاع الله فقد ذكر الله وإن أقل صلاته وصومه وصنيعه للخير ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثر صلاته وصومه وصنيعه للخير([9]).

الرابع: اثار الذكر على الانسان

للذكر طاقة ايجابية عظيمة لا يمكن وصفها على الانسان ولكن بشكل عام فهو يحي القلب والروح والنفس ويبقي الانسان في تواصل مع الله تعالى ، ولكن بشرط الاستمرار بالذكر ، وكذلك الاستعمال الصحيح للذكر، فالاذكار عامة وخاصة ،والذكر كالدواء ،فليس كل ذكر يمكن ان يفيد الناس ،بل كل ذكر له خواص تختلف في طبيعتها باختلاف الاشخاص والازمان ،لذلك يقول الامام علي في ذكر اثار الذكر ؟

1- ( إن الله سبحانه ، جعل الذكر جلاء للقلوب، تسمع به بعد الوقرة ، وتبصر به بعد العشوة ، وتنقاد به بعد المعاندة ) ([10]).

2- وقال عليه السلام ( مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح ) ([11]).

3- وقال عليه السلام (اذكروا الله ذكرا خالصا تحيوا به أفضل الحياة ، وتسلكوا به طرق النجاة([12]).

وقال عليه السلام ( ذكر الله قوت النفوس ومجالسة المحبوب ) ([13]).

الخامس : فلسفة الشكر الالهي  

توارد النعم ؛كخلق الانسان ووجوده في عالم الدنيا، وبعث الانبياء عليهم السلام من اجل هدايته لكماله اللائق به ،وتوفير كل ما يحتاج اليه الانسان من نعم مادية ومعنوية ظاهرة وباطنة ،كما قال تعالى(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) ([14]). وقال تعالى (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ  إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ([15]).  وقال تعالى( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ  وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) ([16]). كل ذلك يستلزم من العاقل والعبد والانسان الشكر له تعالى .

يقول سيد الساجدين عليه السلام: “فكيف لي بتحصيل الشكر، وشُكري إيّاك يفتقر إلى شكر؟! فكلّما قلت: لك الحمد وجب عليّ لذلك أن أقول: لك الحمد” ([17]). وهذا ما أسماه أمير المؤمنين عليه السلام شكر الشكر في قوله: “من شكر الله سبحانه وجب عليه شُكر ثانٍ، إذ وفّقه لشكره، وهو شُكر الشكر”([18]).

قال الإمام الصادق عليه السلام: “أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام: يا موسى اشكرني حقّ شكري.  فقال عليه السلام: “يا ربّ كيف أشكرك حقّ شكرك، وليس من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به عليّ”؟! فقال (عزَّ وجلَّ): يا موسى شكرتني حقّ شكري حين علمت أنّ ذلك منّي”([19]).

وعنه عليه السلام: “من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدّى شكرها”([20])

“تمام الشكر اعتراف لسان السرّ خاضعاً لله تعالى بالعجز عن بلوغ أدنى شكره، لأنّ التوفيق للشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليها””([21])

هذا كلّه في جانب المعرفة القلبية، أمّا في جانب الممارسة العملية لكي يكون العبد شكوراً لله تعالى، ولكي لا يُبتلى ببلاء النفاق، فإنّه لا بدَّ أن يترجم شكره عملياً ويظهره في سلوكه من خلال تجنّب محارم الله، وعدم اقتراف المعاصي والذنوب، قال الإمام علي عليه السلام: “شُكر المؤمن يظهر في عمله، وشُكر المنافق لا يتجاوز لسانه”([22])

وعنه عليه السلام: “شُكر كلِّ نعمة الورع عن محارم الله”([23]).

قال السمرقندي :قال تعالى  (واشكروا لي ولا تكفرون) * يعني اشكروا نعمتي التي أرسلت فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ولا تجحدوا هذه النعمة ويقال النعمة في الحقيقة هي العلم وما سوى ذلك فهو تحويل من راحة إلى راحة وليس الطعام بنعمة لأن الطعام إذا أكله الإنسان فبعد ساعة يطلب منه الفرج والثوب الحسن ربما يمل منه إذا كان يؤذيه الحر أو البرد والعلم لا يمل منه صاحبه بل ربما يطلب له الزيادة فأمر الله تعالى بشكر هذه النعمة التي بعث رسولا ليعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون([24]).

__________________________________________________

([1]) تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي ، ج14 ، ص392 .

([2])  وسائل الشيعة ط-آل البيت (العلامة الشيخ حرّ العاملي) ، الجزء : 7 ، الصفحة : 156

([3]) ميزان الحكمة (محمدي الريشهري) ، ج2 ، ص969 ،إحياء علوم الدين (محمد بن محمد غزالي) ، ج 8 ، ص 46

([4])فلاح السائل و نجاح المسائل المؤلف : السید ابن طاووس    الجزء : 1  صفحة : 32

([5])  المفاتيح الجديدة (ناصر مكارم شيرازى) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 72

([6])المفاتيح الجديدة (ناصر مكارم شيرازى) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 72

([7])المفاتيح الجديدة (ناصر مكارم شيرازى) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 57

([8]) سورة الكهف : الاية 110 .

([9])   تفسير القرطبي (القرطبي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 171

([10])نهج البلاغة ، خطب الإمام علي ( ع ) ( تحقيق صالح ) ، ص342 .

([11])عيون الحكم و المواعظ (علي بن محمد الليثی الواسطی) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 487

([12]) نَهجُ الذِّكر (محمد الریشهری) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 93

([13])  ميزان الحكمة (محمدي الريشهري) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 969

([14]) سورة لقمان : الاية 20 .

([15]) الجاثية : الاية 13 .

([16]) سورة ابراهيم : الاية 34 .

([17]) بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج91، ص 146.

([18]) ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص 1487، ح 1.

([19]) قصص الأنبياء للراوندي، ص 164، ح 178.

([20]) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 96، ح 15.

([21]) بحار الأنوار، للعلّامة المجسليّ، ج 68، ص 52، ح 77.

([22])  ميزان الحكمة، الريشهري، ج 2، ص 1488، ح 2.

([23]) مشكاة الأنوار، علي الطبرسي، ص 77.

([24])تفسير السمرقندي المؤلف : أبو الليث السمرقندي    الجزء : 1  صفحة : 130

 1,986 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *