سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ …..)90 .

تفسير قوله تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ …..)90 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (90)

قال تعالى (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ، أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ،وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) سورة البقرة من الاية 200 الى 203 .

نتعرض في هذه الايات الى مطالب عدة

اولا : الانسان  وحبه بالتفاخر بمجد الاباء

هناك حقيقة يجب ان نعترف بها وهو ان طبيعة الانسان يحب الافتخار بما فعله الاباء والاجداد من حضارة وعمارة واعمال وافعال ووقائع وحروب وكرم وضيافة وما شابه ذلك مما يفتخر به الانسان على الافراد او المجتمعات الاخرى فلا يذكرون الله تعالى . وهذا ما نشاهده اليوم من تفاخر كل امة ومجتمع وبلد بما فعله الاباء او الحضارات التي سبقته وعاشت في ارضه ؟

 ققال الطوسي :وقوله : ” كذكركم آباءكم ” معناه ما روي عن أبي جعفر ” ع ” أنهم كانوا يجتمعون ، يتفاخرون بالاباء ، وبمآثرهم ، ويبالغون فيه  ([1])

الثاني : ذكر الله يجب ان يبقى يتجسد في حياة الانسان

الله تبارك وتعالى في هذه الاية المباركة يطلب ويريد من الانسان ان يذكر الله تعالى اكثر من أي ذكر لان كل ذكر زائل الا ذكر الله تعالى فهو الباقي والنافع ،ولذلك يجب ان يكون هذا الذكر متجسدا دائما في حياة الانسان لان الذي امر به رب العالمين وما اجمله من ذكر عندما يامر به خالق الوجود ،ولهذا يقول الامام السجاد عليه اني لولا امرك بالذكر لنزهتك عن ذكري لك .

قال الامام عليه السلام ( إلهِي لَوْلا الْواجِبُ مِنْ قَبُولِ أمْرِكَ لَنَزَّهْتُكَ مِنْ ذِكْرِي إيَّاكَ، عَلى أَنَّ ذِكْرِي لَكَ بِقَدْرِي، لا بِقَدْرِكَ، وَما عَسى أَنْ يَبْلُغَ مِقْدارِي، حَتّى أُجْعَلَ مَحَلاًّ لِتَقْدِيسِكَ، وَمِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عَلَيْنا جَرَيانُ ذِكْرِكَ عَلى أَلْسِنَتِنَا، وَإذْنُكَ لَنا بِدُعآئِكَ، وَتَنْزِيهِكَ وَتَسْبِيحِكَ ، إلهِي فَأَلْهِمْنا ذِكْرَكَ فِي الْخَلاءِ وَالْمَلاءِ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَالإِعْلانِ وَالإِسْرارِ، وَفِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَآنِسْنا بِالذِّكْرِ الْخَفِيِّ، وَاسْتَعْمِلْنا بِالْعَمَلِ الزَّكِيِّ، وَالسَّعْي الْمَرْضِيِّ …… ([2]).

الثالث: انسان الدنيا والاخرة

قسم الله الناس الى قسمين ؛ قسم لا يتعامل مع الواقع بعقلانية وانما يتعامل مع الحياة بشهوات نفسية خالصة ، لذلك مثل هذا الانسان يريد الدنيا وشهواتها وملذاتها في وقعه وسلوكه ولسانه ويرفض الاخرة والحديث عنها باي شكل من الاشكال ؟ والقسم الاخر من الناس ؛ يتعامل بعقلانية مع واقع الحياة الدنيا ،فهو يعرف انه انسان مخلوق لله تعالى وعليه ان يكون عبدا لله تعالى مطيعا لله في واقعه وسلوكه في حركة الحياة ، وكذلك فهو يعيش ضمن واقع الحياة وواقع الحياة يحتاج الى عمارة الحياة الدنيا ، لذلك مثل هذا الانسان كما يطلب التوفيق والسعادة في الدنيا، كذلك يطلب التوفيق والسعادة في الاخرة ؟ وهذه هي الوسطية التي يريدها الاسلام والدين . كما قال تعالى «وَ ابْتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَ لاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ أَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَ لاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الاْءَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» ([3]).

قال رسول صلى الله عليه و آله : اِعمَل لِدُنياكَ كَأَنَّكَ تَعيشُ أبَدا ، وَاعمَل لاِآخِرَتِكَ كَأَنَّكَ تَموتُ غَدا ) ([4]).

وعن رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أصلِحوا دُنياكُم ، وَاعمَلوا لآخِرَتِكُم ، كَأَنَّكُم تَموتون غَدا . ([5]).

الرابع : طلب الانسان المؤمن في الدنيا والاخرة

الانسان المؤمن الواعي العاقل كما يطلب الدنيا يطلب الاخرة فليست الدنيا هي المطلوبه له كما ليست الاخرة لوحدها بل هناك توازن  بين الدنيا والاخرة ويستعين بالدنيا على الاخرة

قال القرطبي : والذي عليه أكثر أهل العلم أن المراد بالحسنتين نعم الدنيا والآخرة. وهذا هو الصحيح، فإن اللفظ يقتضي هذا كله ([6]).

و ذكر الطبرسي عدة اراء  : أنها السعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا ، ورضوان الله ، والجنة في الآخرة . وقيل : العلم والعبادة في الدنيا ، والجنة في الآخرة ، وقيل : هي المال في الدنيا ، وفي الآخرة الجنة ، وقيل : هي المرأة الصالحة في الدنيا ، وفي الآخرة الجنة ، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ” أنه قال : ” من أوتي قلبا شاكرا ، ولسانا ذاكرا ، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر دنياه وأخراه ، فقد أوتي في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، ووقي عذاب ([7]).

الخامس : وقاية النار

الحياة مليئة بالشهوات والرغبات والانسان الواعي هو الذي يستعين بالله ويطلب من الله ان يعينه في حفظه من السيئات والذنوب .

  قال بن كثير : وأما النجاة من النار فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والآثام وترك الشبهات والحرام

وقد ورد عن أنس بن مالك قال: كان النبي – صلى الله عليه واله وسلم – يقول ” اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار “ ([8]).

السادس : الله لا يبخل بعطائه للمؤمن والكافر

الله ليس كما نتصوره في اذهاننا وعقولنا البسيطة ،فنحن في الحياة نتعامل مع الانسان الاخر وفق معطيات القرب والبعد ووفق الحالة الحزبية والولاء فنعطي لمن يظهر لنا الولاء ونمنع لمن لا يظهر لنا الولاء ،ولكن الله كريم وجواد يعطي الجميع ويشمل الجميع بلطفه وفضله وعطائه في الحياة الدنيا ،فهو كما يمد ويعطي للمؤمن كذلك يمد ويعطي للكافر الذي يريد الدنيا فقط .

لذلك يقول تعالى ( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ،كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ  وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) ([9]).

  قال الاندلسي : ( أولئك لهم نصيب مما كسبوا)ان كل فريق له نصيب مما كسب، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. ولا يكون الكسب هنا الدعاء، بل هذا مجرد إخبار من الله بما يؤول إليه أمر كل واحد من الفريقين ، وقيل: الكسب هنا الدعاء، أي: لكل واحد منهم نصيب مما دعا به. وسمي الدعاء كسبا لأنه عمل، فيكون ذلك ضمانا للإجابة وعدا منه تعالى أنه يعطي كلا منه نصيبا مما اقتضاه دعاؤه، إما الدنيا فقط، وإما الدنيا والآخرة ([10]).

السابع : ذكر الله في الايام المعدودات

قال المفسرون ان الايام المعدودات هي أيام التشريق من ذي الحجة، وهي الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر منه ، وهي التي فرض فيها المبيت في منى ،واما المراد من ذكر الله في هذه الايام ، فقد ورد في الأحاديث الإسلامية أنها تعني هذا الذكر وهو تلاوة التكبيرات التالية بعد خمسة عشر صلاة في هذه الأيام ( ابتداء من صلاة الظهر من يوم العيد حتى صلاة الصبح من اليوم الثالث العشر ) وهي ( الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ) .

ثم قال تعالى ( فَمَنْ تَعَجَّلَ ) استعجل النفر ( فِي يَوْمَيْنِ ) يوم القرّ وبعده ، أي : ومن نفر في أيّام التشريق بعد رمي الجمار ( فَلا إِثْمَ عَلَيْه ) باستعجاله ( ومَنْ تَأَخَّرَ ) في النفر حتى رمى في اليوم الثالث من أيّام التشريق ( فَلا إِثْمَ عَلَيْه لِمَنِ اتَّقى ) الصيد والنساء . ومعنى نفي الإثم بالتعجيل والتأخير التخيير بينهما والرّد على أهل الجاهليّة ، فإنّ منهم من أثّم المتعجّل ومنهم من أثّم المتأخّر ( واتَّقُوا اللَّه ) باجتناب معاصيه في مجامع أموركم ( واعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْه تُحْشَرُونَ ) للجزاء بعد الإحياء ، فيجازيكم على أعمالكم([11])  .

________________________________________________

([1]) التبيان في تفسير القرآن ،  الشيخ الطوسي ، ج 2 ، ص171 .

([2]) بحار الأنوار – ط دارالاحياء التراث (العلامة المجلسي) ، الجزء : 91 ، الصفحة : 151

([3]) القصص : 77 .

([4]) روضه المتقين (محمد تقی مجلسی) ، ج 6 ، ص 403

([5]) موسوعة ميزان الحکمة (محمد الريشهری) ، ج 1 ، ص 279

([6])  تفسير القرطبي  ، القرطبي ، ج 2  ، ص 432

([7]) تفسير مجمع البيان ، الشيخ الطبرسي ، ج2 ، ص51 .

([8]) تفسير ابن كثير المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 251

([9]) سورة الاسراء : الاية 18 الى 20 .

([10]) تفسير البحر المحيط المؤلف : أبي حيان الأندلسي    الجزء : 2  صفحة : 114

([11]) زبدة التفاسير ، الملا فتح الله الكاشاني ، ج 1 ،332 .

 604 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *