سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ……….) 67 .

تفسير قوله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ……….) 67 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (67)

قال تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ )سورة البقرة الاية 158 .

نتعرض في هذه الاية الى مطالب عدة

الاول :  الشعائر في اللغة 

المشاعر والشعائر جمع شعيرة ،وهي العلامات الظاهرة والبارزه والتي تدل وتشير الى دين الله تعالى وتذكر الانسان بالله تعالى .

قال الفيروز آبادي في القاموس : أشعرَهُ الأمر أي : أعلمهُ ، وأشعرَها : جَعل لها شعيرة ، وشِعار الحجّ : مناسكه وعلاماته ، والشعيرة والشعارة والمشعر موضعها ، أو شعائره : معالمهُ التي ندبَ الله إليها وأمرَ بالقيام بها([1]) .

وقال الطبرسي : و الشعائر المعالم للأعمال و شعائر الله معالمه التي جعلها مواطن للعبادة و كل معلم لعبادة من دعاء أو صلاة أو غيرهما فهو مشعر لتلك العبادة و واحد الشعائر شعيرة فشعائر الله أعلام متعبداته من موقف أو مسعى أو منحر من شعرت به أي علمت([2]) .

وقال القرطبي : من شعائر الله أي من معالمه ومواضع عباداته ، وهي جمع شعيرة . والشعائر : المتعبدات التي أشعرها الله تعالى ، أي جعلها أعلاما للناس ، من الموقف والسعي والنحر . والشعار : العلامة ، يقال : أشعر الهدي أعلمه بغرز حديدة في سنامه ، من قولك : أشعرت أي أعلمت ، وقال الكميت :  نقتلهم جيلا فجيلا تراهم ***  شعائر قربان بهم يتقرب([3]) .

الثاني : الصفا والمروة في اللغة 

السَّعي لغةً: والسَّعْيُ: عدْوٌ دُونَ الشَّدِّ، سَعَى يَسْعَى سَعْياً ،ف السَّعْيُ هُنَا العَدْوُ. سَعَى إِذَا عَدَا، وسَعَى إِذَا مَشَى ([4]) .

 الصَّفا لغةً: الصَّفا العريضُ مِنَ الحِجارَةِ الأَمْلَسُ، جَمْعُ صَفاةٍ يكتَبُ بالأَلف، فَإِذَا ثُنِّي قِيلَ صَفَوانِ، وَهُوَ الصَّفْواءُ أَيضاً؛ وَمِنْهُ الصَّفا والمروةُ ([5]) .

الصَّفا اصطلاحًا: مكانٌ مرتفِعٌ مِن جبلِ أبي قُبَيسٍ، ومنه ابتداءُ السَّعيِ، ويقع في طَرَف المسعى الجنوبيِّ  .

3- المروة لغةً: حجارةٌ بِيضٌ برَّاقةٌ، والجمعُ مَرْوٌ([6])  .

المروة اصطلاحًا: جبلٌ بمكَّة، وإليه انتهاءُ السَّعيِ، وهو في أصلِ جبل قُعَيْقِعان، ويقعُ في طَرَفِ المسعى الشَّمالي   

السَّعْيُ بين الصَّفا والمروة اصطلاحًا: هو قَطْعُ المسافةِ الكائنةِ بين الصَّفا والمروةِ، سبعَ مرَّاتٍ في نُسُكِ حجٍّ أو عُمْرةٍ .

الثالث : فلسفة الشعائر 

قد يقول احدهم ان الله موجود في كل مكان ولا يخلو منه مكانا او زمانا فلماذا ان الله تعالى جعل له شعائر وعلامات ومناسك تدل عليه ويجب على الانسان ان يتقرب اليها .

الجواب : الانسان يميل الى الحس والمادة ومن اجل ربط هذا الانسان بالله تعالى، ولئلا يذهب هذا الانسان فيتوسل بالاصنام والاحجار والشمس والقمر وغيرها من الامور الحسية والمادية جعل الله هذه المشاعر والشعائر مقربات اليه تعالى ،وما دامت الشعائر تدل على الله تعالى يمكن توسيع دائرة الشعائر الى شعائر مباشرة عليه تدل على الله تعالى اشار القران والسنة اليها كما في مناسك الحج والعمرة ، وهناك شعائر تدل على الله تعالى ولكن بواسطة كما عليه قبور الاولياء ومراقدهم فما دام ان هذه المراقد والقبور في طول شعائر الله تعالى فلا مانع من ان تكون شعائرا لله تعالى .

 الرابع : السعي واجب  

قد يتوهم بعضهم فيقول ان السعي جاء هنا بعدم الجناح وهو لا يفيد الا جواز الفعل فقط والذي هو اعم من الواجب والمستحب والمباح وعدم الاثم ، مع ان الفقهاء جميعا يقولون ان السعي واجب بالاجماع فتامل ؟.

اقول :

1- كان بعض المسلمين يشعر بالحرج بالطواف بين الصفا والمروة لانه يرى ان الصفا والمروة يرتبط بمظاهر الشرك قبل الاسلام ،وذلك لان الاصنام كانت منصوبة في هذين المكانين ،ومن اجل بتديد وازالة هذه الفكرة من اذهان المسلمين جاءت هذه الاية المباركة لكي تضع شعيرة الصفا والمروة في خط التوحيد وان وجود الاصنام في موقع معين لا يضر بالتوحيد كما كانت الكعبة المشرفة وحولها الاصنام، فقال تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) .

عن الصادق عليه السلام : في حديث حج النبي عليه السلام : بعد ما طاف بالبيت وصلى ركعتيه قال : صلى الله عليه وآله وسلم إن الصفا والمروة من شعائر الله فابدا بما بدا الله عز وجل ، وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شئ صنعه المشركون فأنزل الله إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما([7])

وفي الدرّ المنثور عن عامر الشعبي قال: «كان وثن بالصفا يدعى إساف ووثن بالمروة يدعى نائلة، فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت يسعون بينهما ويمسحون الوثنين، فلمّا قدم رسول اللّه (ص) قالوا: يا رسول اللّه، إنَّ الصفا والمروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنَيْن، وليس الطواف بهما من الشعائر! فأنزل اللّه: ] إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّه فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ[ الآية. فذكَّر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه، وأُنِّثَتْ المروة من أجل الوثن الذي كان عليه مؤنّثاً» ([8])

وفي تفسير القرطبي : روى البخاري عن عاصم بن سليمان قال : سألت أنس بن مالك عن الصفا والمروة فقال : كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية ، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما ، فأنزل الله عز وجل إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما([9])

2- اما بيان حكم الصفا والمروة وهل هو فرض أو ندب فيستفاد من دليل آخر ، وقد تواترت السنة النبوية ، وأجمع المسلمون على وجوب السعي في عمرة التمتع وحج التمتع . واليك بعض الروايات التي تدل على وجوب السعي بين الصفا والمروة

عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل ترك السعي متعمدا، قال: عليه الحج من قابل([10]) .

 عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: رجل نسي السعي بين الصفا والمروة، قال: يعيد السعي، قلت: فإنه خرج ” فاته ذلك حتى خرج >خ ل< قال: يرجع فيعيد السعي([11]) .

  وعَنْ احمد بن حنبل عن حَبِيبة بِنْتِ أَبِي تَجْرَاةَ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ وَرَاءَهُمْ، وَهُوَ يَسْعَى حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ يَدُورُ بِهِ إِزَارُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: “اسعَوا، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ”([12]) .

3- استحباب السعي بين الصفا والمروة (ومَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهً شاكِرٌ عَلِيمٌ ) . أي من تبرع بالسعي بين الصفا والمروة بعد ما أدى الواجب الذي عليه فان اللَّه يجزيه بالإحسان على إحسانه .

قال الكاشاني : ( وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً ) * أي : من تبرّع بالسعي بين الصفا والمروة بعد ما أدّى الواجب من حجّ أو عمرة ([13]) .

الخامس : فلسفة السعي بين الصفا والمروة

كل افعال الحج لها فلسفة ،والسعي بين الصفا والمروة له فلسفة خاصة فان السعي يعني الكدح والحركة في الحياة على المستوى المادي والمعنوي (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) ([14]) .  وعلى الانسان ان يسعى من اجل القرب الالهي وان يسعى من اجل عمارة الحياة كما قال امير المؤمنين عليه السلام 🙁 اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ) ([15]) .

ان ابراهيم عليه السلام ترك زوجته هاجر وولده في ارض جرداء لا ماء فيها ولا زرع ،لذلك لما احتاجت الى الماء سعت من اجل الحصول على الماء ولم تتكل وتقول ان الماء سوف ياتي وانا جالسة مع يقينها بالله والتوكل عليه لانها قالت لزوجها عندما تركها إلى من تكلنا؟ الله أمرك بذلك؟ فقال سيدنا إبراهيم : نعم. فقالت : إذن لن يضيعنا ،لذلك وبينما هي تبحث اذ نبع الماء وهو ماء زمزم من رجل اسماعيل عليه السلام .

قال ابن الاثير :َأَوْحَى اللَّهُ إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَنْ تَأْتِيَ بِمَكَّةَ، وَلَيْسَ بِهَا يَوْمَئِذٍ نَبْتٌ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ هَاجَرَ فَوَضَعَهُمَا بِمَكَّةَ بِمَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَلَمَّا مَضَى نَادَتْهُ هَاجَرُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَنْ أَمَرَكَ أَنْ تَتْرُكَنَا بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا زَرْعٌ، وَلَا ضَرْعٌ، وَلَا مَاءٌ، وَلَا زَادٌ، وَلَا أَنِيسٌ؟ قَالَ: رَبِّي أَمَرَنِي. قَالَتْ: فَإِنَّهُ لَنْ يُضَيِّعَنَا ،فَلَمَّا ظَمِئَ إِسْمَاعِيلُ جَعَلَ يَدْحَضُ الْأَرْضَ بِرِجْلِهِ، فَانْطَلَقَتْ هَاجَرُ حَتَّى صَعِدَتِ الصَّفَا لِتَنْظُرَ هَلْ تَرَى شَيْئًا فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَانْحَدَرَتْ إِلَى الْوَادِي فَسَعَتْ حَتَّى أَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَاسْتَشْرَفَتْ هَلْ تَرَى شَيْئًا فَلَمْ تَرَ شَيْئًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَذَلِكَ أَصْلُ السَّعْيِ، ثُمَّ جَاءَتْ إِلَى إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ يَدْحَضُ الْأَرْضَ بِقَدَمَيْهِ وَقَدْ نَبَعَتِ الْعَيْنُ، وَهِيَ زَمْزَمُ، فَجَعَلَتْ تَفْحَصُ الْأَرْضَ بِيَدِهَا عَنِ الْمَاءِ، وَكُلَمَّا اجْتَمَعَ أَخَذَتْهُ وَجَعَلَتْهُ فِي سِقَائِهَا. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ -: «يَرْحَمُهَا اللَّهُ! لَوْ تَرَكَتْهَا لَكَانَتْ عَيْنًا سَائِحَةً» ([16]) .

 وهنا نستفيد مع الثقة بالله والتوكل عليه يجب ان لا يترك الانسان السعي من اجل بناء النفس والحياة وعمارة الارض من اجل سعادة الانسان في الدنيا والاخرة.

_________________________________________________

([1]) القاموس المحيط ، الفيروز آبادي ، ج 2 ، ص60.

([2]): مجمع البيان في تفسير القرآن المؤلف : الشيخ الطبرسي    الجزء : 1  صفحة : 438

([3])تفسير القرطبي المؤلف : القرطبي    الجزء : 2  صفحة : 180

([4])لسان العرب المؤلف : ابن منظور    الجزء : 14  صفحة : 385

([5])  لسان العرب المؤلف : ابن منظور    الجزء : 14  صفحة : 464

([6])لسان العرب المؤلف : ابن منظور    الجزء : 15  صفحة : 275 ، معجم البلدان (ياقوت الحموي) ، الجزء : 5 ، الصفحة : 110

([7])  الكافي- ط الاسلامية المؤلف : الشيخ الكليني    الجزء : 4  صفحة : 245

([8])  الدر المنثور في التفسير بالماثور (السيوطي) ، الجزء : 1 ، الصفحة : 385

([9])  تفسير القرطبي (القرطبي) ، الجزء : 2 ، الصفحة : 179

([10])وسائل الشيعة -الإسلامية (الشيخ الحر العاملي) ، الجزء : 9 ، الصفحة : 523

([11])  وسائل الشيعة -الإسلامية (الشيخ الحر العاملي) ، الجزء : 9 ، الصفحة : 523

([12])تفسير ابن كثير ت سلامه المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 471

([13])  زبدة التفاسير ، الملا فتح الله الكاشاني ، ج 1 ، ص270 .

([14]) سورة الانشقاق : الاية 6 .

([15])وسائل الشيعة -الإسلامية المؤلف : الشيخ الحر العاملي    الجزء : 12  صفحة : 49

([16])الكامل في التاريخ المؤلف : ابن الأثير، أبو الحسن    الجزء : 1  صفحة : 93

 942 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *