سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ….)117 .

تفسير قوله تعالى( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ….)117 .

في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (117)

قال تعالى( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ، وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) سورة البقرة من الاية 242 الى 244 .

نتعرض في هاتين الايتين الى مطالب عدة

الاول  : الانسان يخشى من الموت وهو لا مناص منه

طبيعة الانسان هو خشيته وكرهه من الموت ، بل يكره سماع الموت، وهذا نتيجة جهل الانسان بالموت وتعلق الانسان بالدنيا وغرامه بها ،وقطع العلاقة بالله وبعالم الاخرة ،مع علم الانسان اليقيني ان الموت لا مناص منه ولوعاش الاف السنين في الحياة .

عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : جاء رجل إلى أبي ذر فقال : يا أبا ذر ما لنا نكره الموت ؟ فقال : لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب< ([1]).

 أتى النبي صلى الله عليه وآله رجل فقال له : مالي لا أحب الموت ؟ فقال له : ألك مال ؟ قال : نعم ، قال : فقدمته ؟ قال : لا ، قال : فمن ثم لا تحب الموت([2]).

الثاني : اختلاف المفسرين في تفسير الاية

ذهب المفسرون من السنة والشيعة في تفسير هذه الاية المباركة مذاهب متعددة ومختلفة ،ولكن بشكل عام يمكن تفسير الآية بحسب ما يعطيه سياق الاية الشريفة ان جماعة خرجوا من ديارهم وبيوتهم التي يسكنونها خوفا من الموت او القتل الذي كان يتربص بهم اما من عدو او من وباء ومرض، وهؤلاء يتصورون ان في خروجهم الفرج والخلاص من الموت او القتل ،ومن خلال هذه الاية المباركة كأن الله لم يرض بخروجهم ويريد منهم ان يواجهوا هذا الخوف والموت بقلوب مؤمنة ومن موقع المسؤولية في مواجهة التحديات ،لذلك قال تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ ) .؟

قال القرطبي : . قال ابن عباس : كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا : نأتى أرضا ليس بها موت ، فأماتهم الله تعالى ، فمر بهم نبي فدعا الله تعالى فأحياهم . وقيل : إنهم فروا من الجهاد ولما أمرهم الله به على لسان حزقيل النبي عليه السلام ، فخافوا الموت بالقتل في الجهاد فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك ، فأماتهم الله ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شئ ، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد([3]).

الثالث : الموت والحياة بيد الله تعالى

الحياة والموت بيد الله فهو القادر على ايجاد الحياة والموت في هذا الوجود وهو من مختصات الله تعالى كما قال تعالى ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ? ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ([4]). لذلك قال تعالى في حق هؤلاء الذين خرجو خوفا من الموت للدلالة على قدرته تعالى ( فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) واذا اراد الله لشيء ان يقول له كن فيكون فاماتهم الله بقدرته (يا من قهر عباده بالموت والفناء ) ثم ( ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) لكي يستفيدوا من رجوعهم الى الحياة ويعرفوا قدرة الله تبارك وتعالى وان الله بيد الموت والحياة وبما ان الموت بيد الله فالاولى لهم ان يواجهوا الموت بالوعي والايمان لا بالهروب منه .

 وخلاصة قصة هؤلاء كما ورد في الكافي عن الصادق عليه السلام : إن هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام وكانوا سبعين ألف بيت وكان الطاعون يقع فيهم في كل أوان ، فاجتمع رأيهم جميعا أنه إذا وقع الطاعون فيهم وأحسوا به خرجوا كلهم من المدينة فلما أحسوا بالطاعون خرجوا جميعا وتنحوا عن الطاعون حذر الموت فساروا في البلاد ما شاء الله ، ولكنهم ماتوا جميعا في موضع واحد وصاروا رميما يلوح وكانوا على طريق المارة فكنستهم المارة فنحوهم وجمعوهم في موضع فمر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له : حزقيل فلما رأى تلك العظام بكى واستعبر وقال : يا رب لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتهم فعمروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك من خلقك فأوحى الله تعالى إليه : أفتحب ذلك قال : نعم يا رب فأحيهم  قال : فأوحى الله عز وجل إليه أن قل كذا وكذا ، فقال الذي أمره الله عز وجل أن يقوله – فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : وهو الاسم الأعظم – فلما قال : حزقيل ذلك الكلام نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض فعادوا أحياءا ينظر بعضهم إلى بعض يسبحون الله عز ذكره ويكبرونه ويهللونه ، فقال حزقيل عند ذلك : أشهد أن الله على كل شئ قدير ([5]).

الرابع : العبودية لغير الله موت

ان حياة الكرامة في مواجهة الموت ،وان حياة الذل في الهروب من الموت .؟ في هذه الاية المباركة اشارة اخرى لمعنى الموت والحياة ، فالموت هو الذل والاستسلام والعبودية والقهر والاستعباد تحت سياط الظالمين ، والحياة هو التحرر من الذل والهوان بالدفاع والجهاد والمقاومة للظالمين والفاسدين ، لذلك يقول امير المؤمنين عليه السلام (فالموت في حياتكم مقهورين ، و الحياة في موتكم قاهرين ) ([6]).

قال الرازي : أن هذه القصة تدل على أن الحذر من الموت لا يفيد ، فهذه القصة تشجع الإنسان على الإقدام على طاعة الله تعالى كيف كان ، وتزيل عن قلبه الخوف من الموت ، فكان ذكر هذه القصة سبباً لبعد العبد عن المعصية وقربه من الطاعة التي بها يفوز بالثواب العظيم ، فكان ذكر هذه القصة فضلاً وإحساناً من الله تعالى على عبده ([7]).

الخامس : احياء الاموات تصديق للمعاد

 ان هذه الواقعة والقصة التي ذكرها القران الكريم وهو عودة هؤلاء الاموات بعد ان صاروا رميما دليل البعث والنشور ، فالذين ينكرون المعاد من العرب والمشركين عندما يسمعون بهذه القصة والتي هي معروفة لدى اليهود ممن كان يعيش في جزيرة العرب يمكن ان تؤدي الى الاقرار بالبعث والنشور وبالتالي ذكر هذه القصة تفضل من الله تعالى .

السادس : الانسان يقابل نعم الله بعدم الشكر

كثيرة هي نعم الله تعالى على الانسان من الايجاد والرزق الى النعم المختلفة المادية والمعنوية ولا يمكن عدها واحصائها كما قال تعالى (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) ([8]). ولكن طبيعة الاعم الاغلب من الناس يتنكر لهذه النعم ،كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ) وهذا من سوء توفيق الانسان وذلك لان شكر النعم الالهية واجب على الانسان العاقل .؟

قال الاندلسي : كان المناسب لهم أنهم يشكرون الله على ذلك ، وهذا الاستدراك : بلكن ، مما تضمنه قوله : * ( إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) * والتقدير : فيجب عليهم أن يشكروا الله على فضله ، فاستدرك بأن أكثرهم لا يشكرون ، ودل على أن الشاكر قليل([9]). كقوله : * ( وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ ) ([10]).  

السابع : القتال في الديانات الالهية وسيلة وليس غاية

القتال في كل الديانات الالهية الصحيحة ليست غاية وليست ابتدائية وانما هي من اجل الدفاع عن قيم السماء وعن الانسان ومن اجل تطبيق القانون في الحياة وليس هذا القتال من اجل التوسعة والبطر كما يفعل الملوك في الارض من اجل استعباد الناس وتوسيع ملكهم وسلطانهم في الارض .

وفي هذه الاية المباركة (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) يدعو الله تعالى الامة الى الجهاد والقتال من اجل اعلاء الدين والقيم واقامة المجتمع الصالح بعد تطهيره من الفاسدين .

 قال السيوطي : وقاتلوا في سبيل الله  : أي لاعلاء دينه * ( واعلموا أن الله سميع ) * لأقوالكم * ( عليم ) * بأحوالكم فمجازيكم([11]).  

__________________________________________

([1]) الكافي ، الشيخ الكليني ، ج 2 ، ص458 .

([2]) الخصال ، الشيخ الصدوق ، ص 13 .

([3]) الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ) ، القرطبي ، ج 3 ، ص230 .

([4]) سورة البقرة : الاية 28 .

([5])  الكافي ،  الشيخ الكليني ، ج 8 ، ص 199 .

([6]) نهج البلاغة : خطب الإمام علي ( ع ) ( تحقيق صالح ) ، ص 88 .

([7]) تفسير الرازي ، فخر الدين الرازي ، ج 6 ، ص 176 .

([8]) سورة ابراهيم : الاية 34 .

([9]) تفسير البحر المحيط ، أبي حيان الأندلسي ، ج 2 ، ص260 .

([10]) سورة سبأ : الاية 13 .

([11]) تفسير الجلالين : المحلي ، السيوطي ، ص 53 .

 1,131 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *