سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ …….) 134 .

تفسير قوله تعالى(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ …….) 134 .

   في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد  (134)

قال تعالى(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُواْ الْأَلْبَابِ) سورة البقرة الاية 269 .

نتعرض في هذه الاية الى مطالب عدة

الاول : ما الحكمة

الحكمة هي المطابقة للواقع الالهي ،وهي المعرفة والبصيرة والتسديد في الامور والافكار والاراء والمنهج والحركة في الواقع وفق ما يريد الله تعالى ضمن دائرة الرضا الالهي وليس وفق ما تريد النفس الامارة بالسوء والهوى والشيطان والدنيا . لذلك جاء في الحديث عن الامام الصادق عليه السلام ، عن قول الله: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيراً} فقال: إن الحكمة المعرفة والتفقه في الدين، فمن فقه منكم فهو حكيم، وما أحد يموت من المؤمنين أحب إلى إبليس من فقيه([1]).

قال الطبري :قال بعضهم،”الحكمة” القرآن والفقه به ، عن ابن عباس في قوله: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ ، يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله. وقال آخرون: معنى”الحكمة”، الإصابة في القول والفعل. وقال آخرون: هو العلم بالدين. وقال آخرون:”الحكمة” الفهم. وقال آخرون: هي الخشية. وقال آخرون: هي النبوة([2]).

وهناك تقسيم اخر ذكره العلماء للحكمة ، ذكره  التفتازاني قال : وقد قسم الحكمة المفسرة بمعرفة الأشياء كما هي إلى النظرية والعملية لأنها إن كانت علما بالأمور المتعلقة لقدرتنا واختيارنا فعملية وغايتها العمل وتحصيل الخير وإلا فنظرية وغايتها إدراك الحق وكل منهما ينقسم بالقسمة الأولية إلى ثلاثة أقسام فالنظرية إلى الإلهي والرياضي والطبيعي والعملية إلى علم الأخلاق وعلم تدبير المنزل وعلم سياسة المدينة([3]).

الثاني: الحكمة العملية عطائها للانسان محصور بالله تعالى

كل العلوم في الحياة يمكن تحصيلها عن طريق الدراسة والممارسة والتجربة الا الحكمة العملية فلا يمكن ولو في ارقى مدارس وجامعات العالم  ،وذلك لان طريق تحصيلها ينحصر بالله تعالى وعطائه لمن يشاء ويستحق من عباده كما قال الله تعالى (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) وبعد ان ذكر الله تعالى مفهوم الحكمة وانها الخير الكثير ذكر احد مصاديق من وهبهم واعطاهم الحكمة وهو لقمان عليه السلام فقال تعالى  (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) ([4]).

 ثالثا : كيفية تحصيل الحكمة العملية

(أ) الاخلاص الى الله تعالى .

والاخلاص ،هو تنقية وتصفية العمل والقول من كل الشوائب النفسية والشيطانية والدنيوية والغرور والعجب والتي يمكن ان تعكر صفو العمل وتجعل العمل محجوب عن الله تعالى .

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم( ما أَخلَصَ عَبدٌ للّه ِِ عز و جل أَربَعينَ صَباحا إِلاّ جَرَت يَنابيعُ الحِكمَةِ مِن قَلبِهِ عَلى لِسانِهِ) ([5]).

(ب) العمل بالعلم.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله ( من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم) فالاساس في وراثة العلم والحكمة العملية العمل الصحيح في حركة الحياة ،فالانسان عندما يعرف الامانة يجب ان يكون امينا وعندما يعرف الصدق يجب ان يكون صادقا وعندما يعرف العفة يجب ان يكون عفيفا وهكذا ،والا فلا يمكن ان يعطي الله الحكمة للكاذب والخائن ووووو.؟

(ج) القابلية للحكمة

القابلية هي شرط افاضة الحكمة والا فلا يمكن اعطاء الحكمة لمن ليس قابلا لها .

قال ابن عاشور : ومَن يَشاءُ اللَّهُ تَعالى إيتاءَهُ الحِكْمَةَ هو الَّذِي يَخْلُقُهُ مُسْتَعِدًّا إلى ذَلِكَ مِن سَلامَةِ عَقْلِهِ واعْتِدالِ قُواهُ، حَتّى يَكُونَ قابِلًا لِفَهْمِ الحَقائِقِ مُنْقادًا إلى الحَقِّ إذا لاحَ لَهُ، لا يَصُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ هَوًى ولا عَصَبِيَّةٌ ولا مُكابَرَةٌ ولا أنَفَةٌ، ثُمَّ يُيَسِّرُ لَهُ أسْبابَ ذَلِكَ مِن حُضُورِ الدُّعاةِ وسَلامَةِ البُقْعَةِ مِنَ العُتاةِ، فَإذا انْضَمَّ إلى ذَلِكَ تَوَجُّهُهُ إلى اللَّهِ بِأنْ يَزِيدَ أسْبابَهُ تَيْسِيرًا ويَمْنَعَ عَنْهُ ما يَحْجُبُ الفَهْمَ فَقَدْ كَمُلَ لَهُ التَّيْسِيرُ([6]).

 رابعا : الخير الكثير في الحكمة  

مشكلة الانسان عبر القرون انه يختار الدنيا والتكالب عليها ويترك الحكمة العملية وهذا ناتج اما لانه لا يصدق بالله تعالى ،او لانه جاهل بالخير الواقعي والحقيقي ،او لانه لا يستطيع مجاهدة نفسه من اجل الحصول على الحكمة العملية، وعلى كل حال يبقى القليل في كل زمان هم الذين يختارون الحكمة العملية ويصبرون على مقدماتها ومتطلباتها ولذلك قال عنهم الله تعالى (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُواْ الْأَلْبَابِ) .؟ .

قال الالوسي:  ﴿فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا﴾ عَظِيمًا ﴿كَثِيرًا﴾ إذْ قَدْ جُمِعَ لَهُ خَيْرُ الدّارَيْنِ. أخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ عَنْ أبِي أُمامَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ’ : «إنَّ لُقْمانَ قالَ لِابْنِهِ: يا بُنَيَّ عَلَيْكَ بِمُجالَسَةِ العُلَماءِ واسْمَعْ كَلامَ الحُكَماءِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى يُحْيِي القَلْبَ المَيِّتَ بِنُورِ الحِكْمَةِ كَما يُحْيِي الأرْضَ المَيْتَةَ بِوابِلِ المَطَرُ»([7]).

عن رسول الله صلى الله عليه واله ( ما قسم الله للعباد شيئاً أفضل من العقل، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل، ولا بعث الله نبياً ولا رسولاً حتى يستكمل العقل ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته، وما يضمر النبي ’ في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين، وما أدى العبد فرائض الله حتى عقل عنه، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل والعقلاء، هم أولو الألباب، الذين قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُو الأَلْبَابِ}([8]).

____________________________

([1])  ميزان الحكمة ،ريشهري ، ج 1 ، ص 672 ,

([2])تفسير الطبري جامع البيان ت شاكر (الطبري، ابن جرير) ، الجزء : 5 ، الصفحة : 576

([3]) شرح المقاصد في علم الكلام ، التفتازاني ، ج2 ، ص45 .

([4]) سورة لقمان : الاية 12 .

([5])  موسوعة ميزان الحکمة : محمد الریشهری ، ج 3 ، ص 300 .

([6]) التحرير والتنوير (ابن عاشور) ، الجزء : 3 ، الصفحة : 61

([7])تفسير روح المعاني (الألوسي، شهاب الدين) ، الجزء : 3 ، الصفحة : 41

([8]) مرآة العقول : الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي ، ج 1 ، ص 37 .

 2,788 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *