في رحاب تفسير آيات القران المجيد (10)
قال تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ) سورة البقرة الاية 23 ،24 .
نتعرض في هاتين الايتين الى عدة مطالب
المطلب الاول : الحوار في طرح الحقيقة
القران الكريم يعلم الانسان كيفية الحوار مع الاخر الذي يختلف معك في الفكر ، مع ان الله خالق الكون ويستطيع ان يستخدم سياسية وفرض الامر الواقع ولكنه لا يستخدم هذا الاسلوب بل يستخدم اسلوب الاقناع والدليل والبرهان واثارة التعقل والتدبر عند الاخر لعله يرجع الى عقله ويتامل الى الحقيقة الناصعة، ولذلك يقول تعالى وان كنتم في ريب وشك مما نزلنا ، وبعبارة اخرى انتم الشعراء والفصحاء والبلغاء ومع ذلك ان قدرتم على معارضة القران فادعوكم ان تاتوا بسورة من مثل القران الكريم والمفروض سورة واحد امر يسير عليكم ……….؟
قال محمد رضا :أي يا أيها الناس عليكم – بعد أن تنسلوا من مضايق الوساوس ، وتتسللوا من مآزق الهواجس وتنزعوا ما طوقكم به التقليد من القلائد ، وتكسروا مقاطر ما ورثتم من العوائد – أن تهرعوا إلى الحق فتطلبوه ببرهانه ، وأن تبادروا إلى ما دعيتم إليه فتأخذوه بربانه ، فإن خفي عليكم الحق بذاته ، فهذه آية من أظهر آياته ، وهي عجزكم عن الإتيان بسورة من مثل سور القرآن من رجل أمي مثل الذي جاءكم به ، وهو عبدنا ورسولنا محمد ’ فاعلموا أن ما جاء به بعد أربعين سنة فأعجزكم بعد سبقكم لم يكن إلا بوحي إلهي ، وإمداد سماوي ، لم يسم عقله إلى علمه ، ولا بيانه إلى أسلوبه ونظمه ([1]).
المطلب الثاني : لا يمكن قبول أي حقيقة بدون دليل
القران يعلمنا حقائق منها ؛ هو اننا يجب علينا امام اي دعوة من اي شخص يدعي النبوة او الامامة او الوكالة عن الامام او القرب من الامام المهدي عليه السلام او اي دعوة الهية ، ان نطالبه بالدليل والبرهان على الموقع الذي يدعيه الى نفسه ،وان لا نكون كالقطيع نسير خلفه بلا وعي وارادة فالله تعالى لا يعذر الجاهل في دينه وعقيدته ، كما ان القانون لا يحمي المغفلين كما في المثل .
المطلب الثالث : الله يتحدى المشركين بالاتيان بسورة
ونستفيد من هذه الاية المباركة الكريمة ان القران الكريم هو المعجزة الخالدة للاسلام وانه لا يمكن معارضته ، والدليل على ذلك ان الله تعالى تحدى المشركين المعاندين فلم يعارضوه وياتوا بسورة من مثله كماقال تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) وكذلك تحدى البشرية جمعاء فقال تعالى ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ والْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِه ولَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) ([2]).
وسوف نتعرض في المستقبل الى وجوه الاعجاز في القران الكريم .
المطلب الرابع : طبيعة الانسان الحر الايمان بالحقيقة
ثم بعد ذلك يقدم القران نصيحة الى الناس المخالفين له من المشركين وغيرهم ،وهو انكم اذا عجزتم عن معارضة القران الكريم ،فينبغي لكم ان تسلموا وتذعنوا لله تعالى وللحق المبين ،لان ذلك مقتضى المنطق السليم والانسان الحر يؤمن بالحقيقة ، لان الايمان بالله تعالى سوف يخلصكم من النار التي اعدها الله تعالى للكافرين وهذا ما لا تقوون عليه ،لذلك قال تعالى ( فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)
قال البيضاوي : لما بين لهم ما يتعرفون به أمر الرسول ’ وما جاء به، وميز لهم الحق عن الباطل، رتب عليه ما هو كالفذلكة له، وهو أنكم إذا اجتهدتم في معارضته وعجزتم جميعا عن الإتيان بما يساويه أو يدانيه، ظهر أنه معجز والتصديق به واجب، فآمنوا به واتقوا العذاب المعد لمن كذب ([3]).
____________________________
([1]) تفسير المنار ، محمد رشيد رضا ، ج1 ،ص160 .
([2]) سورة الاسرا ء ، الاية 88 .
([3]) تفسير البيضاوي ،ناصر الدين أبي الخيرعبد الله بن عمر بن علي البيضاوي ،ج1 ،ص59 .
437 total views, 1 views today