سرخط خبرها
خانه / نصوص و مقالات / مقالات فی شرح الشعر العرفاني / شرح شعر عرفاني ، الا يا ايها الساقى ادر کاسا و ناولها

شرح شعر عرفاني ، الا يا ايها الساقى ادر کاسا و ناولها

حافظ الشيرازي

 شمس الدين محمد حافظ الشيرازي عاش بين ٧٢٥ – ٧٩٢ هـ الملقب ب«خواجه حافظ الشيرازي» والشهير ب«لسان الغيب» من اشهر الشعراء الايرانيين مولده ووفاته في شيراز .  له أشعار بالفارسية والعربية وتُرجمت آثاره إلى كثير من اللغات العالمية.؟

وشعره يتسم بالفصاحة والبلاغة والجمال ، وقد استخدم في اشعاره تعابير ورموز خاصة يقصد بها المعنى العرفاني وليس الظاهر منها ،وشعره مزيج من معاني العشق الالهي والحب والعفو والرحمة والطبيعة وكذلك المضامين الاجتماعية والتي فيها من العبر والدروس التي يستفيد منها الانسان في حياته ،ولا تجد بيتا في ايران يخلو من ديوان حافظ الشيرازي ، فالايرانيون يحبون الشيرازي ويقدرونه بشكل كبير جدا وحتى يتفائلون في اشعاره ولذلك يطلقون عليه لقب «لسان الغيب» و«ترجمان الاسرار» .

شرح وترجمة الغزلية الاولى 

البيت الاولى : الا يا ايها الساقى ادر کاسا و ناولها 

                    که عشق آسان نمود اول ولى افتاد مشکلها

ترجمة منظومة

“ألا أيها الســـاقي، أدر كأسًا وناولــها

بدا لي العشق ميسورا فاضحى يسره عسرا

  في هذا البيت الاول من القصيدة يمكن الاشارة الى عدة نقاط مهمة

اولا : يقظة  العبد 

اليقظة : لغة ، نقيض النوم  ([1]).

واصطلاحا : اليقظة باصطلاح اهل المعرفة : القيام لله من نومة الغفلة الباطنية ([2]).

قال تعالى :{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا}([3]).

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه واله (الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا )([4]).

 فالعبد لا يطلب السقاية من الله تعالى، الا بعد اليقظة التي تحصل له، والا قبل اليقظة لا يطلب شيئا بل يعيش الغفلة الباطنية بسبب الذنوب والمعاصي والغواشي التي تحيط به.

 النقطة الثانية : الساقي

الساقي كناية يمكن الاشارة فيه الى الله تعالى ،او كناية عن المرشد الالهي الحقيقي الذي يسير بالعبد القابل للسير الى الله تعالى والذي بيده الكأس المفاض من عالم الملكوت الالهي كما قال تعالى:{ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}([5]). وهذا اللفظ متعارف عند اهل التصوف والعرفان عندما يطلبون من الله تعالى الفيض والمحبة والعشق ، قال احد العرفاء

  أيُّها السَّاقِي إليكَ المشتكَى      ضَـاعَتِ الشَّكْـوَى إذا لم تَنْفَعِ

النقطة الثالثة :تعدد الوسائط في الفيض

عندما نقول ان الفيض من الله لا يعني ان هذا الفيض ينزل الى العباد بلا واسطة بل نحن نعتقد ان هناك وسائط في الفيض الالهي وهم الانبياء والرسل والائمة الاطهار والاولياء عليهم السلام  ولذا قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([6]).

وقالت سيدتنا ومولاتنا الزهراء عليها السلام :”فاحمدوا الله الذي بعظمته ونوره ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة ، فنحن وسيلته في خلقه ، ونحن آل رسوله ، ونحن حجة غيبه ، وورثة أنبيائه “([7]).

  النقطة الرابعة : ما هو الكاس

ليس المقصود بالكاس هو الخمر الذي يزيل ويذهب بالعقل بل المقصود بالكاس هو ذلك الفيض الالهي والمحبة الربانية ، الذي يجعل العاشق يسكر في محبته بحيث يصبح كالسكران بالشراب الظاهري ،وفي حديث أمير المؤمنين عليه السلام ان لله ( تعالى ) شرابا لأوليائه إذا شربوا سكروا وإذا سكروا طربوا وإذا طربوا طابوا وإذا طابوا ذابوا وإذا ذابوا خلصوا وإذا خلصوا طلبوا وإذا طلبوا وجدوا وإذا وجدوا وصلوا وإذا وصلوا اتصلوا وإذا اتصلوا لا فرق بينهم و بين حبيبهم([8]).

وفي الشعر العربي له نظير قال ابن الفارض

شربنا على ذكر الحبــيب مدامــــة ***  سكرنا بها من قبل أن يــُخلق الكرم

وقال ايضا

وقالوا شـــربت الإثم كلا وإنما  ** شربت التي في تركها عنديَ الإثم

هنيئا لأهل الدير كم سكروا بها **وما شربوا منها ولكنهم همّـــوا

 النقطة الخامسة :سهولة العشق في بدايته

البداية دائما تكون سهلة في أي عمل من الاعمال التي يقوم بها الانسان ولا سيما على مستوى القول ،فالكثير منا يدعي الحب الالهي بلسانه  وهذا ربما يعود الى ان الانسان يجهل طريق العشق الالهي ،او ان هذا الانسان يبسط الاشياء ،او ان الانسان بطبعه يسهل الامور في بدايتها ،لانه لم يعرف حقيقة نهايتها .

ولكن المشكلة الحقيقية على مستوى العمل ،والتطبيق ،فهنا تسكب العبرات وتتكشف الاقنعة عن الناس ،فيسقط من يسقط وما اكثرهم ،وقليل من ينجوا من الامتحانات والاختبارات المتعددة في  الدنيا ومغرياتها على كثرتها ووفورها .وكما قال تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}([9]).

النقطة السادسة : صعوبة الطريق الى الله

الطريق الى الله ، طويل، وموحش، وخطير ، ومتعب ،لان الانسان السائر الى الله يسير عكس تيار الناس ؟ الناس تسير الى الدنيا ، والى المادة ،والى الشيطنة ،والى الخسة، والدناءة ،والسائر الى الى الله يسير الى الكمالات والقيم والاخلاق والى التخلق باخلاق الله تعالى ، وهذه تحتاج الى شدة مجاهدة النفس ومراقبتها ومحاسبتها ،فالطريق الى الله ليس مزروعا بالورود والياسمين ،بل مزروعا بالاشواك والمصاعب والمتاعب، ولذا يحتاج السائر الى الله تعالى الى الصبر الكبير في تحمل مقتضيات ومتطلبات السير الى الله حتى يستطيع مواصلة الطريق الى الله والا فسوف لن يصل الى الله تعالى ،وهذا ما اكد عليه القران الكريم في كثير من آياته المباركة .

قال تعالى :{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}([10]).

وعن رسول الله صلى الله عليه واله : “إن الصبر نصف الإيمان” ([11]).

ولذلك قال حافظ شيرازي : ان الطريق ليس سهلا في نهايته وان بدا سهلا في بدايته .؟

بدا لي العشق ميسورا فاضحى يسره عسرا .

النقطة السابعة : خلاصة البيت الشعري العرفاني  

صدر البيت :ان هذا العبد الذي كان يعيش الغفلة عن الله تعالى وقد استيقظ ورجع الى الله تعالى فهو يريد الكاس المملوء بالمحبة والفيض الالهي حتى يعيش سكر المحبة الالهية التي تجعله يغفل عن نفسه ويعيش القرب من الله ؟

وفي عجز البيت :يقول ان العشق وان بدا في اول الامر سهلا كما كل الامور ولكن تفاقمت مشاكل الحب بشكل كبير فالحب كنت اتصوره سهلا ولكن ليس كذلك كما قال شاعر العرفان

ولما ادَّعيتُ الحبَّ قالَتْ كَذَبْتَنِي  ***فما لي أرى الأعضاءَ منكَ كَواسِيَا

فما الحبُّ حتَّى يلصَقَ الجلدُ والحشا ***وتذبُلَ حتَّى لا تجيبَ المنادِيَا

وتنحُلَ حتَّى لا يُبقي لَكَ الهوى ****سوى مقلةٍ تبكي بها وتناجيا

__________________________________
[1]
)  لسان العرب:ج7: ص 466.

[2]) منهج العرفان عند الامام علي عليه السلام ،الشيخ عبدالرضا البهادلي ، ص388 .

([3])  سورة الانعام : الاية 122 .

([4]) عوالي اللئالي: 4: 73.

([5])  [الإنسان : 21]

([6])[المائدة : 35]

([7])دلائل الامامة – محمد بن جرير الطبري ( الشيعي) – ص 113 – 114

([8])  التحفة السنية (مخطوط) – السيد عبد الله الجزائري – ص 86.

([9]) سورة آل عمران :الاية 14.

([10])سورة البقرة : 45 .

([11]) مستدرك الوسائل 2: 425.

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

شرح شعر عرفاني ،الله لا يبارح قلب العارف ، 2

وما برحوا معنى ً أراهمْ معي فإنْ ....نأوا صورة ً في الذِّهنِ قامَ لهمْ شكلُ ومعنى هذا البيت ،ان الحبيب (ويقصد به الحضرة الالهية ) وان بعد صورة فهو باقي معنى ،والمعنى يقوم في قلب العارف ولا شك ان المعنى اذا قام في القلب يصعب زواله .

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *