البحث الثاني : تعريف الوحي لغة واصطلاحا ومفهوم الوحي في القران

البحث الثاني : الوحي ، الجزء الاول

اولا : الوحي لغة   

الوحي في اللغة كما قال علماء اللغة ،الكلام والاعلام في خفاء ، وكذلك الإشارة والإيماء والكتابة والالهام والرسالة . وکلّ ما القيته الى غيرك في سرعة خاطفة حتی فهمه فهو وحی

      نظرت إليها نظرة فتحيرت … دقائق فكري في بديع صفاتها

  وأوحى إليها الوهم أني أحبها … فأثر ذاك الوهم في وجناتها([1]).

ويمكن القول اننا نستفيد من كلمات اهل اللغة ،ان الوحي هو الاخبار والاعلام بخفاء بطرق من الطرق ووسيلة من الوسائل .

 قال ابن منظور ،وحي : الوَحْيُ : الإِشارة والكتابة والرِّسالة والإِلْهام والكلام الخَفِيُّ ^([2]).

 قال الراغب: اصل الوحی، الإشارة السريعة، و لتضمّن السرعة قيل: أمر وحیّ أی سريع. و ذلک يکون بالکلام علی سبيل الرمز و التعريض، و قد يکون بصوت مجرّد عن الترکيب، و بإشارة ببعض الجوارح، و بالکتابة ^([3]).

و قال ابن فارس: «و، ح، ي» أصل يدلّ علی إلقاء علم فی إخفاء أو غيره، و الوحی: الإشارة. و الوحی: الکتاب و الرسالة. و کلّ ما ألقيته الی غيرک حتی علمه فهو وحی، کيف کان ^([4]).

ثانيا : الوحي اصطلاحا

يمكن تعريف الوحي بشكل عام والذي يخص الانبياء عليهم السلام ،وهو رسالة الله لانبيائه وتبليغهم بكل ما يجب عليهم عمله من اجل هداية المجتمع الانساني الى الله عبر الوسائل المتعددة .

قال جميل صليبا : اما في اصطلاح الشرائع فان الوحي هو كلام اللّه المنزل على نبي من أنبيائه^([5]).

وكذلك : هوالقاء المعارف والاحكام من قبل اللّه تعالى على عباده لهدايتهم و يكون ذلك عن طريق الانبياء(عليهم السلام) ^([6]).

وقال الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْوَحْيِ فَقَالَ: الْوَحْيُ مَا يُوحِي اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَيُثْبِتُهُ فِي قَلْبِهِ فَيَتَكَلَّمُ بِهِ وَيَكْتُبُهُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَمِنْهُ مَا لَا يَتَكَلَّمُ بِهِ وَلَا يَكْتُبُهُ لْأَحَدٍ وَلَا يَأْمُرُ بِكِتَابَتِهِ وَلَكِنَّهُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ حَدِيثًا وَيُبَيِّنُ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يُبَيِّنَهُ لِلنَّاسِ ويبلغهم إياه ^([7]).

ثالثا : معاني الوحي في القران

جاء الوحي في القرآن الكريم في معاني متعددة وليس بمعنى واحد واليك هذه المعاني .

1- الالهام الغريزي للنحل ^([8]).  

قال تعالى (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ،ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ^([9]).

والالهام الغريزي لهذه الحشرة بمعنى ان الله عندما خلق هذه الحشرة جعل في نفسها هذه الاعمال كي تقوم بها.

قال الرازي (قَوْلُهُ: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ يُقَالُ وَحَى وَأَوْحَى، وَهُوَ الْإِلْهَامُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْإِلْهَامِ أَنَّهُ تَعَالَى قَرَّرَ فِي أَنْفُسِهَا هَذِهِ الْأَعْمَالَ الْعَجِيبَةَ الَّتِي تَعْجِزُ عَنْهَا الْعُقَلَاءُ مِنَ الْبَشَرِ ^([10]).

وقال الطباطبائي : وقوله : ( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) أي ألهمه من طريق غريزته التي أودعها في بنيته^([11]).

2- الوحي الى الملائكة

قال تعالى( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) ^([12]).

والوحي الى الملائكة بمعنى الهام الاوامر الالهية والتي يجب على الملائكة الاستجابة لها فالملائكة عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون .

قال صاحب تفسير السمرقندي تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ، يعني: ألهم ربك الملائكة ^([13]).

وقال صاحب تفسير المنار :(يُوحِي رَبُّكَ فِيهِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ آمِرًا لَهُمْ أَنْ يُثَبِّتُوا بِهِ الْأَنْفُسَ بِمُلَابَسَتِهِمْ لَهَا وَاتِّصَالِهِمْ بِهَا، وَإِلْهَامِهَا تَذَكُّرَ وَعْدِ اللهِ لِرَسُولِهِ، وَكَوْنِهِ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَاد ^([14]).

3- الالهام النفسي للاولياء  

(أ) ام موسى عليها السلام

قال تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) ^([15]).

وهذا الوحي ليس بمعنى وحي النبوة وانما هو الالهام القلبي والروحي والعقلي للانسان والله قادر على ان يلهم الانسان بما يريد منه كما الهم النفس فجورها وتقواها .

قال الطبرسي :فقال : ( وأوحينا إلى أم موسى ) أي : ألهمناها وقذفنا في قلبها ، وليس بوحي نبوة ^([16]).

والعلم الحديث اشار الى هذه الظاهرة واطلق عليها بالتخاطر (بالإنجليزية: Telepathy)هو مصطلح صاغه فريدرك مايرز عام 1882 ويشير إلى المقدرة على التواصل ونقل المعلومات من عقل إنسان لآخر، أي أنه يعني القدرة على اكتساب معلومات عن أي كائن واعي آخر، وقد تكون هذه المعلومات أفكار أو مشاعر، وقد استخدمت الكلمة في الماضي لتعبر عن انتقال الفكر^([17]).

(ب) اصحاب عيسى عليه السلام

الحواريون تلامذة عيسى بن مريم عليه السلام ،عن علي بن فضال، عن أبيه، قال قلت لابي الحسن الرضا عليه السلام: لم سمى الحواريون الحواريين،أما عندنا: فسمى الحواريون: الحوار، لانهم كانوا مخلصين في أنفسهم، ومخلصين لغيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكر^([18]).

وقد اختلف في عددهم ولكن على العموم فقد قال الله تعالى فيهم {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} ^([19]).

 قال الطوسي : التقدير و اذكر إذ أوحيت‌ ‌الي‌ الحواريين‌. و ‌في‌ معني‌ «أَوحَيت‌ُ» قولان‌: احدهما‌-‌ ‌أن‌ معناه‌ ألهمتهم‌ ‌کما‌ ‌قال‌ «وَ أَوحي‌ رَبُّك‌َ إِلَي‌ النَّحل‌ِ»[1] ‌ أي ‌ ألهمها.و ‌قيل‌ أمرتهم‌.الثاني‌-‌ ألقيت‌ اليهم‌ بالآيات‌ ‌الّتي‌ أريتهم‌ إياها ‌کما‌ ‌قال‌ الشاعر:

الحمد للّه‌ ‌ألذي‌ استقلت‌        باذنه‌ السماء و اطمأنت‌

أوحي‌ لها القرار فاستقرت^([20]).

4- الوحي الكوني للموجودات 

قال تعالى{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ، وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) ^([21]).

وقد اختلف المفسرون في معنى الايحاء

قال الرازي :(وأوحى في كل سماء أمره) والأقرب أن يقال قد ثبت في علم النحو أنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب، والله تعالى على أهل كل سماء تكليف خاص، فمن الملائكة من هو في القيام في أول خلق العالم إلى قيام القيامة، ومنهم ركوع لا ينتصبون ومنهم سجود لا يرفعون، وإذا كان ذلك الأمر مختصا بأهل ذلك السماء كان ذلك الأمر مختصا بتلك السماء^([22]).

وقال الطبرسي :  (وأوحى في كل سماء أمرها) أي: خلق فيها ما أراده من ملك وغيره، عن السدي وقتادة. وقيل: معناه وأمر في كل سماء بما أراد، عن مقاتل.وقيل. وأوحى إلى أهل كل سماء من الملائكة ما أمرهم به من العبادة، عن علي بن عيسى^([23]).

 5- جاء الوحي بمعنى الاشارة

قال تعالى في القرآن على لسان زكريا عليه الصلاة والسلام حينما قال: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً ،فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً }^([24]).

 قال الشيخ الطبرسي : (فأوحى) أي: أشار إليهم بيده، وقيل: كتب لهم على الأرض^([25]).

6- الشياطين ووحيهم الى اوليائهم

قال تعالى {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ}^([26]) وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}^([27])

وفي هذه الايات الشريفة اشارة الى حالة الشياطين ووسوستها الى اوليائهم من الانس والجن بالقاء الشبهات والشكوك امام حركة الانبياء وحركة الصالحين في الارض

جاء في ايسر التفاسير ( وَإِنَّ شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ ليُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ بِالوَسْوَسَةِ بِمَا يُجَادِلُونَكُمْ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ فَقَدْ جَادَلَتِ اليَهُودُ النَّبِيَّ: فَقَالُوا نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلْنَا، وَلاَ نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلَ اللهُ (أَيْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفهِ) ^([28])   .

6- الوحي للانبياء عليهم السلام

وما يهمنا في بحث الوحي هو الوحي الى الانبياء عليهم السلام وقد تكرر ذكر الوحي للانبياء عليهم السلام في القران مرات كثيرة .واليك بعض من هذه الايات

 قال تعالى «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْکَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْکَ هذَا الْقُرْآنَ» ^([29]) وقال تعالى «وَ کَذلِکَ أَوْحَيْنا إِلَيْکَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُری وَ مَنْ حَوْلَها» ^([30]) وقال تعالى «اتْلُ ما أُوحِیَ إِلَيْکَ مِنَ الْکِتابِ»^([31])  «أَکانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلی رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْکافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ» ^([32])

  قال: «إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْکَ کَما أَوْحَيْنا إِلی نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَوْحَيْنا إِلی إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ عِيسی وَ أَيُّوبَ وَ يُونُسَ وَ هارُونَ وَ سُلَيْمانَ وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً. وَ رُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْکَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْکَ وَ کَلَّمَ اللَّهُ  مُوسی تَکْلِيماً. رُسُلًا مُبَشِّرِینَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَی اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَ کانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَکِيماً. لکِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْکَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلائِکَةُ يشْهَدُونَ وَ کَفی بِاللَّهِ شَهِيداً. إِنَّ الَّذِينَ کَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً»^([33])

وقد تحدث القرآن الكريم عن صور وانواع الوحي الالهي للانبياء عليهم السلام واجمع اية قوله تعالى{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}^([34]) وهذه الاية تشير الى ثلاثة انواع من الوحي .

(أ) قوله تعالى (إِلَّا وَحْياً)

ويدخل تحت هذا النوع وهذه الصورة الالهام ،او الالقاء في القلب او النفث في الروع ،كما عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع: ألا إن الروح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها …..) ^([35])

 والرؤيا الصادقة التي يراها الانبياء عليهم السلام فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): الرؤيا الصالحة يبشر بها المؤمن وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ^([36])

 قال الله عزوجل عن إبراهيم عليه السلام: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ^([37])

وتعالى في سورة الفتح: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} ^([38])

ولكن يجب علينا ان نعرف حقيقة انه لا يمكن نزول الايات على النبي ’ على شكل الرؤيا او في المنام .

(ب)قوله تعالى( وَرَاءِ حِجَابٍ)

  كما كلم الله عز وجل موسى صلى الله عليه وسلم، وكما كلم محمدًا عليه الصلاة والسلام قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً}^([39]) وقال: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ}^([40])

  وأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد في تفسير هذه الايات انه وقع له الكلام الإلهي المباشر في ليلة المعراج، ويفهم ذلك من آية النجم، ومن حديث المعراج، ففي آية النجم؛ قال الله عز وجل: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}^([41])

قال الطبرسي : وقيل: أوحى الله إليه سرا بسر، وفي ذلك يقول القائل:

بين المحبين سر ليس يفشيه * قول، ولا قلم للخلق يحكيه

سر يمازجه، أنس يقابله * نور تحير في بحر من التيه^([42])

(ج) قوله تعالى ( يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ)

وهذا هو الوضع الطبيعي في الايحاء والوحي الالهي من الله تعالى الى انبيائه عليهم السلام

وهو بواسطة أمين الله جبريل عليه السلام وواسطة جبرائيل هو النوع والصورة المشهورة والمعروفة والتي ورد القران الكريم فيها كما قال تعالى {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}^([43])وقوله سبحانه: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}^([44]) .وقال تعالى ( اتَّبِعْ ما أوحِيَ إليكَ مِن رَّبِّكَ لا إلهَ إلا هُوَ … ) ^([45])وقال تعالى ( إنْ أتّبِعُ إلا ما يُوحَى إليّ ومَا أنا إلا نذيرٌ مُّبينٌ ) ^([46]) وقال تعالى( قُلْ إنما أنا بشرٌ مثلُكُْم يُوحَى إليّ…. ) ^([47])  

قال العلامة  الشيخ محمد هادی المعرفت :(والوحی الرسالی لا يعدو مفهومه اللغویّ بکثير، بعد أن کان إعلاما خفيّا، و هو اتصال غيبیّ بين اللّه و رسوله، یتحقّق علی أنحاء ثلاثة، کما جاءت فی الآیة الکريمة: «وَ ما کانَ لِبَشَرٍ أَنْ یُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ یُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِیَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِیٌّ حَکِيمٌ».فالصورة الأولی: القاء فی القلب و نفث فی الروع. و الثانية: تکليم من وراء حجاب، بخلق الصوت فی الهواء بما يقرع مسامع النبیّ (صلی اللّه عليه و آله و سلم)  و لا يری شخص المتکلّم. و الثالثة: إرسال ملک الوحی فيبلّغه الی النبیّ، إمّا عيانا يراه، أولا يراه و لکن يستمع الی رسالته) ^([48]) .

وقال فهد الرومي :(ما يكون بواسطة أمين الوحي جبريل -عليه السلام- وهذا النوع أشهر الأنواع وأكثرها، وهو المصطلح عليه بـ “الوحي الجلي” ووحي القرآن كله من هذا القبيل ولم ينزل شيء من القرآن على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بغير هذا النوع كالإلهام أو المنام أو التكليم بلا واسطة^([49]) .

_________________________________________

([1]) تزيين الأسواق في أخبار العشاق ، داود الأنطاكي ،  الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع،  موقع الوراق ، http://www.alwarraq.com .

([2])  لسان العرب المؤلف : ابن منظور    الجزء : 15  صفحة : 379

([3])  المفردات: ص 515.

([4])   معجم مقاييس اللغة: ج 6 ص 93.

([5])  المعجم الفلسفي : جميل صليبا    الجزء : 2  صفحة : 231

([6])  نشريه معرفت : موسسه آموزشی پژوهشی امام خمينی (ره)    الجزء : 60  صفحة : 17

([7])  الاتقان في علوم القران المؤلف : السيوطي    الجزء : 1  صفحة : 160

([8])النحل (اسم والواحدة نحلة ، وجمعها نحل) هي حشرة تنتمي لرتبة غشائيات الأجنحة، ووظيفتها إنتاج العسل وشمع النحل والتلقيح، يعرف منها ما يقارب 20.000 نوع، وتنتشر في جميع قارات العالم عدا القطب الجنوبي. وبالرغم من أن أكثر الأنواع المعروفة من النحل تعيش في مجتمعات تعاونية ضخمة، إلا أن النسبة الأكبر منها انعزالية وذات سلوكيات مختلفة. https://ar.wikipedia.org/wiki

([9]) سورة النحل : الاية 68 و69 .

([10])تفسير الرازي مفاتيح الغيب او التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 20  صفحة : 236

([11])الميزان في تفسير القرآن المؤلف : السيد محمد حسين الطباطبائي    الجزء : 12  صفحة : 292

([12])سورة الأنفال : الاية 12 .

([13])  : تفسير السمرقندي بحر العلوم المؤلف : أبو الليث السمرقندي    الجزء : 2  صفحة : 11

([14])     تفسير المنار المؤلف : محمد رشيد رضا    الجزء : 9  صفحة : 509

([15])الآية 7 من سورة القصص

([16])  تفسير مجمع البيان ، الشيخ الطبرسي ، ج 7 ،ص416 .

([17])  https://ar.wikipedia.org/wiki ، ويمكن مراجعة راجع رءوف عبيد، الإنسان روح لا جسد: ج 1 ص 502 وما بعدها.

([18]): علل الشرائع المؤلف : الشيخ الصدوق    الجزء : 1  صفحة : 80

([19])  [سورة المائدة، الآية: 111]

([20])  تفسير التبيان المؤلف : الشيخ الطوسي    الجزء : 4  صفحة : 57

([21]) سسورة فصلت الاية 11 ، 12

([22])  تفسير الرازي المؤلف : الامام الفخر الرازي    الجزء : 27  صفحة : 107

([23])  : تفسير مجمع البيان المؤلف : الشيخ الطبرسي    الجزء : 9  صفحة : 11

([24]) سورة مريم، الآية: 10 ،11 .

([25])تفسير جوامع الجامع المؤلف : الشيخ الطبرسي    الجزء : 2  صفحة : 445

([26])  [سورة الأنعام، الآية: 121]

([27])[سورة الأنعام، الآية: 112]

([28])  ايسر التفاسير لاسعد حومد المؤلف : أسعد حومد    الجزء : 1  صفحة : 911

([29])يوسف: 3.

([30])   الشوری: 7.

([31])   العنکبوت: 45.

([32])   یونس: 2.

([33])1) النساء: 163- 167.

([34])[سورة الشورى، الآية: 51]

([35])  الكافي- ط الاسلامية المؤلف : الشيخ الكليني    الجزء : 5  صفحة : 80

([36])ميزان الحكمة المؤلف : محمدي الريشهري    الجزء : 2  صفحة : 1010

([37])[سورة الصافات، الآية: 102]

([38])[سورة الصافات، الآية: 102]

([39])[سورة النساء، الآية: 164]

([40])[سورة الأعراف، الآية: 143]

([41])[سورة النجم، الآيات: 8-

([42]) تفسير مجمع البيان المؤلف : الشيخ الطبرسي    الجزء : 9  صفحة : 289

([43])  سورة الشعراء: الآيات 192، 195.

([44])   سورة النحل: الآية 102.

([45])  الأنعام : 106.

([46])الاحقاف : 9.

([47])الكهف : 110.

([48]) التمهيد فی علوم القرآن المؤلف : الشيخ محمد هادی المعرفت    الجزء : 1  صفحة : 31

([49])  دراسات في علوم القران فهد الرومي المؤلف : فهد الرومي    الجزء : 1  صفحة : 181

 

 21,460 total views,  1 views today