منهج الاستقامة -الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی الموقع الرسمی للشیخ عبدالرضا البهادلی
البحث الثاني :شبهات المستشرقين على الوحي الجزء (5)
2- الوحي نتيجة الامراض النفسية
ادعى بعض المستشرقين أن النبى صلى الله عليه واله كان يعيش المرض النفسي ولذلك اثر عليه ونتج عنه ادعاء الوحي الالهي .
قال جولد تسيهر ([1]) : “وفى خلال النصف الأول من حياته اضطرته مشاغله إلى الاتصال بأوساط استقى منها أفكاراً أخذ يجتريها فى قرارة نفسه، وهو منطو فى تأملاته أثناء عزلته، ولميل إدراكه وشعوره للتأملات المجردة، والتى يلمح فيها أثر حالته المرضية، نراه ينساق ضد العقلية الدينية والأخلاقية لقومه الأقربين والأبعدين”([2]) ولكن ما حقيقة هذه الأمراض، وما نوعيتها؟ يجيب على ذلك عدد من المستشرقين مع تباين تشخيصاتهم.
لذلك زعم شبرنجر([3]) وجوستاف فايل([4]) وغيرهم أن النبي صلى الله عليه واله كان مصاباً بحالات من الصرع يغيب فيها عن الناس وعما حوله، ويظل ملقى على أثرها بين الجبال لمدة طويلة، يسمع له على إثرها غطيط كغطيط النائم، ويتصبب عرقاً، ويثقل جسمه([5])وتعتريه التشنجات، وتخرج منه الرغوة، فإذا أفاق ذكر أنه أوحى إليه، وتلا على أتباعه ما يزعم أنه وحى من الله([6]) .
وقال ان ما يحصل للنبي ’ حالة هستيريا، وتهيجاً عصبياً، يظهر عليه أثرها فى مزاجه العصبى القلق، ونفسه كثيرة العواصف بشكل غامض، حتى كان يصل به الأمر أن لا يفرق بين تعاقب الليل والنهار، وقد هزل على إثرها جسمه، وشحب لونه، وخارت قواه([7]).
وكذلك قال بعضهم إلى أنه نوع من الهوس ([8]) قائلاً: “ونرى محمداً الثاقب النظر من الناحية العلمية من ذوى الهوس، كما هو شأن أكثر مؤسسى الديانات”([9])وبالتأمل فى هذه الافتراءات ترى أنها مع طعنها فى الوحي المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تطعن فى عصمته فى عقله وبدنه.
ويمكن الاجابة على ذلك
(أ) تكرار الشبهة بين الماضي والحاضر
كما قلنا سابقا نقول هنا فالشبهات تتكرر بين الماضي والحاضر فالسابقون اتهموا النبي صلى الله عليه واله بالجنون والسحر والشعوذة وهؤلاء كرروا طريقة اسلافهم من اعداء النبي من مشركي قريش كما قال تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون. أتواصوا به بل هم قوم طاغون}([10]). وقد برأ الله نبيه من هذه الفرية بقوله سبحانه: {فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون}([11]).
(ب) الامة مجمعة على كمال الانبياء
الامة مجمعة على كمال الانبياء وعصمتهم وطهارتهم سواء قبل النبوة او بعدها وهذا هو المنطق السليم في بعث الانبياء عليهم السلام ،فالانبياء عليهم السلام معروفون بالذكاء والفطنة ومكارم الاخلاق والشجاعة، وكذلك لا يمكن ان يعتريهم ما ينفر الناس منهم في ابدانهم واجسادهم والامراض السارية وقد عاش النبي عشرات السنين في قومه فلم يظهر عليه مثل هذه الامراض والجنون وغيرها مما ذكرت ولو كانت لدونها التاريخ كما دون الاشياء الاخرى في حياته ’
قال تعالى {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير لكم بين يدى عذاب شديد}([12]).
(ج) اعراض الصرع غير اعراض نزول الوحي
لا بد ان نعرف ان مرض الصرع كما جاء فى كتاب “الموسوعة العربية الميسرة” أن يرى المريض شبحاً، ويسمع صوتاً أو يشم رائحة ويعقب ذلك وقوع المريض صارخاً على الأرض، وفاقداً وعيه ثم تتملكه رعدة تشنجية تتصلب فيها العضلات، وقد يتوقف فيها التنفس مؤقتاً… ويعقب النوبة خور فى القوى، واستغراق فى النوم يصحو منه المريض خالى الذهن من تذكر ما حدث له… الخ([13]). وهذا بخلاف ما كان يظهر عند النبي صلى الله عليه واله فهو يبقى بكامل قواه العقلية ولا يتغير فحاله قبل الوحي كحاله بعد الوحي كما ورد عنه ’ لما سأل: كيف يأتيك الوحي؟ قال: “أحياناً يأتينى مثل صلصلة الجرس، وهو أشده على، فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال”([14]).
ولذلك نقول ان النبي صلى الله عليه واله قد عاش الى اخر يوم في حياته الشريفة في صحة طيبة لم يطرأ عليه أي مرض يخل بتوازنه كما يحدث للناس العوام في اخر ايام حياتهم
(د) هل يمكن للمريض المجنون ان يقود نفسه
المجنون والمريض والمصروع يصعب عليه قيادة نفسه فكيف يقود غيره بل كيف يقود امة باكملها ويستطيع ان يخرجها من الظلمات الى النور ومن الجهل الى العلم ومن المشاكل الداخلية التي تعيشها المنطقة الى المحبة والمودة والاخاء والعبور بهم الى اسقاط اكبر الامبراطوريات في المنطقة وهي الامة الفارسية .
فهل المريض المتهوس الذى لا يصلح لقيادة نفسه يتسنى له أن يقوم بهذه القيادة العالمية الفائقة، ثم ينجح فيها هذا النجاح المعجز المدهش؟.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد … وينكر الفم طعم الماء من سقم([15]).
قال المستشرق ماكس مايرهوف([16]): “أراد بعضهم أن يرى فى محمد رجلاً مصاباً بمرض عصبى أو بداء الصرع، ولكن تاريخ حياته من أوله إلى آخره، ليس فيه شئ يدل على هذا، كما أن ما قام به فيما بعد من التشريع والإدارة يناقض هذا القول”([17]) .
(هـ) لو كان النبي مريضا لدونه التاريخ
ان التاريخ امامنا وهو لم يترك شاردة او واردة في حياة النبي صلى الله عليه واله الا وقد ذكرها ولا سيما ما يتعلق بالاحكام الواجبة والمستحبة والكثير من الامور في حياته الخاصة والعائلية ،بل حتى اعدائه لقصى ما عابوه عليه انه كان فقيرا كما قال تعالى{لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}([18])
3- ان الوحي مقتبس من الديانة المسيحية والنصرانية
في هذه الشبهة حاول المستشرقون ان يأتوا بصياغة جديدة لشبهة قديمة قد الصقها عتاة قريش عندما عجزوا عن الوقوف بوجه النبي صلى الله عليه واله وهذا كما ان العقلاء لا يختلفون وان اختلفت بهم الامكنة والازمنة، كذلك يدل ان السفهاء والكفار والمنافقين لا يختلفون وان اختلفت اماكنهم وتباعدت ازمنتهم فهم ملة وامة واحدة في الضلال والكفر والنفاق والوقوف بوجه حركات التحرر من العبودية لغير الله تعالى .ولذلك قال هؤلاء أن الوحي انطلق من اليهودية والنصرانية ولكن محمد ’ استطاع ان يكيفه وفق المجتمع الذي يعيش فيه .
يقول المستشرق اليهودي إبراهام جيجر في كتابه ((ماذا اقتبس محمد من اليهودية)) : ((إن القرآن مأخوذ باللفظ أو بالمعنى من كتب اليهود)) ([19]) ويؤكد اليهودي برنارد لويس: ((أن محمداً خضع للتأثيرات اليهودية والمسيحية كما يبدو ذلك واضحاً في القرآن)) ([20]) ويشرح جولدتسهر قائلا: ((تبشير النبي العربي ليس إلا مزيجاً منتخباً من معارف وآراء دينية عرفها بفضل اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية التي تأثر بها تأثراً عميقاً، والتي رآها جديرة بأن توقظ في بني وطنه عاطفة دينية صادقة…. فصارت عقيدة انطوى عليها قلبه، كما صار يعد هذه التعاليم وحيا إلهياً)) ([21]) وقد وصل الأمر ببعضهم وهو ما حكاه فيليب حتى، أن زعموا أن الإسلام برمته بدعة نصرانية أكثر منه ديناً جديداً([22]) بل لم يخف جولد تسيهر قوله فى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد تتلمذ على رهبان النصارى مثل ورقة بن نوفل، وبحيرا، ونسطورا، وصهيب الرومى، وسلمان الفارسى، المسيحى الأصل، وأحبار اليهود مثل عبد الله بن سلام، الذين كانوا أساتذة له([23]) ويرى( بروكلمان) أن ذلك تم من خلال رحلاته، والذين عاشوا معه بعد إسلامهم([24])
الجواب على هذه الشبهة
(أ) النبي صناعة الهية
لم تكن هذه الشبهة حديثة بل هي قديمة وذلك لان المشركين قد قالوا للنبي صلى الله عليه واله كما ذكر القرآن الكريم (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ) ([25])
ولكن هذا الزعم باطل لان النبي صلى الله عليه واله قد ثبتت عصمته وطهارته واخلاقه وهو صناعة الهية قد ادبه ربه فاحسن تاديبه وعلمه هو فاحسن تعليمه ولم يكن عليه لاحد فضل او منة غير الله تعالى في التعليم والاداب .كما قال لقد صلى الله عليه واله: أدبني ربي فأحسن تأديبي([26]) .
وقال علي عليه السلام في نهج البلاغة ((ولقد قرن اللّه به ، صلّى اللّه عليه وآله ، من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه [٣] يرفع لى فى كلّ يوم من أخلاقه علما ، ويأمرنى بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور فى كلّ سنة بحراء [٤] ، فأراه ولا يراه غيرى ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ فى الإسلام غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، وخديجة ، وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحى والرّسالة ، وأشمّ ريح النّبوّة ولقد سمعت رنّة الشّيطان حين نزل الوحى عليه ، صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، فقلت : يا رسول اللّه ، ما هذه الرّنّة؟ فقال : «هذا الشّيطان أيس من عبادته ، إنّك تسمع ما أسمع ، وترى ما أرى ، إلاّ أنّك لست بنبىّ ، ولكنّك وزير ، وإنّك لعلى خير»([27]) .
(ب) القرآن تحدى الجميع بالاتيان بمثله
ان هذه الشبهات لا تسمن ولا تغني من جوع وهي حجة العاجز والذي لا يستطيع ان يواجه الحقيقة بحقيقة مثلها والدليل بالدليل فيلجأ الى هذا الاسلوب الرخيص والاتهام الباطل والا فالقرآن الكريم تحدى الجميع بان ياتوا بمثله فقال تعالى {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}([28]) . فيا ايها المستشرقون والذين تشككون في الوحي تجمعوا جميعكم ثم اتوا بمثل القرآن .؟
(ج) رحلات النبي لم تكن تعليمية
النبي صلى الله عليه واله وان كان قد سافر خارج مكة ولكن سفره لم يكن للتعليم وانما كان للتجارة ولذلك لم يكتب لنا التاريخ انه قد سافر من اجل الدراسة والتعليم ولذلك يجب على هؤلاء المستشرقين ان يجيبوا على هذه الاسئلة فهل ان النبي ’ قد سافر للتعليم وكم هي المدة التي قضاها في التعليم ومن هم الذين درس عندهم وماذا درس عندهم ،نعم هنا روايات تاريخية تذكر ان النبي التقى بالراهب بحيرا([29]) ولكن كان مرة واحدة عندما سافر فيها إلى الشام، وكان معه عمه أبى طالب، وكان عمره صلى الله عليه وسلم، إذ ذاك لا يتعدى اثنتى عشر عاماً ،ولكن لو كان بحيرا انى لبحيرا هذه العلوم والمعارف التي جاء بها النبي ’ ،نعم ما يذكره التاريخ، ما زاد على أن يقول له: إن الراهب “بحيراً” لما رآه تظله سحابة من الشمس، ورأى فيه بعض أمارات النبوة ذكر لعمه، أنه سيكون له شأن، وحذره أن تناله اليهود بأذى ا([30]).
وكذلك الحال عندما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالراهب نسطور ([31]) ، وهو فى طريقه إلى الشام، يعمل فى تجارة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها، وكانت هذه هى المرة الثانية والأخيرة فى رحلاته خارج مكة، وكان صلى الله عليه وسلم إذ ذاك شاب فى الخامسة والعشرين من عمره، وفى صحبته غلام خديجة ميسرةوالذى تحدث به الراهب نسطورا
كما الشرف للنيسابوري: فلما رأى الراهب الغمامة تظله صلى الله عليه وسلم فزع وقال: ما أنتم عليه: أي أيّ شيء أنتم عليه؟ قال: ميسرة غلام خديجة رضي الله تعالى عنها، فدنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سرا من ميسرة وقبل رأسه وقدمه وقال: آمنت بك، وأنا أشهد أنك الذي ذكره الله في التوراة، ثم قال: يا محمد قد عرفت فيك العلامات كلها: أي العلامات الدالة على نبوتك المذكورة في الكتب القديمة، خلا خصلة واحدة، فأوضح لي عن كتفك، فأوضح له فإذا هو بخاتم النبوة يتلألأ، فأقبل عليه يقبله ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله النبي الأمي الذي بشر بك عيسى ابن مريم، فإنه قال: لا ينزل بعدي تحت هذه الشجرة إلا النبي الأميّ الهاشمي العربي المكي، صاحب الحوض والشفاعة، وصاحب لواء الحمد انتهى([32]).
والمتأمل يجد ان هذه لقاءات عابرة لا يمكن ان تكون دروس قد تعلم منها النبي صلى الله عليه واله بل على العكس من ذلك ان هؤلاء هم الذين امنوا برسالته وبشروه كما عندهم من علامات .
إن هذه وهي تهمة التعليم لو كان لها نصيب من الصحة، لفرح بها قومه وقاموا لها وقعدوا، لأنهم كانوا أعرف الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا أحرص الناس على تبهيته وتكذيبه وإحباط دعوته بأية وسيلة([33])
(د) تحليل رواية ورقة بن نوفل
من ضمن الاتهامات والشبهات ان النبي صلى الله عليه واله اخذ الوحي من ورقة بن نوفل واليك هذه الرواية فبعد ذكر نزول أمين الوحي عليه في جبل حراء ) « فرجع بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد ( رضي الله عنها ) فقال : زمّلوني زمّلوني ، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة ـ واخبرها الخبر ـ لقد خشيت على نفسي ، فقالت خديجة : كلاّ والله ما يخزيك الله أبداً إنّك لتصل الرحم ، وتحمل الكل وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحقّ ، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة ، وكان أمرئً تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمي ، فقالت له خديجة يا ابن عمّ اسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعاً ليتني أكون حيّاً إذ يخرجك قومك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمخرجي هم ؟ قال : نعم ، لم يأتِ رجل قطّ بمثل ما جئت به إلاّ عودي ، وان يدركني يومك ، أنصرك نصراً مؤزّراً ثم لم ينشب ورقة أن توفّي وفتر الوحي »([34])
ان هذه النصوص يمكن القدح فيها لان الانسان المتدبر في حالات الانبياء عليهم السلام يجد ان الانبياء عليهم السلام اعظم شانا من السؤال عن حالاته مع الله تعالى وهم اعلم بانفسهم من هؤلاء الذين قد افترض الذهاب اليهم .
قال الشيخ السبحاني في تحليله لهذه النصوص (إنّ النبوّة كما عرفت منصب إلهي لا يفيضه الله إلاّ على من امتلك زخماً هائلاً من القدرات الروحية والقوى النفسية العالية حتّى يقوى على معاينة الوحي ، ومشاهدة الملائكة فلا داعي عندها للذهاب الى ورقة وغيره للسؤال منهم ،ثم ان قول إنّ قول خديجة لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كلاّ والله ما يخزيك الله أبداً ، تعرب من أنّها كانت أوثق إيماناً بنبوّته من نفس الرسول ، وان ورقة بن نوفل كان اعلم بالسرّ المودع في قلب رسول الله من نفسه عندما ذهبت خديجة مع النبي صلى الله عليه واله اليه يستخبرونه الحال )([35]).
وعلى كل حال لا يمكن الوثوق بهذه الاخبار لانها فيها انتقاص لمقام النبوة والانبياء عليهم السلام .
ولو تنزلنا وقلنا بصحة هذه الروايات مع ذلك فورقة ليس معلما للنبي ’ وانما كلما في الامر قد اخبره ان ما جاءه هو الناموس الذي ياتي الى الانبياء عليهم السلام .
(هـ) بطلان دعوى التعلم من الاعجمي
من الاتهامات القديمة الحديثة دعوى ان النبي صلى الله عليه واله تعلم من بعض من كان موجودا في مكة وقد اختلف في نسبة هذا الشخص
قال الطبرسي ( إنا نعلم أن الكفار يقولون إن القرآن ليس من عند الله ، و إنما يعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشر . قال ابن عباس : قالت قريش : إنما يعلمه بلعام ، وكان قينا بمكة ، روميا نصرانيا ) ([36]). وقال بعضهم صهيب الرومي([37]).
ولكن هذه التهمة باطلة فصهيب او غيره اعجمي لا يجيد العربيةبينما القرآن في أعلى طبقات الفصاحة التي سجد لها بعض الأعراب، والتي لا يستقيم عقلا أن يتعلمها النبي صلى الله عليه وسلم من أعجمي، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}([38]).
(و) هل يمكن ان يتعلم النبي من اهل الكتاب
ويمكن عد هذه الشبهة من اسوا الشبهات وهو ان النبي صلى الله عليه واله قد تعلم واخذ الوحي من اهل الكتاب في زمانه ،وذلك لوجود التناقضات والاشكالات والضلال والانحراف الكبير في دين اهل الكتاب وهذا ما اشار اليه القران الكريم ، فلو كانوا اهل الكتاب قد تعلم منهم لما ذمهم وقاتلهم وطلب منهم الدخول في الاسلام والدين وكشف انحرافهم عن خط الانبياء عليهم السلام وهذا ما نشاهده في القران الكريم من اول الكتاب الى اخره .
قال تعالى : {وقالت اليهود عزيز ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم أفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يأفكون. اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}([39]).
تاسعا: غاية واهداف انكار الوحي
الاسلام العظيم الذي هو خاتم الاديان والقرآن الكريم يمثل اكبر ثروة فكرية وعقائدية واخلاقية وفلسفية وكل ما يحتاجه الانسان في هذه الحياة وبهذا يعبر الامام الصادق عليه السلام في حقيقة القرآن كما عن المعلى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله ع: ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال([40]).
وقد عرف العالم الغربي حقائق القرآن العظيم ومعارفه وعلومه وقوانينه العظيمة والتي تنسجم مع العقل والفطرة ،وان المسلمين لو التزموا فيه وعملوا ما فيه وطبقوه سوف تنهار امامهم كل قوى العالم وبما انهم لا يريدون الاسلام ان ينتشر لذلك وقف هؤلاء يصدون الناس بكل اشكال الصد والمنع عن القرآن بايجاد الاشكالات والشبهات القديمة ولكن بصياغات جديدة في محاربة الاسلام ،ولو طالعنا بعض من كلمات هؤلاء لوجدنا حقيقة كيف يحاربون القران والاسلام من اجل ان لا يسيطر الوحي والقران وتعاليم الاسلام على واقع العالم كله .
لذلك يجب علينا ان نعرف الغاية من وراء انكار الوحي والقران هو القضاء على الاسلام من اساسه لان القران هو الشيء الوحيد الذي يمكن ان يجمع الامة الاسلامية وهو الشيء الوحيد الذي لا يمكن الطعن فيه من كل المذاهب الاسلامية فاذا تزعزعت ثقة المسلمين فيه فمن الاولى ان لا يؤمن به غير المسلمين فغير المسلمين من الممكن ان يتاثروا بالقرآن الكريم بما فيه من قيم واخلاق ومبادي وتعاليم تنسجم مع فطرة الانسان وعقله ولذلك عمل مفكروا الغرب من اجل هذه الغاية وهو التشكيك في القران العظيم كما توضح عندنا في البحوث المتقدمة ،ولذلك علينا ان لا نستغرب من استخدم هؤلاء كل الوسائل من اجل تدمير الاسلام والقران العظيم بل اسسوا المؤسسات الفكرية والاستراتيجية التي عملت ليلا ونهارا من اجل هذه الاغراض وهو صد المشروع الاسلامي والفكر الاسلامي الذي يمثل القران وتعالميه الوجه الناصع والجميل من اجل عدم وصوله الى بيوتهم ومنازلهم . وكل ما يجري في العالم فهو من تخطيط الغرب الكافر وان كانت هناك قابليات في المجتمع الاسلامي من اجل تلقي هذا الفكر الاستعمار .
واليك بعض من كلماتهم
1- يقول لورنس براون: إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي([41]).
2- ويقول غلادستون رئيس وزراء بريطانيا سابقاً: ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق([42]).
3- ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر: إننا لن ننتصر على الجزائريين ماداموا يقرأون القرآن ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم([43]).
وعلى كل حال سواء قالوا بهذه الكلمات وصرحوا بها ظاهرا او لم يصرحوا بها فاثارهم واضحة في محاربة الاسلام والتخطيط للقضاء عليه بكل الوسائل.؟
اللهم بحق الحسين اشف صدر الحسين بظهور المهدي عليه السلام
__________________________________________________
([1])مستشرق مجرى يهودى، رحل إلى سورية وفلسطين ومصر، ولازم بعض علماء الأزهر، له تصانيف باللغات الألمانية، والإنجليزية، والفرنسية، ترجم بعضها إلى العربية، قال الدكتور السباعى: عرف بعدائه للإسلام، وبخطورة كتاباته عنه، وهو من محررى دائرة المعارف الإسلامية، كتب عن القرآن والحديث، ومن كتبه: تاريخ مذاهب التفسير الإسلامى، والعقيدة والشريعة فى الإسلام، وغير ذلك مات سنة 1921م له ترجمة فى: الأعلام للزركلى 1/284، والاستشراق للدكتور السباعى ص31، 32، وآراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره للدكتور عمر إبراهيم 1/161، 162.
([2])العقيدة والشريعة فى الإسلام ص112.
([3])هو: ابن كرستوفر شبرنجر، مستشرق نمسوى، يجيد كثيراً من اللغات، له إلمام بالأدب الشرقى مات سنة 1893م، من آثاره: حياة محمد، وقد نشر بعض الكتب العربية مثل: الإصابة فى تمييز الصحابة، والإتقان فى علوم القرآن، له ترجمة فى: الأعلام 2/8، والمستشرقون لنجيب العقيقى 2/631، 632.
([4])مستشرق ألمانى، له كتاب مدخل تاريخى نقدى إلى القرآن، مات سنة 1889م. ينظر: آراء المستشرقين حول القرآن وتفسيره 1/229.
([5])ينظر: آراء المستشرقون حول القرآن وتفسيره 1/398.
([6])الإسلام والمستشرقين لنخبة من العلماء ص202.
([7])مقدمة القرآن لمونتجمرى وات ص17، 18، ومقدمة القرآن لبل ص29، 30، وينظر: سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فى تصورات الغربيين للدكتور محمود زقزوق ص20.
([8])الهوس: بالتحريك، طرف من الجنون، ويرادفه المس. ينظر: مختار الصحاح ص701، والقاموس المحيط 2/258.
([9])حضارة العرب لجوستاف لبون ص126، 127، وينظر: الوحي القرآنى فى المنظور الاستشراقى ونقده للدكتور محمود ماضى ص109، 123.
([10]) الآيتان 52، 53 الذاريات.
([13]) الموسوعة العربية الميسرة ليوسف إلياس سركيس حرف الصاد، مادة صرع.
([14]) مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب ، ج1 ، ص41 .
([15]) مناهل العرفان فى علوم القرآن للزرقانى 1/81، 82 بتصرف، وينظر: النبى محمد صلى الله عليه وسلم لعبد الكريم الخطيب ص139، والسيرة النبوية فى ضوء القرآن والسنة للدكتور أبى شهبة 1/274.
([16]) مستشرق ألمانى، من كبار أطباء العيون العالميين، وفى طليعة مؤرخى الطب العربى، تعد اكتشافاته فيه، وكتابته عنه، بالفرنسية والإنجليزية والألمانية، مرجعاً دقيقاً وافياً، سكن مصر، وانتخب نائباً لرئيس المعهد المصرى، والجمعية الطبية المصرية. توفى بالقاهرة سنة 1945م. له ترجمة فى: المستشرقون الأمانى تراجمهم ص141 – 144، والأعلام للزركلى 5/256، 257.
([17]) ينظر: الإسلام والرسول فى نظر منصفى الشرق والغرب لأحمد بوطامى ص162.
([19])المستشرقون وترجمة القرآن الكريم، محمد صالح البنداق، ص 108. دار الآفاق الجديدة، ط2، بيروت 1403هـ ـ 1983م.
([20]) رؤية إسلامية للاستشراق ، أحمد عبد الحميد غراب ،ص 112 ، المنتدى الإسلامي، لندن 1411هـ.
([21])جولدتسهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، ص 12، بترجمة محمد يوسف موسى وآخرون، القاهرة 1948م.
([23]) العقيدة والشريعة ص13، 14، وحياة محمد لدر منغم ص125، 126، ودائرة المعارف الإسلامية ترجمة أحمد الشنتناوى وغيره المجلد 8/232، والاستشراق فى السيرة النبوية لعبد الله محمد الأمين ص65، ومناهج المستشرقين فى الدراسات العربية الإسلامية لجماعة من العلماء 1/37، 38، والوحي القرآنى فى المنظور الاستشراقى ونقده للدكتور محمود ماضى ص117، 145.
([24]) ينظر: تاريخ الشعوب الإسلامية ص34.
([26]) ميزان الحكمة المؤلف : محمدي الريشهري الجزء : 1 صفحة : 58
([27])نهج البلاغة ط-مطبعة الإستقامة المؤلف : محمد عبده الجزء : 2 صفحة : 183
([29])بحيرا: راهب. قيل إنه كان يهودياً من يهود تيماء، وقيل كان نصرانياً من عبد القيس، يقال له جرجس، لقيه النبى صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، له ترجمة فى: أسد الغابة 1/355 رقم 371، وتجريد أسماء الصحابة 1/44، والبداية والنهاية 2/213، 214.
([30])السيره الحلبيه انسان العيون في سيره الامين المامون ، نور الدين الحلبي ،ج 1 ،ص 174.وما بعدها .
([31])هو: بطريرك الإسكندرية سنة 431م، وهو الذى قال بأن مريم لم تلد إلا الإنسان فهى بذلك أم الإنسان، وليست أماً لإله، وأتباعه هم النساطرة، ومذهبهم وضع الأساس للقول بطبيعتين فى المسيح. ينظر: الموسوعة المسيرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص502، 503، والملل والنحل للشهرستانى 2/251 – 253.
([32])السيره الحلبيه انسان العيون في سيره الامين المامون المؤلف : نور الدين الحلبي الجزء : 1 صفحة : 194
([33]) مناهل العرفان فى علوم القرآن للزرقانى 2/452 – 456 بتصرف واختصار، وينظر: الإسلام والمستشرقون لنخبة من العلماء المسلمين ص228.
([37]) هو: صهيب بن سنان بن مالك الرومى، وإنما قيل له الرومى، لأن الروم سبوه صغيراً، وهرب من الروم لما كبر وعقل، فقدم مكة، وكان من السابقين إلى الإسلام، وكنيته أبو يحيى، كناه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات سنة 38هـ بالمدينة. له ترجمة فى: أسد الغابة 3/38 رقم 2538، ومشاهير علماء الأمصار ص27 رقم 76، والاستيعاب 2/726 رقم 1226.
([39])[1] الآيتان 30، 31 التوبة.
([40])] المحاسن ، البرقي ، ج ١ :ص ٤١٧ ، ح ٣٦١.
([41])التبشير والاستعمار “: ص 104.
([42])” الإسلام على مفترق الطرق ” لمحمد أسد: ص 39.
([43])المنار “، عدد 9/ 11 / 1962 م.
18,704 total views, 10 views today
