سرخط خبرها
خانه / تفسير القران / سورة البقره / تفسير قوله تعالى( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ …..) 121 .

تفسير قوله تعالى( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ …..) 121 .

 في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (121)

قال تعالى( فَلَمَّا فَصَلَ([1]) .  طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) سورة البقرة  249 .

نتعرض في هذه الاية الى مطالب

اولا : الامتحان يبين حقيقة الناس

الامتحان يبين حقيقة الانسان وهو مدار الثواب والعقاب والقرب من الله ، فلا يمكن الحكم على شخص بانه بخيل ما لم يتعرض الى موقف يتطلب منه الكرم ولكنه يبخل ؟ ولا يمكن الحكم على شخص بانه جبان حتى يعرف في مواقف البطولة والشجاعة ،ولا يمكن الحكم على شخص بانه عفيف حتى يتعرض الى موقف يتطلب منه العفة ؟ولا يمكن الحكم على شخص بانه صادق وامين حتى يكون في موقع الامانة والمسؤولية التي تتطلب الصدق والامانة .؟ ولذلك قال تعالى (أَحَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللّهُ الّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذِبِينَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) ([2]) .

ثانيا : النهر صورة رمزية للابتلاء

بعد أن آمن هؤلاء بطالوت قائدا عليهم بسبب التابوت الذي فيه السكينة ؟ توجه طالوت الى ملاقات وقتال العدو، واخبرهم ان الله سوف يبتليهم بنهر حتى يعرف طاعتهم واخلاصهم وانقيادهم الى الاوامر الالهية ، وفي حقيقة الامر ان الايمان بالاوامر الالهية تاتي نتيجة الايمان القلبي بما يؤمن به الانسان فما لم يصل الايمان الى درجة كبيرة لا يمكن القبول بالاوامر وتطبيقها والعمل بها وهذا ما تحقق فعلا في هؤلاء الذين لم ينقادوا بل سقطوا في الفتنة والابتلاء الا القليل منهم لذلك قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) .

 ويمكن اعطاء صورة اخرى للنهر وهو ان الابتلاء بالنهر صورة رمزية للابتلاء في هذه الحياة الدنيا ، فالنهر هو الدنيا والشارب منها بكثرة فهو الذي عشقها حتى اعمته ،واما الذي لم يشرب منها فهو الزاهد فيها بكله ،واما الذي اغترف غرفة بيده فهو الذي اخذ قدر الحاجة من هذه الدنيا .

عن الإمام الكاظم عليه السلام : فيما أوصى لقمان لابنه : إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان وشراعها التوكل، وقيمها العقل، ودليلها العلم، وسكانها الصبر([3]) .

الثالث : الاستثناء في القرآن  

الاستثناء أحد قواعد اللغة العربية، والاستثناء حالة خاصة تخرج عن القاعدة العامة المتعارف عليها وهي كثير في القران الكريم كما في هذه الاية فانه بعد ان ابتلى الله الجنود بعدم شرب الماء استثنى ان يشربوا  مقدارا قليلا من الماء  (إلا من اغترف غرفة بيده وهو مستثنى من قوله تعالى ( فمن شرب منه فليس مني ) .

قال الاندلسي : (إلا من اغترف غرفة بيده) هذا استثناء من الجملة الأولى، وهي قوله: * (فمن شرب منه فليس مني) * والمعنى: أن من اغترف غرفة بيده دون الكروع فهو مني، والاستثناء إذا اعتقب جملتين، أو جملا، يمكن عوده إلى كل واحدة منها، فإنه يتعلق بالأخيرة، وهذا على خلاف في هذه المسألة مذكور في علم أصول الفقه، فإن دل دليل على تعلقها ببعض الجمل كان الاستثناء منه، وهنا دل الدليل على تعلقها بالجملة الأولى، وإنما قدمت الجملة الثانية على الاستثناء من الأولى لأن الجملة الثانية تدل عليها الأولى بالمفهوم، لأنه حين ذكر أن الله يبتليهم بنهر، وأن من شرب منه فليس منه، فهم من ذلك أن من لم يشرب منه فإنه منه، فصارت الجملة الثانية كلا فصل بين الأولى والاستثناء منها إذا دلت عليها الأولى، حتى إنها لو لم يكن مصرحا بها لفهمت من الجملة الأولى([4]) .

 الرابع : التخاذل والخوف نتيجة عدم الايمان

التردد والتخاذل والخوف امام الاعداء نتيجة عدم الايمان بالقضية التي يؤمن بها الانسان وعدم الايمان بالله الذي بيده ملكوت السموات والارض القادر على كل شيء قدير ، لذا نرى هؤلاء من بني اسرائيل الذين ساروا مع طالوت لما رأوا جماعة جالوت وكثرتهم وقوتهم سقطوا في الاختبار الثاني فقالوا لا طاقة لنا بجالوت (قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ) وهذا الخوف هو نتيجة لسقوطهم في الامتحان الاول والا فلو نجحوا في الامتحان الاول لما سقطوا في الامتحان الثاني وكانما الخطأ يجر الى الخطأ والسقوط يجر السقوط ،لذلك على الانسان ان ينتبه اذا سقط في الامتحان الاول ان يتوجه بكله الى الله تعالى ان يغفر له وان يوفقه في الامتحانات الاخرى .

قال ابو السعود : ﴿لا طاقَةَ لَنا اليَوْمَ بِجالُوتَ وجُنُودِهِ﴾؛ أيْ: بِمُحارَبَتِهِمْ؛ ومُقاوَمَتِهِمْ؛ فَضْلًا عَنْ أنْ يَكُونَ لَنا غَلَبَةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِما شاهَدُوا مِنهم مِنَ الكَثْرَةِ؛ والشِّدَّةِ ([5]) .

الخامس: قوانين النصر والخسارة بيد الله

على الانسان ان يتيقن ان قوانين النصر والخسارة بيد الله تعالى فهو ينظر الى المصلحة في النصر والخسارة ، والى النسبة المؤمنة والصابرة في الفريقين المتحاربين ، فليس الكثرة والقلة هي المقياس في النصر والخسارة ،لذلك قال المؤمنون الذين لم يشربوا من النهر(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) .

 (قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله) أي: راجعون إلى الله، وإلى جزائه ، (كم من فئة) اي: فرقة (قليلة غلبت فئة كثيرة) أي: قهرت فرقة كثيرة (بإذن الله) أي: بنصره، عن الحسن، لأنه إذا أذن الله في القتال، نصر فيه على الوجه الذي أذن فيه (والله مع الصابرين) بالنصرة لهم على أعدائهم.([6]) .

__________________________________________

([1]) ومَعْنى فَصَلَ بِالجُنُودِ: قَطَعَ وابْتَعَدَ بِهِمْ، أيْ تَجاوَزُوا مَساكِنَهم وقُراهُمُ الَّتِي خَرَجُوا مِنها

([2]) سورة العنكبوت : الاية 2 و 3 .

([3]) ميزان الحكمة المؤلف : محمدي الريشهري    الجزء : 2  صفحة : 920

([4])تفسير البحر المحيط المؤلف : أبي حيان الأندلسي    الجزء : 2  صفحة : 274

([5]) تفسير أبي السعود المؤلف : أبي السعود    الجزء : 1  صفحة : 243

([6]) تفسير مجمع البيان المؤلف : الشيخ الطبرسي    الجزء : 2  صفحة : 148

 1,211 total views,  1 views today

درباره ی mohamed baqr

همچنین ببینید

تفسير قوله تعالى(لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ …..) 136.

ليس وظيفة الانبياء اجبار الناس على الايمان ولا اجبارهم على الاتصاف بصفات الكمال والسجايا الكريمة في النفس واخراج الصفات السيئة من نفوسهم من المن والتثاقل في الانفاق ، وانما وظيفة الانبياء هو التبليغ والارشاد بافضل الوسائل الممكنة من اجل ان تصل اليهم الفكرة المراد تطبيقها في واقع الحياة ،واما الهداية الى الايمان الخالص او الى السجايا الكريمة في النفس فتنفتح النفس على الايمان والانفاق بدون المن والاذى والتثاقل فتبقى في علم الله تعالى فهو اعلم بمن ضل عن سبيله وبمن اهتدى بالاضافة الى وجود الالطاف الالهية لبعض الناس الذين يشملهم الله بلطفه بعد ان اوجدوا مقدمات الهداية باختيارهم .  

پاسخی بگذارید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *