في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (2)
قال تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ) سورة البقرة ،الاية 2 .
نتعرض في هذه الاية المباركة الى مطالب عدة
اولا : القرآن ليس كتابا علميا وانما كتاب هداية
ان القرآن الكريم ليس كتابا طبيا او للعلوم الطبيعية او الفلسفية بل هو كتاب هداية للمتقين ولمن يريد ان يكون متقيا على مستوى الافراد او على مستوى المجتمع ،قال تعالى(الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) ([1]). وقال (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وهُدىً ورَحْمَةٌ ) ([2]). وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حقيقة القرآن (اعْلَمُوا أَنَّ هذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لاَ يَغُشُّ، وَالْهَادِي الَّذِي لاَ يُضِلُّ، وَالُْمحَدِّثُ الَّذِي لاَ يَكْذِبُ. وَمَا جَالَسَ هذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَة أَوْ نُقْصَان: زِيَادَة فِي هُدًى، أَوْ نُقْصَان مِنْ عَمىً. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَد بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَة، وَلاَ لاَِحَد قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى; فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ، وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لاَْوَائِكُمْ، فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ: وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ، وَالْغَيُّ وَالضَّلاَلُ) ([3]).
ثانيا :وجود الاشارات العلمية في القران
نحن قلنا ان القرآن الكريم كتاب هداية ولكن لا يعني عدم وجود اشارات علمية في الكتاب ولكن لا يجوز الاسقاطات العلمية على القرآن الكريم الا اذا كانت يقينية وذلك لان العلوم نسبية وتتغير من زمن الى آخر وخوفا من التناقض الذي ربما سوف يؤثر على قيمة ومكانة القرآن في نفوس المؤمنين .
ثالثا: القرآن خير مطلق لانه من الله تعالى
ان هذا القرآن لا ريب فيه انه من الله تعالى، وقد جاء بلغة العرب وهم اهل الفصاحة والبلاغة ومع ذلك فقد عجز العرب على ان يعارضوه ولو في سورة صغيرة من سوره بل تحدى الله تعالى العالم بأسره لو اجتمعوا جميعا لا يمكن لهم ان ياتوا بمثله كما قال تعالى( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) ([4]). ولذلك فالقران خير مطلق لانه يحمل في طياته كل القيم السماوية وبما ينسجم مع الفطرة الانسانية الى يوم انتهاء هذه الحياة على وجه الارض ولا يوجد في القرآن اي ضلال او ظلم او كفر او جهل .
رابعا : القرآن دستور للانسان المتقي في الحياة
القرآن الكريم جاء من اجل كل الناس ليخرجهم من الظلمات الى النور، ولكن انما صار كتاب هداية للانسان المتقي ،لان الانسان المتقي جعله دستورا في حياته فلا يتقدم على القران ولا يتخلف عليه بل القران يرافقه في كل خطواته وحركته في الحياة سواء في علاقته مع الله العمودية او علاقته مع الواقع والنفس والمجتمع والمخلوقات الاخرى افقيا ،ولذلك اصبح الانسان المتقي مظهر الله وصورته وخليفته في الارض .؟
قال السيد حيدر الاملي : وخصّ هدايته بالمتّقين مع أنّه هداية للعالمين ليعلم أنّ هدايته الخاصّة مخصوصة بالمتّقين دون غيرهم لأنّ الهداية على ثلاثة أنواع : هداية العام ، وهداية الخاص ، وهداية خاصّ الخاصّ ،والتقوى وسيلة فيضان النور من حضرة الحق إلى قلب المتّقي ،وبيان ذلك ، وهو أن عبدا من عبيده مثلا إذا قام بالتّقوى على ما ينبغي المشار إليه في قوله (اتَّقُوا اللَّه َ حَقَّ تُقاتِه ِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ([5]). وأدّى حقّها على ما هو عليها في نفس الأمر وزال عن قلبه بعد ذلك حجاب الكثرة والتّفرقة ، واضمحلّ عن مرآة نفسه ومن الظَّلمة والغفلة ، ووصل إلى حدّ الصقالة والصّفاء التّام الكامل ، أفاض عليه تعالى نورا من أنواره وانفسح به عين بصيرته ، وانكشف له عالم الملكوت والجبروت ، ونزل عليه من سماء جوده وفضله الحكمة والمعارف والعلوم والحقائق ، كما قال النبيّ ( ص ) :« من أخلص للَّه تعالى أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه » ([6]). وأشار الحقّ تعالى في كتابه بقوله :(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الأَلْبابِ ([7])(.([8])(.
______________________________________
([1]) إبراهيم (1)
([3]) نهج البلاغة ،محمد الدشتي ،ج1 ،ص 169
([5]) [ سورة آل عمران : 102 ] .
([6]) ورد هذا الحديث بعبارات محتلفة فعن أصول الكافي ج 2 ص 16 حديث 6 : عن الباقر ( ع ) قال : ما أخلص العبد الإيمان باللَّه عزّ وجلّ أربعين يوما ، أو قال : ما أجمل عبد ذكر اللَّه عزّ وجلّ أربعين يوما ، إلا زهّده اللَّه عزّ وجلّ في الدنيا وبصّره داءها ودواءها فأثبت الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه الحديث ، نقله عن الكافي أيضا البحار ج 70 ، ص 240 ، حديث 8 .( ب ) عيون أخبار الرضا ( ع ) ج 2 ، ص 68 : عن الرضا ( ع ) قال : قال رسول اللَّه ( ص ) : ما أخلص عبد اللَّه عزّ وجلّ أربعين صباحا إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه .
([8]) تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم ، السيد حيدر الآملي ، ج 1 ، ص263 .