( الانسان المملكة )
منذ سنوات وبعد دخولي في الغوص في معرفة النفس الانسانية ،اطلقت على الانسان بانه (الانسان المملكة)وفعلا فهو اكبر مملكة ولكن الكثير لا يشعر بهذه الحقيقة ولم يتحرك لاكتشافها ،ولذلك قد يموت الكثير ويخرج من الدنيا وهو جاهل بنفسه .
يقول الامام علي عليه السلام
وتحسب انك جـِرمٌ صغير ***** وفيك انطوى العالم الاكبر
داؤك منك وما تبصر ***** دواؤك فيك وما تشعر
وأنت الكتاب المبين الذي ***** بأحرفه يظهر المُضمَر
ومن اجل ان الانسان مملكة عظيمة وكبيرة فضلها الله على كثير ممن خلق في هذا الوجود بل جعل الله هذا الوجود كله مسخر للانسان وفي خدمة الانسان كما قال تعالى(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ )لقمان (20) . وكذلك في الحديث القدسي :(خلقت الاشياء لاجلك، وخلقتك لاجلي).
ولكن هذا الانسان المملكة حتى يكون مملكة صالحة ويمثل خليفة الله ووجه الله في الارض عليه ان يتجاوز عقبات كثيرة والا فسوف لا يكون فرق بينه وبين بقية البهائم في الكون ،كما قال تعالى (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) الفرقان (44)
العقبة الاولى : الشيطان
فالشيطان هدفه الانسان ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ) (16)سورة الأعراف .ومعنى ذلك ان الشيطان يقول يارب انني سوف استخدم كل الوسائل من اجل اسقاط الانسان ﴿ ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (17) سورة الأعراف .
العقبة الثانية :النفس الامارة بالسوء
وهوى النفس : فالنفس امارة بالسوء الا ما رحم وقد شرح زين العابدين عليه السلام حقيقة النفس في مناجاة الشاكين ( إِلهِي إِلَيْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً وَإِلى الخَطِيئَةِ مُبادِرَةً وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تَسْلُكُ بِي مَسالِكِ المَهالِكِ وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِكٍ كَثِيرَةَ العِلَلِ طَوِيلَةَ الاَملِ إنْ مَسَّها الشَرُّ تَجْزَعُ وَإنْ مَسَّها الخَيْرُ تَمْنَعُ مَيَّالَةً إِلى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ مَمْلُوَّة بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ تُسْرِعُ بِي إِلى الحَوْبَةِ وَتُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ)
العقبة الثالثة : الدنيا
فالدنيا وما فيها من مغريات كثيرة من الشهوات والملذات والمناصب والكراسي والاموال وجعل ذلك فتنة الانسان في الحياة الدنيا ،..كما قال تعالى :(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) .وقال تعالى : (ونبلوكم بالخير والشر فتنة).
وقد جمع الشاعر هذه العقبات في ههذه الابيات الجميلة .
إبليس والدنيا ونفسي والهوى *** كيف الخلاص وكلهم أعدائي؟
إبليس يسلك في طريق مهالكي *** والنفس تأمرني بكل بلائي
وأرى الهوى تدعو إليه خواطري *** في ظلمة الشبهات والآراء
وزخارف الدنيا تقول أما ترى **** حسني وفخر ملابسي وبهائي؟
«كشف الخفاء» للعجلوني (1/40، 160)